خطاب الملك سلمان بمجلس الشورى: رسائل الحضور العائلي وتجاهل جريمة خاشقجي

20 نوفمبر 2018
ردد الملك المواقف نفسها من القضايا الإقليمية (الأناضول)
+ الخط -
لم يخيّب العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، ظنّ مترقبي كلمته الأولى منذ جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فاستمر في مسلسل الإنكار للأزمة العاصفة التي تمر بها المملكة، والتي تعدّت تداعياتها المستوى المحلي السعودي وأصبحت محل متابعة دولية يومية.
واختار العاهل السعودي، في كلمته أمس الإثنين، خلال افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى السعودي، في مقر المجلس في الرياض، ألا ينطق بكلمة واحدة عن قضية اغتيال خاشقجي، والتي تُوجّه أصابع الاتهام فيها مباشرة إلى نجله ولي العهد محمد بن سلمان، فضلاً عن مسؤولين وشخصيات في أركان حكمه، وهي الجريمة التي تمت بطريقة مروعة، وصلت إلى حد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يجد غضاضة في قصف دول بأنواع ثقيلة من الأسلحة، يخشى أن يستمع لتسجيلات لحظات الاغتيال المفزعة.
واكتفى الملك السعودي بالإعلان عن الاعتزاز بـ"جهود رجال القضاء والنيابة العامة في أداء الأمانة الملقاة على عاتقهم"، في الوقت الذي تُظهر فيه الروايات السعودية المتتالية والمتناقضة بشأن الجريمة أن مهمة النيابة العامة تتجسد في هدف واحد وهو حماية ولي العهد.

والمؤكد أن العاهل السعودي احتاج إلى قدرات خارقة تعينه على تجاهل الحديث عن موضوع الساعة الذي تقترب نيرانه كل لحظة من أن تشتعل في بيت الحكم السعودي، وقد تطاول أقرب المقربين إليه في الحكم وفي الوشائج الإنسانية معاً. فعزل ابنه، ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بل ومحاكمته، أصبح مطلباً يتردد في أكثر من مكان، حتى أضحى مجرد بقائه في موقعه سيكلف الدولة السعودية الكثير، وسيجلب لها خسائر سياسية، واقتصادية، واجتماعية، يرى كثيرون حول العالم أنها ربما تودي في نهاية المطاف، إلى التشكيك في إمكانية بقاء حكم العائلة السعودية للمملكة، بوضعها المستقر القديم، أو حتى المهتز في الفترة الحالية؛ والمتوقع أن يكون أكثر اهتزازاً في السنوات المقبلة. ويفسر مراقبون هذا التجاهل بأنه انتظار لموقف الرئيس الأميركي، الذي قد يُعلن خلال ساعات، فيما يرى آخرون أنه ربما انتظار أيضاً لترتيب ما داخل قصر الحكم في الرياض، تظهر مؤشرات منطقية على إمكانية حدوثه.

غير أن اللافت في مشهد الأمس، داخل مبنى مجلس الشورى السعودي، كان الحضور الكثيف لأركان عائلة آل سعود، وقد حرصت كاميرات التلفزيون الرسمي السعودي على إظهارهم، ربما في رسائل داخلية للسعوديين، ومحاولة تصدير صورة مغايرة عن تلك التي فرضها محمد بن سلمان منذ تصعيده لمنصب ولي العهد.
وظهر ولي العهد السابق، محمد بن نايف، الذي يتردد أنه كان تحت الإقامة الجبرية، ومعه الأمير متعب بن عبد الله، الذي عانى من المعاملة نفسها، كما حضر الأمير محمد بن فهد، الأمير السابق للمنطقة الشرقية، وظهرت وجوه أخرى من العائلة كانت رهن الإقامة الجبرية، أو الاعتقال الناعم داخل جدران قصورها.

في المقابل، اختفت الحفاوة بولي العهد محمد بن سلمان، ولم يكن صعباً على من شاهده بالأمس، جالساً بصمت بغير أن يوزع ابتساماته التي اعتاد الإفراط فيها، من دون أن يفهم أحد مغزاها، أن يدرك كيف أن الأزمة التي تجاهل والده مجرد الإشارة إليها، جعلته مهموماً ومنكسراً، وباقياً تحت حصار جريمة تقول أجهزة الاستخبارات الدولية بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، فضلاً عن الأدلة المتراكمة لدى تركيا، أنه هو من أعطى الأمر بتنفيذها.
وفي مقابل تجاهل قضية الساعة، اختار العاهل السعودي أن يردد العبارات المحفوظة نفسها حول سياسات بلاده تجاه القضايا الساخنة، والتي تقترب للإنشائية أكثر من انتمائها لموقف سياسي واضح ومحدد المعالم.


ينشغل العالم كله بالتغير الواضح في الموقفين الأميركي والأوروبي من قضية التدخل العسكري السعودي والإماراتي العنيف في اليمن، والمطالبة المستمرة بإيقاف ذلك، إلى حد صدور تأكيد ألماني جديد على أنه لا صفقات أسلحة من ألمانيا، الدولة الأكثر تأثيراً الآن في دول أوروبا، بينما يستعيد العاهل السعودي في عبارات موجزة مكررة حديثه عن دعم الوصول إلى حل سياسي بموجب القرار رقم 2216، والوثيقة الخليجية، ومقررات الحوار الوطني؛ وهي ثلاثية لم يعد أحد في الدول المؤثرة يأخذها بالقدر السابق من الجدية والاهتمام.

في الملف السوري، يعيد الملك سلمان بن عبد العزيز التأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن عودة اللاجئين إلى منازلهم وإبعاد "الجماعات المتطرفة" التي حتى وقت قريب كان بعضها يتمتع بدعم سعودي معروف، بينما يتجاهل الحديث في المسائل الشائكة التي كانت تُعتبر من ثوابت الموقف السعودي، مثل ضرورة رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد. وربما كان هذا التجاهل مقصوداً، ومعه غياب الحديث عن ضرورة إبعاد إيران عن التدخل في شأن سورية. وفي رأي مراقبين، ربما يبدو ذلك إشارة جديدة على تغير الموقف السعودي من الثورة السورية، يتناغم مع الموقفين الأميركي المتراجع، والروسي المتشدد، وربما التركي المرن أيضاً.

وبكلمات لا تفاصيل فيها، يتحدث الملك سلمان عن الصراع العربي الصهيوني، فيقول: "بخصوص القضية الفلسطينية، ستظل القضية الأولى حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم"، كيف، ولماذا، وماذا عن الحديث المتواتر عن خطوات ولي عهده محمد بن سلمان في طريق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، الذي دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتوسط عند الإدارة الأميركية لتجاوز اتهام بن سلمان بإعطاء الأمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي.

غير بعيد عن كل ذلك، تبدو في الأفق تحركات، ربما تحمل جديداً في أزمة الحصار الذي تتزعم السعودية فرضه منذ عام ونصف العام على دولة قطر، تحت تأثير ما يقال عن ضغوط أميركية في هذا الاتجاه. وتخرج للعلن تصريحات كويتية رسمية عن التئام القمة الخليجية يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول المقبل في الرياض، بحضور كل دول مجلس التعاون الخليجي، والمقصود هنا بالدرجة الأولى قطر. لكن العاهل السعودي يتجاهل أي إشارة إلى ذلك، ربما انتظاراً لبلورة تصور أو خطة محددة في هذا الصدد؛ لكنه على أي حال لا يذكر كلمة واحدة عن الحصار والأزمة كلها، التي كانت حتى وقت قريب الموضوع الأكثر حضوراً في تصريحات ولي عهده، ووزراء ومسؤولين سعوديين، بداعٍ وبغير داعٍ في معظم الأحيان. وربما يعكس هذا التجاهل المقصود، كما يبدو، انتظاراً لضوء ما يلوح في النفق الذي أدخل السعوديون أنفسهم فيه، حتى أصبح الخروج منه ذا كلفة سياسية، ينبغي على النظام في المملكة أن يدفعها نتيجة رعونة وتهور ولي العهد محمد بن سلمان.

المساهمون