تواصل قوات النظام السوري قصف مناطق مختلفة تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، على الرغم من التعهدات الروسية باحترام وقف إطلاق النار، تمهيداً للوصول إلى مؤتمر جنيف في 23 فبراير/شباط 2017. في المقابل، لا تزال الأنباء عن إقدام تنظيم "لواء الأقصى" الذي يتبنّى نهجاً قريباً من تنظيم "داعش"، على إعدام عشرات المقاتلين التابعين لفصائل المعارضة السورية، لا سيما "جيش النصر" الناشط في محافظة حماة، تتفاعل في الشمال السوري. وتم بموجب ذلك الاتفاق على رحيل مقاتلي هذا التنظيم إلى مناطق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في محافظة الرقة، حيث يطبّق الأخير دروس معركة الموصل في مناطقه السورية. أما الجديد يوم أمس، فكان الكلام التركي الذي يوحي برؤوس أقلام الخطة الموضوعة لمعركة الرقة، والذي أفصح عنها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، من مدينة بون الألمانية. وقال يلدريم إن القوات التركية لن تقوم بالمشاركة بشكل مباشر في عمليات السيطرة على الرقة ولكنها ستكتفي بتقديم الدعم التقني. وخلال إجابته على أسئلة الصحافيين الذين رافقوه في زيارته إلى كل من مالطة وألمانيا، قال يلدريم: "ستكون كل من تركيا والولايات المتحدة بصحبة القوات المحلية والمقاومين المدنيين وقوات الجيش السوري الحر وباقي المليشيات (لم يوضح قصده بهذا المصطلح)، ككتلة واحدة، هم في الأمام ونحن في الخلف… سيكون لكل من الولايات المتحدة وتركيا وجود عسكري، لن ندخل العمليات بشكل مباشر، ولكن سنكتفي بتقديم الدعم التقني، بطبيعة الحال إن تم التفاهم حول الأمر". وتابع يلدريم أن "أميركا لديها خطة في ما يخص معركة الرقة ونبحث في كيفية تطبيقها على الأرض". غير أن يلدريم عاد وأوحى بأن لا اتفاق تركياً ــ أميركياً بعد، إذ قال "نأمل ألا تقرر واشنطن دخول الرقة مع قوات الاتحاد الديمقراطي (الكردية)، لأن ذلك سيسبب مشكلة كبيرة في العلاقات معها". وأضاف يلدريم أنه تباحث في الشأن السوري مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مشيراً إلى أنه عرض على برلين أن تشارك في عمليات الرقة.
وفي السياق، عنونت صحيفة "حرييت" التركية، واسعة الانتشار، صفحتها الأولى، أمس السبت، بتفاصيل ما قالت الصحيفة إن تركيا عرضته على الولايات المتحدة بشأن كيفية تنفيذ عملية تحرير الرقة. وجاء في "حرييت" نقلاً عن مصدرين أمنيين أن اجتماعاً عقد يوم الجمعة في قاعدة إنجيرليك الجوية التركية بين قائد الجيش التركي خلوصي آكار ونظيره الأميركي جوزيف دانفورد، تناولا فيه خارطتي طريق عملية الرقة. وأضافت الصحيفة في تقريرها أن أنقرة "تفضل خطة عمل تدخل بمقتضاها قوات تركية وأميركية خاصة مدعومة من كوماندوس ومقاتلين من المعارضة السورية تساندهم تركيا الأراضي السورية عبر مدينة تل أبيض الحدودية التي تخضع في الوقت الراهن لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية". ووفقا لتلك الخطة، ستقطع تلك القوات عملياً الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب قبل التوجه نحو الرقة على مسافة نحو 100 كيلومتر إلى الجنوب. وقالت الصحيفة إن تنفيذ مثل تلك الخطة سيتطلب من الولايات المتحدة إقناع المسلحين الأكراد بإفساح شريط بعرض 20 كيلومتراً للقوات المدعومة من تركيا عبر الأراضي التي يسيطرون عليها للتقدم جنوباً، وطول 54 كيلومتراً. وتابعت "حرييت" أن أنقرة تراهن على تأمين قوات سورية عربية قوامها ما بين تسعة وعشرة آلاف جندي لعملية الرقة، يشكل أغلبها مقاتلون يتلقون التدريب حاليا في معسكرين داخل تركيا. ووفقا للصحيفة، فالخطة البديلة والأقل ترجيحاً التي طرحها آكار على دانفورد للتقدم نحو الرقة، هي عبر مدينة الباب السورية. لكن الصحيفة لفتت إلى أن الرحلة الطويلة التي تقطع 180 كيلومتراً من الباب إلى الرقة، والطبيعة الجبلية تجعلان هذا الاحتمال أقل ترجيحاً. وبحسب الخطة التركية المقدمة فإن العمليات ستحتاج إلى ما بين 9 و10 آلاف مقاتل، يتوافر منهم الآن في مدينة الباب 2500 مقاتل. وبحسب الصحيفة، فإن كل من القيادتين العسكريتين ستقومان بكتابة تقريرهما للقيادات السياسية لاتخاذ القرار.
على صعيد آخر، ركزت طائرات النظام والطائرات الروسية قصفها على محافظة درعا في محاولة منها للضغط على فصائل المعارضة التي حققت تقدماً في هجومها على حي المنشية في درعا، وذلك عبر جعل السكان المدنيين يدفعون الثمن بوصفهم الحاضنة الشعبية لقوات المعارضة، بحسب ما ترى أوساط النظام. وقتل ستة مدنيين وجرح عشرات إثر شن الطائرات الروسية غارات على أحياء درعا ومدن وبلدات النعيمة واليادودة وبصرى الشام وأم المياذن وتل شهاب بريف المدينة. كذلك ألقت مروحيات النظام ثلاثة براميل متفجرة على بلدة أم المياذن.
وذكرت مصادر محلية أن هذا التصعيد من جانب النظام يأتي في سياق محاولاته الهروب من التزاماته بموجب اتفاق سابق يقضي بالإفراج عن المعتقلين لديه والمقدر عددهم بنحو 7500 معتقل. ويعاني أهالي حي الوعر المحاصر من أوضاع صعبة نتيجة نقص الأدوية والمعدات الطبية وندرة المواد الغذائية وفقدان المحروقات. وكان قد جرى في سبتمبر/أيلول الماضي تهجير دفعتين من مقاتلي وأهالي الحي إلى مناطق ريف حمص الشمالي، تضمن 750 من المدنيين والعسكريين، بعد التوصل لاتفاق يقضي بإخراج دفعات من الراغبين بالخروج وفتح معبر دوار المهندسين لدخول المساعدات والبضائع.
وفي محافظة الرقة، جرح مدنيون في قصف جوي يرجح أنه من طائرات لـ"التحالف الدولي" استهدف مدينتي الطبقة والرقة. وشملت غارات مماثلة منطقتي البانوراما والصوامع شمال المدينة، فيما استهدفت غارات أخرى جسر المغلة بريف الرقة الشرقي.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية مساء الجمعة، جيف ديفيس، أنه وحسب ما تشير إليه المتابعة وعبر المعلومات التي يتم تلقيها من داخل مدينة الرقة، فإن تنظيم "داعش" بدأ بالانسحاب من المدينة، لافتاً إلى خروج العديد من قادته وأعداد كبيرة من كوادره وعناصره. وأضاف أن التنظيم فقد السيطرة على جميع الطرق الشمالية والغربية المؤدية إلى المدينة، حيث بقي له طريق واحد تحت سيطرته في الجزء الآخر من المدينة في الجهة الجنوبية الشرقية، وهو طريق الوصول إلى مدينة دير الزور، وفق قوله.
واعتبر ناشطون أن "داعش" ربما يحاول الاستفادة من درس معركة مدينة الموصل وتفادي محاصرة قواته من الجهات الأربع، مستفيداً من الطرق التي لا تزال تحت سيطرته.
وأكد المتحدث باسم "جيش النصر"، محمد رشيد، في تصريحات صحافية، مقتل 72 عنصراً من الفصيل بعد اقتيادهم إلى معتقلات "لواء الأقصى" في خان شيخون جنوب إدلب، في حين أشارت مصادر محلية إلى أن "لواء الأقصى" أقدم على تنفيذ مجزرتين، الأولى في محكمة "الموقا" حيث قتل 43 عنصراً من "تحرير الشام" لدى اقتحامه المحكمة في 13 فبراير/شباط، والثانية عبر تصفية 130 مقاتلاً من "الجيش الحر" خلال اليومين الماضيين. ولفت إلى أن الجماعة المقربة من تنظيم "داعش" نقلت جميع الأسرى إلى أحد مقراتها قرب "معسكر الخزانات" شرقي مدينة خان شيخون حيث تمت تصفيتهم هناك، في ظل تشكيك بعضهم في ما تم التداول به حول إعدامات قام بها "لواء الأقصى" بحق مقاتلي "الجيش الحر" و"هيئة تحرير الشام".
وأفرج "لواء الأقصى" يوم الجمعة الماضي عن 15 معتقلاً مدنياً وعسكرياً كانوا في سجونه، وفق اتفاق يقضي بتسليم مقراته إلى "هيئة تحرير الشام"، ومغادرة مقاتليه بسلاحهم الخفيف إلى مناطق "تنظيم الدولة" في الرقة. وكانت قد دارت خلال الأيام القليلة الماضية معارك عنيفة بين "هيئة تحرير الشام" وجماعة "لواء الأقصى" في ريفي حماة وإدلب حيث تصر "هيئة تحرير الشام" على حل "لواء الأقصى" بالكامل وإخراج مقاتليه مع أسلحتهم الخفيفة فقط من ريفي حماة وإدلب إلى مدينة الرقة.
وقد انقسمت جماعة "جند الأقصى" أخيراً إلى ثلاثة أقسام هي: "لواء الأقصى" الذي رفض بيعة "جبهة فتح الشام" وينشط في حماة، ومجموعة أخرى تنتشر في إدلب تحت اسم "أنصار التركستان"، فيما تعتزم المجموعة الثالثة الانضمام إلى "هيئة تحرير الشام".