قال خبير الغاز الروسي اليا زاسلافسكي الزميل، في المعهد الملكي البريطاني"تشاتهام هاوس": إن صفقة الغاز التاريخية التي وقعتها روسيا مع الصين في شهر مايو/آيار الماضي تفتقر الى الجدوى الاقتصادية بالنسبة لروسيا ولشركة "غازبروم". وقال في مقال في هذا الصدد: إن"شركة "غازبروم" ربما تتمكن في أفضل الاحوال من تغطية كلف هذه الصفقة، أما في أسوأ الاحوال فإن شركة "غازبروم" ربما تتكبد خسائر من هذه الصفقة".
يذكر أن صفقة الغاز الضخمة التي وقعتها روسيا الشهر الماضي بلغت قيمتها 400 مليار دولار وتقضي بمد الصين بكميات غاز قدرها 38 مليار متر مكعب سنوياً". وقال زاسلافسكي: الصفقة تفتقر الى استراتيجية تطوير شاملة تؤكد المصالح طويلة المدى لروسيا. مشيراً في هذا الصدد الى أن دائرة رجال الاعمال المقربين من الرئيس بوتين، ربما يكونون هم المنتفعين من هذه الصفقة.
ولاحظ خبير الغاز الروسي، أن المفاوضات بين "غازبروم" ونظيرتها الصينية"سي ان بي سي" كانت تدور حول سعر يراوح بين 380 و590 دولاراً بالنسبة لكل مليون متر مكعب. ولكنه قال: إن شركة "غاز بروم" ترفض حتى الآن الافصاح عن السعر الحقيقي الذي باعت به الغاز لشركة النفط الوطنية الصينية" سي ان بي سي".
مشيراً في هذا الصدد الى أن كل ما قالته الشركة الروسية، أنها اتفقت على إمداد الصين بـ38 مليار متر مكعب سنوياً و"بسعر مرتبط بسلة خامات البترول، من دون أن تحدد المعادلة التي تحكم ارتباط سعر الغاز الروسي بالبترول والدور الذي ستلعبه السوق الفورية في المعادلة السعرية".
وأشار زاسلافسكي، الى أنه حتى تصريح وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك، الذي أكد فيه بأن المتوسط السعري للصفقة 350 دولاراً لكل مليون متر مكعب، هو إشارة فقط لارتباط المعادلة السعرية للغاز بسعر النفط، ولكنه لم يحدد في الواقع السعر الحقيقي للغاز.
وينسب زسلافسكي، الى خبراء في سوق الطاقة قولهم، إن سعر 350 دولاراً لمليون متر مكعب من الغاز الروسي، هو سعر لا يفوق الكلفة، وأن شركة "غاز بروم" ربما لا تحقق أية أرباح من هذا السعر.
وقال يجب الأخذ في الاعتبار، أن الصين وقعت هذه الصفقة، وهي أمام مجموعة من الخيارات في مقابل الضغوط التي تواجهها روسيا. مشيراً الى أن مجموعة الخيارات المتوافرة لدى الصين مكنتها من الضغط للحصول على سعر منخفض للغاز الروسي مقارنة بالمجموعة الاوروبية، التي لا تتوافر لديها خيارات. وتتوافر للصين خيارات الامداد بالغاز الطبيعي من آسيا الوسطى من دولة مانيمار، وكذلك واردات الغاز الطبيعي المسيل وانتاج الغاز المحلي والفحم الحجري. وقال "وعليه فالصين في موقع تفاوضي قوي يمكنها من الضغط على روسيا. وفي المقابل فإن روسيا التي تتعرض لعقوبات غربية في موقف ضعيف ترغب في تقوية موقعها السياسي".
وعلى صعيد كلف إنتاج وتطوير ونقل الغاز قال الخبير الروسي: تقدر الكلف الاساسية المباشرة لانتاج الغاز الطبيعي في روسيا المتمثلة في الاستخراج والتطوير والتوصيل حتى قبل الضرائب، حوالي 300 دولار لكل مليون متر مكعب من الغاز. وتقدر شركة "غاز بروم" كلفة خط تصدير الغاز الى الصين حوالي 55 مليار دولار. كما تقدر كلفة تطوير حقول الغاز في منطقتي شيانادا وكوفيكاتا اللتين ستمدان صفقة الغاز الروسية بالغاز حوالي 30 مليار دولار، وهو ما سيرفع كلفة الانتاج حوالي 100 دولار لكل مليون متر مكعب. كما قال: إن كلفة بناء خط "باورأوف سيبيريا" تقدر حوالي 40 مليار دولار. كما تحتاج "غازبروم" الى بناء مصنع للغاز والهيليوم مع مجمع بتروكيماويات في منطقة بيلوغورسك بكلفة تصل الى 20 مليار دولار. إضافة الى توسيع خط أنابيب، سخالين -خاباروفسك ـ فالديفوستك الذي تصل كلفته الى 10 مليارات دولار.
وأشار الى أن هذين المشروعين الاضافيين يعدان من المتطلبات الأولية لتلبية حجم الغاز الطبيعي المطلوب في الصفقة الصينية. وقال: إن مد هذه الخطوط سيرفع كلف نقل الغاز الى الصين بحوالى 150 الى 200 دولار لكل مليون مترمكعب. وخلص الى القول"إذا كان سعر الغاز في صفقة "غازبروم" 350 دولاراً لكل مليون متر مكعب، فإن ذلك سيعني أن الهامش الربحي لشركة "غازبروم" يعد ضئيلاً وحتى قبل حساب الضرائب".
وأشار الى أن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي كان حريصاً على توقيع الصفقة، قرر تعليق ضريبة استخراج المعادن الروسية للمواد التي ستستخدم في صناعة خط الانابيب لتغذية الصين بالغاز الطبيعي. وكانت هنالك اقتراحات، أن يعفو الرئيس بوتين، الصفقة كذلك من رسوم التصدير حتى تتمكن "غاز بروم" من تغطية الكلفة من دون أن تتعرض لخسائر. ولم يستبعد الخبير الروسي أن تكون روسيا سمحت للشركات الصينية بعقود شراكة في بعض الحقول بشرق سيبيريا.
ولكن السؤال المطروح لماذا وقع الرئيس بوتين، على الصفقة مادامت عديمة الجدوى الاقتصادية بالنسبة لروسيا؟
يقول الخبير زاسلافسكي: إن الرئيس بوتين، سياسي ليس أمامه خيارات عقب عدائه الغرب. وعليه فهو في أمس الحاجة الى الصفقة من الناحية الجيوسياسية لايجاد سوق جديدة للغاز الطبيعي الروسي ووسيلة ضغط على أوروبا.
وقال: إن الصفقة ستفيد دائرة رجال الاعمال المقربة من الرئيس بوتين، مثل ايغور سيشن، الذي يرأس مجلس إدارة "روزنوفت" للطاقة والذي يخطط لتصدير 18 مليار متر مكعب من الغاز الى الصين. كما أن عقود تنفيذ خط الانابيب من المتوقع أن تفوز بها شركات يسيطر عليها اركادي روتنبيرغ وجينادي تيمشنكو أوشركات فرعية أخرى مرتبطة بالكرملين.