بعد عشرة أيام، عاد محمد البركولي البالغ من العمر 14 عاماً إلى أهله الذين كانوا يجهلون مكانه، في حين عمدت إحدى عصابات الخطف إلى ابتزازهم مطالبة بفدية مالية قدرها مليون ونصف مليون دينار ليبي (نحو مليون دولار أميركي) في مقابل الإفراج عنه.
يخبر أحد أفراد أسرة الفتى، من مدينة سبها في جنوب ليبيا، أنّ "أحد أهالي المدينة وجد محمد أمام بيته ليلاً وهو يبكي من دون أن يعلم إلى أين يذهب. سأله عن أهله وأوصله إلى منزلهم. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "محمد اختفى في طريق عودته من المدرسة في أحد الأيام، وبقينا نجهل مصيره على مدى أربعة أيام قبل أن يصلنا اتصال من رقم مجهول ويطالبنا أحد أفراد عصابة بفدية مالية". ويتابع: "عبثاً حاولنا إقناع الخاطفين بعدم قدرتنا على توفير الفدية المطلوبة، بينما رحنا نرجوهم عدم إيذاء الطفل. ونحن كنّا قد اتصلنا بعدد لا بأس به من أهل الخير لجمع المبلغ، لكنّنا عجزنا عن ذلك. وفي النهاية، فوجئنا عندما تركته العصابة أمام أحد المنازل في حيّ مجاور".
يكثر اختطاف الأطفال الليبيين، لا سيّما التلاميذ العائدين إلى منازلهم في سبها، أكبر مدن الجنوب الليبي، ويشير عضو الغرفة الأمنية المشتركة المهدي سويسي إلى أنّ "عدد الأطفال المختطفين في عام 2016 بلغ ثمانية أطفال، بينما وصل إلى 11 في عام 2017 وإلى ستّة في عام 2018". ويقول سويسي لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع الأمني منفلت جداً في المدينة ويكاد الناس بمعظمهم أن يعرفوا عصابات الخطف والسرقة ومن يقودها، ويعرفون مكان المختطفين أو المسروقات، لكنّ أحداً لا يجرؤ على رفع صوته"، موضحاً أنّ "الأجهزة الأمنية الحكومية مجرّد مظهر وهي غير موجودة بالفعل على أرض الواقع". ويتابع السويسي أنّ "كلّ مراكز الشرطة معطلة وفرق الأمن والنجدة لا تملك رصاصة واحدة، بالتالي كيف تواجه العصابات المسلّحة بشكل كبير بالإضافة إلى إمكانياتها الضخمة"، مؤكداً أنّ "موظفي الجهات الأمنية بمعظمهم لا يعرفون لمن يتبعون رسمياً، هل لحكومة طرابلس أم لسلطة طبرق"؟
تجدر الإشارة إلى أنّه لم تُكتب النجاة لكلّ المختطفين، ففي حين رجع بعضهم إلى أهله بعد سداد هؤلاء فدية مالية أو أُطلق سراحه ببساطة، فإنّ آخرين تمّت تصفيتهم ورميت جثثهم في الأحياء. ويقول السويسي إنّ "سيطرة عصابات الخطف والسرقة واضحة، علماً أنّ ثمّة وساطات اجتماعية قد تتمكّن من إقناعها بإطلاق سراح مختطَف ما أو إعادة مسروقات لصاحبها".
من جهته، يشير عضو مجلس فزان (جنوب) للمصالحة عبد العزيز روماية إلى أنّ "أربع شخصيات قبلية بارزة من سبها وخارجها تدخّلت لإقناع عصابة تتّخذ من مبنى شركة أجنبية مقراً لها، بإطلاق سراح طفل يبلغ من العمر سبعة أعوام". ويقول روماية لـ"العربي الجديد" إنّ "نفوذ العصابات ازداد وكذلك قوّتها لدرجة أنّها لم تعد تخفي نفسها"، موضحاً أنّ "واحداً من الوسطاء الأربعة وفي خلال تردّدهم إلى مقرّ العصابة، كان يحمل معه طعاماً وملابس للطفل المختطف". يضيف أنّ "ذلك قد لا يصدق، لكن من يعش مثل أوضاعنا في الجنوب يعرف أنّ التعامل بشكل مباشر مع العصابات أمر طبيعي نتعايش معه". ويتابع أنّه "تمّ إقناع العصابة بإطلاق سراح الطفل في مقابل سيارة والده ومصوغات والدته الذهبية التي لا تصل قيمتها إلى ربع المبلغ المطلوب".
ويوضح روماية أنّ "العصابات تعمد في بعض الأحيان إلى تهديد أسرة بعينها باختطاف أطفالها إذا لم تقدّم مبلغاً مالياً محدداً، فتنصاع الأسرة غالباً لها وتدفع المال". ويلفت روماية إلى أنّ "أعضاء العصابات ليسوا من المدينة، وهم في الغالب مهاجرون أفارقة غير شرعيّين يُستأجرون لهذا الغرض أو أفراد من قبائل لها امتداد في ليبيا، لكنّ من يقودهم هو من أبناء الجنوب الليبي".
في السياق، يلفت روماية إلى أنّ "دواعي الخطف في بعض الأحيان لا تكون مادية، بل ثمّة أسباب أخرى تتعلق بالانتقام على خلفيات قديمة مرتبطة بصراع بين قبيلة وأخرى، أو من أجل إجبار مسؤول على تمرير قرار أو غيره". ويحذّر من "مغبّة استمرار عمليات الخطف وانتشارها"، موضحاً أنّ "النزوح سوف يكون من الآثار المترتّبة عليها، نظراً إلى خوف الأسر على حياة أطفالها".