خطاب جولة انتخابية ناجحة

19 يناير 2016

أوباما في الكونغرس: أميركا أقوى دولة (12 يناير/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
على مشهد الشرق الأوسط الذي يشهد لحظات تحول تاريخية، ألقى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "خطاب حالة الاتحاد"، وهو تقرير يقول عنه الدستور الأميركي، إنه يجب أن يُقَدَّم إلى الكونغرس من حين إلى آخر، وهذا هو الخطاب الأخير لأوباما، فهذه السنة هي الثامنة التي يسمح له بها الدستور أن يبقى رئيساً.
كبر الرئيس أوباما ثماني سنوات، وبدا شعرُه أكثر بياضاً، كان قد بدأ مهمته الرئاسية وأزمة اقتصادية خانقة تعصف بالعالم، وبينما هو يلقي خطابَه الأخير كانت بوادر أزمة جديدة عاصفة، تُضاف إلى أزماته السياسية، ولكي يعطي نفسه الثقة المطلوبة لمواجهة الأمة الأميركية، ممثلة بالكونغرس، مازح الجمهور قائلاً "لن يكون الخطاب طويلاً، فأنا أعرف أن بعضكم عليه الذهاب إلى أيوا".
ازدرد الجهور النكتة، واستسلم إلى نبرة الرئيس الحادة والقاطعة التي سرد فيها إنجازاته الكبيرة، واستعرض إحصائياتٍ حققها في مجالات البطالة والصحة والبيئة، وتحتم على الجمهوريين الجالسين إلى يمين الرئيس التصفيق بحرارة لإنجازاتٍ لم يشاركوا في صناعتها. صف مهندسو الخطاب الرئاسي أرقامهم بعناية بائع حلوى ماهر، فالرئيس الذي يعدّد إنجازات الماضي كان يطلق بالونات دعائية لمرشح المستقبل الديمقراطي، غير المعروف، حتى الآن، فكان أوباما بارعاً وهجومياً، وهو يذيع البيانات الإحصائية لسنواته، كما لو أنه يتوعد الأميركيين بأنهم لن يحظوا بأرقامٍ مماثلةٍ لأرقامه، إذا ما انتخبوا رئيساً جمهورياً.. نسي الرئيس موقعه فترة، وبدا حزبياً حتى وهو يقول بثقة متناهية، إن أميركا هي أقوى قوة على الكوكب بلا جدال.
لم يكن الرئيس بتلك الثقة والحدّة في أثناء حديثه عن إنجازاته الخارجية، فبدا دفاعياً، وهو يسمي ما حققه خارجياً بانفراج علاقاته مع إيران، عبر الاتفاق النووي، وإعادة صلاته مع كوبا.. فالجمهوريون يعدون هذه النقاط ضده، وليست لصالحه، فهم يرون أن أميركا تنازلت لكل من إيران وكوبا بما لا يليق بأقوى دولة على الكوكب. أما سقوطه الكبير، برأي الجمهوريين، فهو موقفه من روسيا التي أخذت تمدد، محاولة استرجاع الماضي، وبقاؤه مكتوف اليدين أمام الصين التي بدأت تزاحم أميركا على موقع الاقتصاد العالمي الأقوى، بينما قال هو، في الخطاب، إن الصين بدأت بالترنح اقتصادياً، وإن روسيا تهدر كثيراً من مواردها في سورية وأوكرانيا، وهو رد شديد التهافت، إذا ما قورن بالعجرفة التي قرر فيها أن أميركا هي أقوى دولة على ظهر الكوكب. ردّد أوباما اسم سورية ثلاث مرات ضمن خطابه. وفي المرات الثلاث، لم يرد الاسم في سياق المأساة التي تعيشها، فكان، في كل مرة، يذكرها "كمضاف إليه" للتدليل على أشياء مختلفة، مرة من أجل روسيا، ومرتين في سياق كلامه عن الإرهاب، وكأن الفشل في سورية ضروري في سياق إعادة توضيب جغرافية مذهبية مفروضة، يتوجب التعامل معها بالقفاز، وذهب بعيداً في سياسة "نفض اليد"، عندما قال: على الرغم من وجود مقاتلين مسلحين كثيرين، لكنهم لا يهددون وجودنا كأمة!...
يذهـب الجمهـور في غيبوبة التصفيق، بعد هذه العبارة، فالوجود الوطني الأميركي غير مهدد. أصر أوباما على فكرة إغلاق سجن غوانتنامو سيء السمعة، بوصفه خطوة محلية، لأن بقاء السجن "مكلف وغير مجد، ويستخدم لتجنيد مزيد من الإرهابيين".. هذا هو أوباما "رجل المبيعات" الناجح الذي مهد ببراعةٍ لحملة انتخابية يربح فيها زميل له "ديمقراطي"، وفيٌّ لبرنامجه المحلي الخالي من التطلعات الخارجية، فأوباما المنغلق، من خلال تركيزه الشديد على القضايا الداخلية، والذاهب بعيداً في المحلية، للوصول إلى المشكلات الشخصية للأميركي، على الرغم من الطبيعة العالمية لدولة أميركا التي تمتلك أسلحة تطاول الكواكب القريبة، وبوارج مترعة بالأسلحة، تجوب بحار الدنيا، يفضِّل مع ذلك أن يحل ما يستطيع من مشكلات الناخب مع الاكتفاء بالأناشيد الحماسية التي تقول، إن أميركا هي أقوى دولة في العالم، لأن ذلك أقرب إلى صندوق انتخابات مليء بالأصوات.