خفض أيام العمل في مصر: مقدمة لتقليص أعداد موظفي الدولة

08 اغسطس 2018
تستهدف الحكومة خفض أعداد الموظفين وفق استراتيجيتها(محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت الحكومة المصرية خطوات جادة نحو تنفيذ مقترح بخفض عدد أيام عمل العاملين في الجهاز الإداري للدولة، بناءً على قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة صالح الشيخ، لبحث تطبيق نظام "الساعات المرنة"، والمفاضلة بين مقترحات عدة، من أبرزها تخفيض أيام العمل الرسمية من 5 إلى 4 أيام، أو العمل بنظام الورديات على مدار 6 أيام في الأسبوع.

وأفاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، بأن مقترح الحكومة يقضي بتقليص عدد أيام العمل، وليس تخفيض عدد الساعات، من دون المساس بأجور الموظفين، وذلك بحجة ترشيد الإنفاق الحكومي، وتخفيف حدة الازدحام المروري، وهما من المبررات التي تستهدف التغطية على الهدف الحقيقي من وراء تعديل منظومة العمل داخل الحكومة، وهو تقليص أعداد الموظفين من خلال تهميش دور جانب منهم، ومن ثم تسريحهم من الخدمة.

وشرعت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الأشهر الأخيرة، في إيقاف نسبة غير قليلة من العاملين بالجهاز الحكومي إيذاناً بفصلهم، بدعوى تعاطيهم المخدرات، في بادرة منها نحو المضي قدماً بخطة خفض أعداد الموظفين في جهاز الدولة، بوصفها أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي بشأن برنامج مصر الاقتصادي، للإفراج عن شرائح قرضه المقدم إلى القاهرة، والبالغ 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات.

ونقل مركز المعلومات عن رئيس جهاز التنظيم والإدارة، صالح الشيخ، قوله إن المقترح ما زال قيد الدراسة من قِبل اللجنة المشكّلة، ولم يتم الاستقرار على صورته النهائية، مشيراً إلى أن اللجنة تضع مجموعة من الاعتبارات خلال دراسة تطبيق نظام العمل الجديد، من بينها الاعتبار القانوني ممثلاً في قانون الخدمة المدنية، ولائحته التنفيذية، إلى جانب حساب تكلفة استهلاك وحدات الجهاز الإداري من الطاقة.

وبرر رئيس الجهاز، خروج المقترح إلى النور، بسعي الحكومة لإراحة الموظفين من دون التأثير في العملية الإنتاجية، على اعتبار أن العبرة ليست بالوجود الفعلي للموظفين على مكاتبهم لمدة 8 ساعات يومياً، وإنما بما يقدّمه الموظف من خدمات للمواطنين، بحسب تعبيره. وأشار كذلك إلى أن اختصاصات اللجنة المعنية تتمثل في الدراسة والفحص، وتقديم التوصية، وليس تطبيق النظام، على اعتبار أن مجلس الوزراء هو من يملك سلطة اتخاذ القرار، لافتاً إلى عدم إمكانية تطبيق النظام الجديد على كل الجهات والمؤسسات الحكومية على حد سواء، بذريعة اختلاف طبيعة الأعمال من جهة إلى الأخرى.
وتنص المادة 45 من قانون الخدمة المدنية، على أن "تحدد السلطة المختصة أيام العمل في الأسبوع، ومواقيته، وتوزيع ساعاته، وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، على ألا يقل عدد ساعات العمل الأسبوعية عن خمس وثلاثين ساعة، ولا تزيد على اثنتين وأربعين ساعة".

أربعة مقترحات
وكشفت مصادر مطلعة في جهاز التنظيم والإدارة، التابع لوزارة التخطيط، أن رئيس الجهاز أرسل منشوراً ملخصاً لكافة الجهات الخاضعة للجهاز الإداري للدولة، لإطلاعها على الدراسة المقترحة، مطالباً إياها بإبداء الرأي للاستقرار على أفضل مقترح يحقق الهدف المنشود من الدراسة، وفقاً لمقترحات أربعة طرحتها الحكومة بشأن تخفيض عدد أيام العمل الرسمية.
وتضمّن المقترح الأول تقسيم ساعات عمل اليوم بنظام الورديات، بحيث يستمر العمل على مدار اليوم في المصالح الحكومية، بينما يخفض المقترح الثاني ساعات العمل الرسمية لتنتهي في الثانية ظهراً بدلاً من الثالثة عصراً، مقابل إلغاء إجازة السبت، في حين يقسم المقترح الثالث أيام العمل على ورديتين، كل وردية ثلاثة أيام، على أن يكون يوم الجمعة إجازة للجميع، وتكون ساعات العمل من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً.

بينما نصّ المقترح الرابع على خفض عدد أيام العمل الرسمية لتكون 4 أيام فقط، تبدأ الأحد وتنتهي الأربعاء، مع زيادة ساعات العمل 120 دقيقة يومياً، تقسم بالتساوي في الحضور والانصراف، لينتهي العمل الرسمي في الرابعة عصراً يومياً، وتكون الإجازات الأسبوعية ثلاثة أيام كاملة (الخميس والجمعة والسبت)، وهو المقترح الأقرب للتنفيذ اعتباراً من أول سبتمبر/أيلول المقبل، وفقاً للمصادر.

ويرى مراقبون أن المقترحات الأربعة لا تصلح للعاملين في وزارة التربية والتعليم، بسبب نصاب الحصص الأسبوعي المنصوص عليه في القرار 313 الخاص بالأنشطة الطالبية، والقرار الصادر العام الماضي بتعديل القرار، والذي يلزم المعلم بعدد معين من الحصص الدراسية، التي لا يجوز ضغطها في أربعة أيام، مؤكدين في الوقت ذاته أهمية تطبيق نظام الورديات في القطاعات الخدمية كالسجل المدني، والشهر العقاري، ومكاتب التموين.

 


المعاش المبكر

وتعتزم الحكومة المصرية إعادة هيكلة أوضاع العاملين في مؤسسات الدولة، بهدف خفض أعداد الموظفين من خلال خفض سنّ الإحالة للتقاعد إلى الخمسين بدلاً من الستين، مع وضع ضوابط لنظام المعاش (التقاعد) المبكر، كي تتيح للموظف تسوية حقوقه التأمينية إذا جاوزت مدة اشتراكه في التأمين الاجتماعي عشرين عاماً، مضافة إليها المدة الباقية لبلوغه السن المقررة لانتهاء الخدمة أو خمس سنوات (أيهما أقل).

وتعوّل الحكومة على آلية المعاش (التقاعد) المبكر، بحسب ما وردت في قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، مع حظر التعيينات نهائياً على أبواب الموازنة المختلفة للجهاز الإداري منذ قرابة الثلاث سنوات، وقصرها على الاحتياجات الفعلية للجهات الإدارية، والحد من الإعلان عن الوظائف في الحكومة، إلا في حدود الحاجة الفعلية لها، وفي أضيق الحدود.
وتشير بيانات رسمية مصرية إلى تقليص الحكومة نحو 800 ألف موظف دفعة واحدة من العاملين في القطاع الحكومي، خلال العام المالي الذي انقضى بنهاية يونيو/حزيران 2017، لينخفض عدد العاملين إلى نحو خمسة ملايين فرد، في وقت أكد مسؤول كبير في وزارة المالية لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة تستهدف الاستغناء عن مليوني موظف آخرين خلال العامين الماليين الحالي والمقبل".

وكانت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، قد قالت أمام مجلس النواب، إن الجهاز الإداري يضم حالياً موظفاً لكل 22 مواطناً، غير أن الحكومة تستهدف الوصول إلى موظف لكل 80 مواطناً خلال السنوات المقبلة، على اعتبار أنه المتوسط العالمي، مشيرة إلى أن تعداد من يبلغون سن المعاش سنوياً يصل إلى نحو 140 ألف موظف، في حين أن نحو 40 في المائة من الموظفين في جهاز الدولة يبلغون 50 عاماً فأعلى.

رؤية 2030
وقالت مصادر حكومية، في تصريحات نشرتها صحف محلية موالية للنظام، إن المقترح تضمّن تخفيض عدد الموظفين على أربع مراحل، لتتماشى مع المعدلات العالمية، وتتضمّن الأولى منها تخصيص موظف لكل 25 مواطناً، والثانية تخصيص موظف لكل 30 مواطناً، والثالثة موظف لكل 55 مواطناً، والرابعة موظف لكل 70 مواطناً، لحين الوصول إلى المستهدف ضمن استراتيجية التنمية المستدامة.

ووفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، فإن الحكومة تستهدف خفض أعداد الموظفين إلى 3 ملايين و846 ألفاً و154 موظفاً خلال العامين المقبلين، بعد الاستغناء عن نحو مليونين و553 ألفاً و846 موظفاً، لترتفع نسبة موظف لكل 12.3 مواطناً في 2016، إلى موظف لكل 26 مواطناً في 2020، وصولاً إلى موظف لكل 40 مواطناً في 2030.

إلى ذلك، لم تشمل خطة الاستغناء نحو 83 ألفاً من المستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية، ممن يتخطون الستين عاماً، ويتقاضون ما يقترب من 24 مليار جنيه سنوياً (نحو مليار و400 مليون دولار)، على شكل رواتب ومنح وحوافز بحسب دراسة سابقة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية (مستقل)، التي أفادت بأن وزارات النقل، والكهرباء، والمالية، والتخطيط، تحظى بالنسبة الأكبر منهم.

ترشيد الإنفاق
من جهته، اعتبر وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان، وأمين اتحاد نقابات عمال مصر (الرسمي)، محمد وهب الله، أن خفض أيام العمل في الحكومة سيصاحبه ترشيد في الإنفاق، وذلك بالاعتماد على العمالة الفاعلة في مواجهة ظاهرة تكدس الموظفين، علاوة على خلق بيئة عمل ملائمة أكثر للظروف الاقتصادية الراهنة، وخطة الإصلاح الإداري التي تتبناها الدولة. وقال وهب الله في تصريح خاص، إن هناك أهمية في وضع مجموعة من الضوابط قبل تنفيذ المقترح، وفي مقدمتها: "عدم المساس بأجور الموظفين أو تخفيضها، أو الشروع في تقليص أعدادهم، أو التأثير في خدمات المواطنين داخل المؤسسات الحكومية"، معتبراً أن نظام العمل الجديد من شأنه تحقيق مزيد من الانضباط داخل الجهاز الإداري للدولة.

تجدر الإشارة إلى مطالبة رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، بتقليص أعداد العاملين في الجهاز الحكومي، تحت زعم عدم الاحتياج إليهم، إذ صرح في جلسة البرلمان المنعقدة في 25 إبريل/نيسان الماضي، بأن "صغار الموظفين في جهاز الدولة، ومختلف الجهات الحكومية، يمثلون حقيقة أزمة، ونعاني من وجودهم، لأنهم يعيقون حركة العمل".