ويرى مراقبون أنّه على الرغم من الصراع الدامي الذي انجرّت إليه ليبيا، بسبب الصراع على السلطة وتقاسم النفوذ، أو محاولة العودة بالنظام السابق إلى سدّة السلطة، أو الحرب على الإرهاب، لكنّ نفط وغاز ليبيا بقيا خارج إطار سيطرة أيّ من المجموعات المتقاتلة. ويبدو أنّه وعلى الرغم من رضى الولايات المتحدة الأميركيّة والدول الغربيّة عن قيام اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالحرب على الجماعات المتشدّدة، كوكيل محلي عنها، فإنها لم ولن تسمح له باستخدام النفط كسلاح في حربه.
ويذكّر مراقبون بحادثة اعتراض البحريّة الأميركيّة لناقلة نفط كوريّة شماليّة، محمّلة بنفط مهرّب من ليبيا، في مارس/آذار الماضي، حين أعلنت وزارة الدفاع الأميركيّة، أنّ مجموعة من القوات البحريّة اعترضت ناقلة النفط "مورنينغ غلوري"، وسيطرت عليها بعد رصدها في المياه الدوليّة إلى الجنوب من جزيرة قبرص. وتبيّن أنّ رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة ابراهيم الجضران، كان بصدد بيعها خارج سيطرة الدولة، وهي الحادثة ذاتها التي أطاحت برئيس الحكومة المؤقّتة علي زيدان.
ويبدو أنّ ثمّة خطوطاُ حمراء تعتبر الولايات المتحدة الأميركيّة أنّه على جميع أطراف الصراع الليبي عدم تجاوزها، ومنها النفط الليبي. وتشير مصادر إلى أنّ دبلوماسيين أميركيين هددوا باستعمال القوّة في حال إقدام أي طرف على الاستفادة أو بيع النفط الليبي بطريقة منفردة، بل وهددوا بإقدام الولايات المتحدة على بيع النفط وتوريد عائداته لمصرف ليبيا المركزي وشركة الاستثمارات الخارجيّة الليبية، والتعامل مباشرة مع المجالس الليبية المحليّة المنتخبة.
ويكاد يكون النفط الليبي القاسم المشترك بين الولايات المتحدة الأميركيّة وبعض الدول الغربيّة الأقرب لليبيا ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط، كإيطاليا التي تستثمر عبر شركة "إيني" الحكوميّة قرابة 35 في المائة من الغاز والنفط الليبي، بالإضافة إلى شركات استخراج وتكرير نفط بريطانيّة وإسبانيّة وفرنسيّة.
كما أنّ ثمّة خطاً أحمر آخر، ويتمثّل بمطالبة ليبيا بالسيطرة على الحدود البريّة والبحريّة الطويلة، والتي تُعد مصدراً أساسياً للهجرة غير الشرعيّة، الوافدة من الدول الأفريقيّة الأكثر فقراً في العالم باتجاه إيطاليا، لتنطلق منها إلى باقي دول الاتّحاد الأوروبي.
وكانت الهجرة غير الشرعيّة سلاحاً يستخدمه نظام الديكتاتور الراحل معمّر القذافي، للضغط على دول الاتّحاد الأوروبي للحصول على مكاسب سياسيّة واقتصاديّة. وفي حين كان تنظيمها خاضعاً لسيطرة نظام القذافي، لكنّ نشاط عصابات الهجرة غير الشرعيّة توسّع باتجاه أوروبا، بعد سقوط النظام. وتتّهم مصادر بعض مسؤولي الدولة الأمنيين والعسكريين في ليبيا بالتورّط في نشاطها غير المشروع.
ويبقى أنّ الخط الأكثر احمراراً لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركيّة، هو "مكافحة الإرهاب"، وهو أيضاً سلاح ذو حدين، يُستخدم للضغط على ما تبقّى من مؤسّسات الدولة الليبيّة، بل وللتلويح أحياناً بالتدخّل العسكري للحدّ من نفوذ مجموعات مسلّحة في بعض مناطق شرق وغرب وجنوب ليبيا.
وتستخدم فرنسا ذريعة الإرهاب، على سبيل المثال، كمدخل استراتيجي إلى دول أفريقيا القريبة من ليبيا، نظراً لمصالحها الاستراتيجيّة في جنوب ليبيا، والمتعلّقة بالإرث الاستعماري والاقتصادي، والذي يعد مدخلاً مهما إلى العمق الأفريقي.
من جهتها، تخشى الولايات المتحدة من انهيار منطقة الساحل والصحراء أمنياً، وتحوّلها ملاذاً أكثر أمناً، بحكم المساحات الشاسعة والمترامية الأطراف، لانطلاق عمليّات إرهابيّة تهدّد مصالحها. لكنّها تترك فرصاً لبعض الدول الأكثر خبرة في مجال مكافحة الإرهاب، لتقدّم حلولاً تخفّف وتحتوي الظاهرة، كالجزائر ذات الخبرة الواسعة في هذا المجال، وتتغاضى عن التدخّل المصري المباشر لمساندة قوات حفتر في حربه على مجلس شورى ثوار بنغازي، وبعض الجماعات الراديكاليّة في مدينة درنة، شرقي ليبيا.
ويرى بعض المراقبين أنّ المصالح الغربيّة عموماً والأميركيّة خصوصاً، لا رؤى لديها أو مشاريع سياسيّة واضحة لدعم الديمقراطيّة في ليبيا والتداول السلمي على السلطة، انطلاقاً من أنّ السياسات الغربيّة التقليديّة تحبّذ التعامل مع حاكم أو ديكتاتور شمولي، على التعامل مع مؤسّسات ديمقراطيّة منتخبة، ولعل ذلك جوهر ما يواجه الغرب من تحدّيات باتت تفرضها الشعوب.