خطر الفتنة يهدد أفغانستان بعد اعتداءات "داعش"

25 يوليو 2016
يستخدم "داعش" التفجيرات والخطف ضد أقلية هزارة(شاه مرعي/فرانس برس)
+ الخط -
يحمل الاعتداء الدموي الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على حشود المتظاهرين من أقلية هزارة الشيعية في قلب العاصمة الأفغانية كابول، يوم السبت الماضي، والذي أدى إلى مقتل 80 شخصاً وإصابة نحو 200 آخرين، دلالات عدة. من جهة، يكرس الاعتداء، وهو الأعنف الذي يقوم به التنظيم في أفغانستان، مدى تنامي نفوذ "داعش" ولا سيما في شرق البلاد، وبالقرب من الحدود الباكستانية حيث يحظى بدعم واسع على طرفي الحدود، وأنشأ فيها مراكز قوية يدير من خلالها عمليات في مناطق مختلفة من أفغانستان. وسبق أن حذرت الحكومة الأفغانية والقوات الدولية من تمدد التنظيم.
من جهة ثانية، يدق الاعتداء ناقوس خطر أكبر قد يدفع أفغانستان نحو أتون حرب طائفية، الأمر الذي أشارت إليه العديد من التصريحات والمواقف، بما في ذلك اعتبار حركة طالبان أن الهدف من تنفيذ الهجوم على المتظاهرين من أبناء أقلية شيعية هو إشعال فتيل حرب طائفية.

اتهامات لمنظمي التظاهرات وإيران

لكن الأمر لم يقتصر على تصريحات تحذر من التداعيات، إذ برزت عقب الساعات التي تلت الاعتداء ردود فعل لم تكتفِ بمهاجمة "داعش" ومخططاته بل امتدت أيضاً لتطاول منظمي التظاهرة الذين حشدوا عبر تجمعات من كل أطراف العاصمة، فضلاً عن التظاهرات التي خرجت في إقليم باميان. ورأى البعض، أنه من خلال الإصرار على التظاهر، على الرغم من المخاطر والتنبيهات، ساهم قادة التظاهرات في منح التنظيم فرصة لمحاولة إشعال الفتنة الطائفية. إلا أن البعض ذهب أبعد من ذلك في التعبير عن غضبه مما آلت إليه الأوضاع، باعتباره أن "قادة التظاهرات وعلى رأسهم أحمد بهزاد العضو في البرلمان، هم الذين نسقوا مع داعش"، وأن "الهدف من وراء كل ما حصل هو إشعال حرب طائفية في البلاد"، على حد قول أحد الناشطين ويدعى عثمان منصور.
كما اعتبر البعض أن "كلاهما (داعش وقادة التظاهرات) من صنع دولة مجاورة تعمل لأن تسير أفغانستان على ما سارت عليه سورية والعراق"، في إشارة إلى إيران تحديداً. وترافقت هذه الاتهامات لإيران مع تداول ناشطين أفغان صوراً تظهر قادة التظاهرات مع قيادات في الجيش الثوري الإيراني.
وتعزز هذه الشكوك معلومات تفيد بأن بهزاد وعدداً من قادة التظاهرات الآخرين كانوا في السفارة البريطانية ثم ذهبوا إلى السفارة الإيرانية ليلة التظاهرات، فضلاً عن اتهامات توجه لإيران بتمويل الحراك الذي يقوم به أبناء من أقلية هزارة.
وفي مقابل ردود الفعل الغاضبة هذه، اتفق الأفغان على إدانة ما فعله "داعش" من قتل للأبرياء، فضلاً عن الترحيب بأمرين؛ أولهما إعلان معظم قادة هزارة التبرؤ من هذه التظاهرات ووقوف الشعب الأفغاني برمته في وجهها، فضلاً عن إصدار الحكومة قراراً باعتقال قادة التظاهرات ومنع التظاهرات في العاصمة لمدة عشرة أيام.


3 أعداء لـ"داعش" 
منذ أن بدأ "داعش" في إيجاد موطئ قدم له في أفغانستان كانت استراتيجية التنظيم واضحة، جعلت عداءه يتركز ضد ثلاثة أطراف أساسية. الحرب على حركة طالبان كانت أول ما أعلنه التنظيم. تمزيق صف الحركة بالمال والإغراءات والتركيز على الترويج أن طالبان تعمل لصالح أجندات أجنبية كان الهدف الأول للتنظيم. وقد نجح "داعش" في ذلك إلى حد ما، إذ وجد له موطئ قدم في شرق أفغانستان وجنوبها. لكن طالبان من جهة والقوات المسلحة الأفغانية من جهة أخرى استطاعتا أن تقضيا على نفوذ التنظيم في الجنوب. أما في الشرق فلا يزال هناك معاقل عدة للتنظيم، ولعل أكثر ما يسانده هو الحدود المشتركة مع باكستان والدعم الذي يحصله من المناطق القبلية الباكستانية. ويخوض التنظيم معارك ضارية مع طالبان، قُتل خلالها المئات من الطرفين. كما أعدم الطرفان قيادات ميدانية مهمة بعد القبض عليها.

وإذا كان عداء التنظيم في الدرجة الأولى مع طالبان، فإن ثاني أعدائه يتمثل في الزعامات القبلية. تقول مصادر قبلية إن لدى "داعش" أربعة سجون خاصة بالزعامات القبلية قرب الحدود الأفغانية الباكستانية فيها أكثر من 200 من زعماء ورجال القبائل. ولعل الهدف كما يقول المحلل الأمني عبد الله وزيري هو القضاء على الزعامة القبلية التي تجمع عليها القبائل ومن ثم إخلاء المناطق من سكانها. وقد نفذ التنظيم في حق زعماء قبليين أعمالاً لم يكن يعرفها الشعب الأفغاني من جماعات مسلحة أخرى، كذبح زعماء القبائل وتفجيرهم الجماعي عبر زرع قنابل تحتهم.

كذلك أقدم التنظيم على تنفيذ اعتداءات انتحارية ضدهم، أبرزها الهجوم الدموي الذي استهدف تجمعاً قبلياً قبل فترة في مدينة جلال أباد، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات. كما استهدف التنظيم بعملية انتحارية الشهر الماضي الزعيم القبلي حيات الله خان ولكنه نجا، بينما قتل وأصيب في الهجوم أكثر من عشرة من القبليين.

أما الجهة الثالثة التي يعمل التنظيم ضدها فهي أقلية هزارة الشيعية. تنوعت اعتداءات التنظيم بحقها من اختطاف وقتل وذبح، حيث خطف التنظيم أكثر من مرة عناصر الأقلية على امتداد الطرقات الرئيسية في شمال البلاد، ثم أعدم المختطفين على الفور بعد البحث في هوياتهم، أو قتلهم ذبحاً فيما بعد كما حصل في إقليم زابل في مارس/أذار من العام الماضي حيث أعدم التنظيم سبعة من أبناء الطائفة بعد اختطافهم. إلا أن وصول يد التنظيم إلى كابول واستهداف الأقلية في قلب العاصمة يعد تطوراً غير مسبوق ينذر بإشعال حرب طائفية، ولا سيما إذا ما تأكدت صحة الاتهامات الموجهة لإيران.

المساهمون