كانت المرشحة الرئاسية البارزة هيلاري كلينتون في العام 2008، أقوى المنافسين للمرشح الأسمر القادم من المجهول باراك أوباما، خلال التصفيات الأولية داخل الحزب الديمقراطي قبل خوض المنافسة الفعلية في الانتخابات الرئاسية الأميركية مع الجمهوريين. بل إن الوصف الأكثر دقة لما جرى حينها هو أن أوباما كان منافساً قوياً لصاحبة الصدارة في قائمة الديمقراطيين هيلاري كلينتون. ولم يكن من المتوقّع في بداية المنافسة أن يتمكن أوباما من إزاحة كلينتون عن الصدارة، ولكن الديمقراطيين كانوا في ذلك الوقت يفاضلون بين خيارين جيدين أحدهما تقديم أول امرأة رئيسة للولايات المتحدة، والثاني تقديم أول رئيس أسود للبلاد، وكلا الخيارين تحتاجهما البلاد.
وأثناء المفاضلة كان الناخبون ينظرون إلى وجود رئيس من أصل أفريقي للولايات المتحدة، كخطوة يمكن أن تُفاخر بها البلاد بأنها سبقت أوروبا وبلدانا كثيرة إليها، بينما وجود امرأة في الموقع الأول في البلاد، قد يكون أمراً جديداً في الولايات المتحدة ولكنه ليس جديداً بالمقارنة مع دول أوروبية وآسيوية وحتى إسلامية سبقت الولايات المتحدة في هذا المجال.
وقبل أن تفرض التصفيات الأولية على قيادة الحزب الديمقراطي اختيار أوباما بدلاً من كلينتون، كان النقاش يدور بين تلك القيادات بأن المرشحين لدى كل منهما ميزات قوية، فيجب دعم أحدهما في انتخابات 2008 والحفاظ على الآخر لانتخابات 2016. وكانت وجهة النظر السائدة بين الأغلبية هي أن أوباما يستطيع الانتظار حتى 2016 بحكم سنّه الأصغر من كلينتون، بينما الأخيرة في حال قررت المنافسة مرة أخرى فقد تدخل غمارها في وقت تكون فيه قد شارفت على السبعين من عمرها، وهو عمر متقدّم في مقاييس النشاط والقدرة على تحمّل صعاب الحملات الانتخابية الشرسة. ولكن بما أن الرياح تجري بما لا يشتهي الربان، فقد تحتّم على كلينتون انتظار دورها وجاء هذا الدور الذي لا يضمن لها أيضاً الوصول للرئاسة للسبب ذاته الذي كان الديمقراطيون يخشون منه، وهو تقدّمها في السن وظهور تساؤلات عن صحتها ومدى قدرتها على التحمّل.
اقرأ أيضاً: كلينتون و"الحلم الأميركي": فرصة أخيرة لموعد البيت الأبيض
فبعد أن فشلت جميع الحملات الجمهورية القاسية عليها، اتجهت هذه الحملات إلى منحى جديد هو التركيز على صحتها وسنّها استناداً إلى معلومات جديدة خرجت من صلب أرشيف البريد الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية، المتعلق بمراسلات هيلاري كلينتون الذي أزيح ستار السرية عنه في الأيام الأخيرة. وأظهرت رسائل بالبريد الإلكتروني نُشرت يوم الجمعة الماضي، أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون لم تتمكن من الإدلاء بشهادتها أمام السيناتور الجمهوري جون ماكين في ديسمبر/كانون الأول من العام 2012 بشأن الهجوم على منشآت أميركية في بنغازي والتي قُتل فيها السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين، لأسباب صحية أقنعت ماكين لا سياسية كان بإمكانه الاعتراض عليها. وتأجل إدلاؤها بالشهادة حتى يناير/كانون الثاني 2013.
ولم يظهر من الرسائل المأخوذة من حساب كلينتون الإلكتروني الشخصي، والتي نشرتها وزارة الخارجية، أن بها ما يمكن أن يلحق ضرراً سياسياً بسعيها للفوز بالرئاسة عام 2016، ولكن الرسائل بالفعل أزاحت الستار عن نقطة يتفادى الأميركيون الحديث عنها على المستوى الشخصي عندما يتعلق الأمر بالصحة والعمر، ولكنهم لا يهملونها عندما يكون الشخص مرشحاً للرئاسة.
لكن بعض الرسائل المفرج عنها، والتي يُقارب عددها الثلاثمائة رسالة، تسلّط الضوء أيضاً على القلق الذي كان يعتري فريق كلينتون بعد هجوم بنغازي. وعندما لم يجد الجمهوريون ما كانوا يتمنونه من الناحية السياسية في تلك الرسائل، بدأوا يتحدثون عن إصابات تعرضت لها كلينتون في رأسها جراء حادث سقوط في 2012 ويبثون شائعات بأنها مصابة بورم في الدماغ، بل إن البعض الآخر بدأ يطالب جدياً بالإفراج عن سجلها الصحي لتطمين الناخبين. وعلى الرغم من أن مثل هذه المطالب لا تؤثر في المراحل الأولية من الانتخابات، فإنها تثير الشكوك في المراحل الحاسمة. وتستطيع كلينتون إنكار أي تهمة توجّه لها وتغيير أي سجل عن ماضيها، ولكنها لن تنجح مطلقاً في تغيير تاريخ ميلادها الذي قد يكون العامل الوحيد الأكثر قوة لرفض الناخبين لها، حتى لا تتكرر تجربة الرئيس رونالد ريغان الذي أصيب بالزهايمر في أواخر أيام رئاسته.
اقرأ أيضاً: تبرعات غامضة وسخرية أوباما تلاحقان هيلاري كلينتون