خطوات تونسية منقوصة لتكريس الشفافية في الموازنة

04 ابريل 2016
احتجاجات شعبية لتغيير الديمقراطي في تونس (فتحي بلعيد/ تونس)
+ الخط -
أعلنت منظمة الشراكة الدولية للموازنة نتائج المسح الدوري حول شفافية الموازنات لعام 2015، لتحل تونس في المرتبة 66 عالمياً والثانية عربياً بعد الأردن. وقد حصلت تونس على 42 نقطة في مجال شفافية الموازنة و21 نقطة في مجال المشاركة الذي يقيس حجم مشاركة المجتمع المدني، و33 نقطة في مجال مراقبة السلطة التشريعية.
أثارت هذه النتائج تعليقات عديدة من قبل المجتمع المدني والخبراء، حيث أشار تقرير المنظمة إلى أن أمورا كثيرة عكست استمرار بعض الممارسات التي تناقضت مع مبدأ الشفافية المنصوص عليه في الدستور والذي كان واحداً من المطالب الأساسية التي جاءت بها ثورة الياسمين.

تعلق الصحافية خولة العاشوري المتابعة للشأن البرلماني على نتائج التقرير قائلة: "استطاعت تونس إحراز تقدم ملحوظ مقارنة مع نتائج المسح السابق لعام 2012، حيث احتلت آنذاك في مجال الموازنة المفتوحة المرتبة 85 من أصل 102 دولة متقدمة". هذا التحسن "لا ينبغي أن يخفي تناقضات كثيرة متعلقة بتعثر الجهود نحو تكريس الشفافية الكاملة والمطلقة لجميع المواطنين في كل ما يتعلق بمشاريع القوانين والاتفاقيات الدولية والموازنة العمومية". لتضيف: "من بين هذه التناقضات الغموض الذي ما يزال يشوب موارد الموازنة التي تُذكر بشكل عام ودون التطرق للتفاصيل، إضافة إلى غياب المعلومات الكاملة حول موارد الاقتراض خاصة فيما يتعلق بنسب الفائدة للقروض المتحصل عليها".
وتعرج العاشوري إلى مسألة المشاركة، حيث تؤكد أن هذه النقطة تمثل أحد أبرز التناقضات التي تشوب مجال الشفافية في تونس. فرغم وجود العديد من الجمعيات، إلا أن الجهات الرسمية تفضل إقصاء منظمات المجتمع المدني خلال إعداد الموازنات العامة أو تطبيقها. إضافة إلى وضع العراقيل أمام قدرة هذه المنظمات على النفاذ إلى المعلومة. لتختم قائلة: "إن هذا التعاطي السلبي كان المسبب الأول في الكثير من الأزمات التي تطورت إلى احتجاجات شعبية على غرار حملة مانيش مسامح أو حملة وينو البترول".
أما الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان، فيؤكد أن مسألة الشفافية في الموازنة ما تزال تتلمس خطواتها الأولى. ويقول: "إن مناخ الفساد والتكتم الذي عرفته البلاد منذ عقود ما يزال يخيم بظلاله على عقلية الإداري أو المسؤول التونسي، وفي المقابل، فإن المجتمع المدني ما يزال ماضياً في تشديد الرقابة على العمل الحكومي لإجبار الحكومة على احترام هذا المبدأ الدستوري".
أما بشأن ملاحظاته حول تقرير الشفافية الأخير، فيعلق بن سليمان قائلاً: "من بين الملاحظات على أداء الحكومة في مجال تدعيم الشفافية، التلكؤ في إصدار التقرير نصف السنوي للموازنة إضافة إلى غياب المؤشرات المرجعية التي يعتمدها قانون المالية"، مضيفاً أن هذه الممارسات تمنع تدارك بعض البنود والأحكام العامة في الموازنات، وما ينجر عنها من خسائر يتحملها دافعو الضرائب والمجموعة الوطنية ككل.

الغموض في الموازنات

ويؤكد الباحث عماد بن سليمان أن الغموض ما يزال يكتنف العديد من النقاط في الموازنات السابقة، رغم تقديم العديد من المطالب. ويوجد اختلالات تعرض لها تقرير دائرة المحاسبات الصادر سنة 2016 حول نقص معطيات وغياب وثائق للتثبت من حسابات وعمليات معينة. وهو ما يغذي الشكوك حول سوء التصرف في المال العام أو عمليات فساد طاولت الميزانيات الحكومية.
يشير الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي إلى أن ملاحظات دائرة المحاسبات تركزت حول غياب الشفافية في الكثير من المجالات على غرار الموارد الجبائية والانتدابات التي تمت خلال عام 2013 والبالغ عددها 23 ألف انتداب دون توفر معطيات كافية حولها. كما يتحدث أيضاً عن غياب المعطيات حول تمويل وصرف الصناديق الخاصة على غرار صندوق التشغيل.
ويقول السوسي: "لم يتم الكشف عن القيمة الحقيقية للموارد الجبائية ومبلغ فائض الأداء الذي تم استرجاعه وحجم الامتيازات الجبائية والجمركية إضافة إلى مستحقات الدولة من المؤسسات والمنشآت العمومية والتي لم يتم تنزيلها بالميزانية حسب المؤسسات والسنوات".
يوضح الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان الفرق بين غياب الشفافية نظراً لأخطاء إجرائية، وبين تعمد التعتيم على ملفات دون غيرها. ليضيف أن تونس تعاني من غياب الشفافية في التعاطي مع ملف الطاقة والموارد الطبيعية على غرار الفوسفات والملح. ويحمل الدولة مسؤولية تفاقم حالة انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، مشيراً إلى أن استشراء الشائعات خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي يعود بالأساس إلى غياب الشفافية في التعاطي مع هذا الملف، حيث تغيب المصادر الرسمية التي توفر معطيات دقيقة حول حجم الثروات الطبيعية في تونس وعقود الاستغلال. ويؤكد أنه من حق التونسي وفق الدستور أن يتأكد من كيفية التصرف في الثروات الوطنية.
كما يشير بن سليمان إلى أن تقرير هيئة المحاسبات، تناول جانباً من التجاوزات في عقود الاستغلال والاستكشاف، كما كشفت التقارير الصحافية التعامل الغامض لوزارة الصناعة مع هذا الملف، حيث تم تجديد عقود استغلال الملح وعقود استغلال البترول دون الرجوع إلى مجلس النواب في مخالفة واضحة للفصل 13 من الدستور التونسي. ويبدي استنكاره لعدم مصادقة تونس حتى هذه اللحظة على المعاهدة الدولية للشفافية ومكافحة الفساد إضافة إلى قوانين الكسب غير المشروع.
ليختم الباحث عماد بن سليمان بالتأكيد على ترابط غياب الشفافية والمعطيات الدقيقة واستفحال الفساد. حيث يلعب التعتيم على عمل الإدارات التونسية دوراً أساسياً في التغطية على التجاوزات وتشجيعها، إذ إن مكافحة الفساد تقوم على تكريس النزاهة والحوكمة الرشيدة في إطار منظومة قانونية تحفظ للمواطن حقه في الاطلاع الكامل على بنود الموازنات العمومية وآليات التصرف فيها لتمكينه من المحاسبة في مرحلة لاحقة وتحميل كل طرف مسؤوليته.

المساهمون