44 دولة حول العالم، يستثمر فيها الصندوق السيادي الكويتي منذ بداية العام الحالي، ضمن خطة التوزيع الجغرافي الجديدة التي اعتمدها نهاية العام الماضي، بعد التغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة.
هذا ما كشفه تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، المسؤولة عن الصندوق السيادي الكويتي واطلع عليه "العربي الجديد"، إذ أوضح أن خريطة استثمارات الكويت الخارجية تغيرت مع بداية العام الجاري من حيث أماكن ونوعية الاستثمار، وذلك في محاولة للتغلب على الكم الكبير من المخاطر التي تحوم حول الاستثمارات في شتى أنحاء العالم، بدءاً من التوترات الجيوسياسية وحتى الحرب الاقتصادية بين أكبر دول العالم اقتصادياً.
نظرة إلى الخريطة الجغرافية لاستثمارات الصندوق السيادي الكويتي، تبيّن أن الولايات المتحدة الأميركية تستحوذ على النسبة الكبرى من إجمالي استثمارات الصندوق السيادي الكويتي، بحجم يصل إلى نحو 350 مليار دولار من إجمالي استثمارات الصندوق التي تقارب 600 مليار دولار، وهي موزعة في الأسهم والسندات، خصوصاً سندات الخزانة الأميركية بنسبة 40%، مقابل 25% هي حصص في شركات ومصارف أميركية كبرى، و35% في قطاع العقارات.
مع الأخذ بالاعتبار أن هناك توجهاً إلى رفع الاستثمارات الخاصة بالشركات وتوجيهها نحو القطاع التكنولوجي، إذ يسعى الصندوق السيادي إلى تعزيز وجوده بالقطاع من خلال مساهمته في كبرى الشركات التكنولوجية.
وتأتي أوروبا في المرتبة الثانية، بإجمالي استثمارات تجاوزت في الآونة الأخيرة 150 مليار دولار، بناءً على إجراء تغييرات في استراتيجية الاستثمارات الخارجية، إذ خفض الصندوق السيادي الاستثمار في الشرق الأوسط ووجهه نحو أوروبا، إثر مواجهة العديد من الاستثمارات في الشرق الأوسط صعوبات مالية أفضت إلى تصفية بعضها.
وهذا ما دعا الصندوق السيادي الكويتي إلى تغيير بوصلته نحو "رن هاوس" البريطانية، لتكون الواجهة الأولى لاستثمارات الصندوق في أوروبا، وخاصة بعدما حققت نجاحات عديدة، كان آخرها إبرام اتفاق لشراء شركة خطوط أنابيب النفط والغاز في بحر الشمال، للعمليات الوسيطة بنحو 1.3 مليار جنيه إسترليني (1.7 مليار دولار) من أركلايت كابيتال.
ويرأس "رن هاوس"، التي تتخذ من لندن مقراً لها، حكيم قيطوني، وهو مصرفي سابق عمل في بنك أوف أميركا ميريل لينش في لندن ونيويورك.
وتأتي اليابان ودول آسيا بشكل عام في المرتبة الثالثة من حجم استثمارات الصندوق السيادي الكويتي بنحو 60 مليار دولار، وغالبيتها في شركات كبرى تعمل في قطاع السيارات والتكنولوجيا.
أما الشرق الأوسط، فيأتي في المرتبة الرابعة، بعدما خفضت استثماراته هناك لتصل إلى نحو 40 مليار دولار، وهي متنوعة في العقار وحصص في شركات مالية وتكنولوجية وأسهم.
وتتوزع استثمارات الصندوق على الأسهم بنسبة 45%، والسندات 20%، والعقار 10%، واستثمارات بديلة 15%، واستثمارات في شركات تكنولوجية 10%.
ويصنف معهد صناديق الثروة السيادية هيئة الاستثمار الكويتية بأنها رابع أكبر صندوق ثروة سيادي، بحجم يبلغ 600 مليار دولار، وتسبقها في الترتيب صناديق النرويج والصين والإمارات.
وبحسب تصريحات لمسؤولي الصندوق السيادي في الكويت سابقاً، وسّعت الكويت استثماراتها في العامين الماضيين في البنى التحتية في وجهات استثمارية مختلفة، على غرار بريطانيا وإسبانيا وأستراليا، إذ بلغ حجم الاستثمار هناك نحو 3 مليارات دولار في مشاريع وقطاعات مختلفة، متعلقة بالبنى التحتية كالموانئ والمطارات.
استراتيجية تحوّطية
وبعد التقلبات التي طرأت على أسواق المال وأسعار الصرف، من جراء هذه التطورات منذ مطلع العام الحالي، قرّر الصندوق السيادي اتخاذ استراتيجية جديدة تتمحور في 3 جوانب رئيسة، هي:
أولاً: تأمين بعض الاستثمارات التي تشعر بأنها معرضة لمخاطر الأزمة الراهنة أكثر من غيرها، من خلال شراء عقود التحوط، وعادة ما يكون هذا الخيار مكلفاً في أوقات الأزمات، لكنه خيار يمكن الاستفادة منه عند الحاجة.
ثانياً: الاستثمار في الأصول الحقيقية، مثل العقارات ومشاريع البنية التحتية، وغيرها من تلك الأصول التي تتميز بمقاومة أكبر للأزمات الاقتصادية، مقارنة بمثيلاتها كالأوراق المالية والسندات، وخصوصاً أن مثل هذه الأزمات غالباً ما تولد بعض الفرص الاستثمارية المغرية، في هذا النوع من الأصول يمكن اقتناصها والاستفادة منها.
ثالثاً: رفع درجة التحوط والاستعداد لاقتناص بعض الفرص الاستثمارية التي تولدها الأزمات، فلا بد من رفع مستوى سيولة المحافظ الاستثمارية لتحتفظ بنسبة أكبر من النقد السائل، التي تشكل حالياً 18% من إجمالي الأموال المستثمرة.
تغيير استراتيجي
الرئيس التنفيذي لشركة "بلوبرينت" القابضة للاستشارات الاستثمارية العقارية البريطانية، مشعل الملحم، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الاستثمارات الكويتية الخارجية واجهت عثرات عديدة مطلع العام، ما دفعها إلى تغيير استراتيجيتها، وخاصة بعد هبوط أسعار عملات مصر وتركيا، لتتجه بعدها إلى تغيير بوصلة استثماراتها من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا.
أما عبد الله، الرويح الخبير الاقتصادي، فعبّر لـ"العربي الجديد" عن تفاؤله بالاستراتيجية الجديدة، والتوجّه نحو دول تحقق عائداً أكبر بمخاطر منخفضة، مؤكداً ألا أحد يستطيع إنكار علاقة المال بالوضع السياسي في أي مكان، فكلما كان هناك استقرار تستطيع الأسواق تجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تتفاقم في ظل الأوضاع غير الطبيعية.
يُشار إلى أن الصندوق، حقق صافي أرباح بقيمة 24.07 مليار دينار (ما يعادل 79.5 مليار دولار) عن استثمار احتياطيات الدولة، ممثلة في أصول الصندوق السيادي الكويتي، خلال السنوات الثلاث المنتهية العام الماضي.