وذكر التقرير الذي أُعد لـ"مجلس المنطقة القطبية الشمالية" أن درجات الحرارة في الخمسين سنة الماضية ارتفعت إلى أكثر من ضعف متوسط الزيادة العالمية. ويرى التقرير أن زيادة الانبعاث في الغازات، التي يتسبب بها النشاط البشري، تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري في القطب.
وبحسب ما جاء في تقرير الخبراء والباحثين فإنه "ومنذ أن صدر التقرير الأخير في 2011 لوحظ زيادة متصاعدة في درجة حرارة الهواء، وانخفاض في الجليد البحري ومياه بحر القطب أصبحت أكثر دفئا وأقل ملوحة مع انحسار دائم للصفيحة الجليدية".
وما يقلق الخبراء الدنماركيين خصوصا أن "جزيرة غرينلاند تشهد ذوبانا جليديا تضاعف منذ 2008 وبسبعة أضعاف منذ العام 1995". ويشير التقرير إلى أن الماء الذائب من الأنهار والصفائح الجليدية يساهم بأكثر من ثلث ارتفاع مستوى البحار حول العالم. وبين عام 2011 و2014 فقدت جزيرة غرينلاند، وهي الجزيرة الجليدية الكبرى في العالم، 375 غيغا طن من جليدها سنويا، وهو ما يقدر بمكعب جليدي بحجم 7،5 كم لكل جانب. ويتوقع الخبراء الذين أشرفوا على الأبحاث أن تساهم مياه الجليد الذائب بنحو 25 سنتيم في زيادة مستوى المياه حول العالم في عام 2100. وفي عام 2030 سيكون العالم أمام صيف قطب شمالي.
ويرى الخبراء، أن المخاطر ستهدد كثيرا من دول العالم "مع زيادة مستوى المياه إلى نصف متر على الأقل إذا تم الالتزام بتوصيات اتفاق باريس، أما إذا بقيت الأمور على ما هي اليوم فإن الزيادة سترتفع بمستوى 75 سنتيمترا على الأقل".
وبحسب أحد الخبراء، وليام كولغان، فإنه "وعلى الرغم من الالتزام باتفاقية باريس فإن العالم لن يكون قادرا على فعل شيء خلال 30 إلى 35 سنة، فارتفاع منسوب مياه البحار اليوم هو بنتيجة ما جرى خلال الـ30-35 سنة الماضية".
القلق الدنماركي، باعتبار البلد يشعر منذ سنوات بحالة المد البحري على تآكل اليابسة الشاطئية المسطحة، وغير المحمية بمرتفعات وجبال، تعززه رؤية السكان بالعين المجردة لارتفاع منسوب المياه على الشاطئ الأطلسي في غرب البلاد.
ويلحظ تقرير ذوبان الجليد وارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي "نتائج خطيرة في تراجع سماكة الطبقة الجليدية بـ65 سنتمتر منذ عام 1975. ففي مارس/آذار الماضي كشفت تراجعا كبيرا في انتشار الطبقة الجليدية إلى أقل مستوى منذ أن بدأ العمل في المراقبة الفضائية عبر الأقمار الاصطناعية. ويبدو أن التجمد الذي تشهده الأرض على مدار السنة أصبح من الماضي مع ذوبان كميات كبيرة منها ما يشكل عواقب خطيرة على القطب الشمالي".
ويرى الخبير الدنماركي، ياسبر ثيلغوورد، أن هذه المتغيرات على طبيعة الأرض في القطب "ستؤثر على البنية التحتية، حيث ستتحطم خطوط نقل النفط وستتأثر المنازل بتشققات وانهيارات". ويحذر ثيلغوورد من أن "ذوبان الجليد على الأرض سيخلق زيادة كبيرة في انبعاثات غاز الميثان المخفي تحت الجليد، وخصوصا في منطقة سيبيريا".
ويحذر خبراء آخرون من أن الذوبان وانكشاف الأرض في القطب الشمالي سيخلق أيضا "تنافساً بين القوى الدولية لوضع يدها على الأرض المنكشفة، كطريق جديد والبدء بالتوسع شمالا ما سيخلق اختلالا بيئيا خطيرا على البشرية".
التأثير الذي يتحدث عنه الخبراء في مجال البيئة والمناخ يرتبط أساسا بما يسمى "مضخة غرينلاند" (مضخة غرينلاند لمضيق الدنمارك/ مضخة تيار شمال الأطلسي)، وهي عبارة عن شلالات ضخمة تحت سطح البحر في الممر البحري الفاصل بينها وبين جزيرة أيسلندا. وهذه المضخة هي الجزء الختامي من تيار الخليج وهي قوة دفع للتيار الملحي العالمي.
فهذا التيار الذي يتأثر بذوبان مياه جليدية يؤثر على تيار المضخة، والمسؤول عن دورة المياه الدافئة وإعادة تبريدها، سيؤدي إلى توقف إيقاع دورتها أو الانفجار تحت السطح وللمفارقة ازدياد برودة الطقس في الشمال، ومن بينها الدنمارك وأيسلندا والنرويج، وبالتالي سوف تعم حالة برد شديدة في عموم دول الشمال.
ويوصي علماء المناخ والتغيرات الخطيرة في القطب الشمالي، لإنقاذ دول كثيرة حول العالم، بالعودة للالتزام باتفاقية باريس للمناخ، وإعطاء أولوية للبحوث التي يمكن أن تحسن السلامة والتوقعات وما يترتب على التغيرات من نتائج. ويصر هؤلاء العلماء على أن "التنوير بين الشعوب أمر أساسي للحد من عملية تدمير المناخ والبيئة في القطب".
ويحذر التقرير في خلاصته بأننا خلال عقدين فقط "سنكون أمام محيط متجمد شمالي خال من الجليد في الصيف. وبحسب ما تمت دراسته فإن أنهار جليد القمم في القطب، والقارة القطبية الجنوبية، ستؤدي كلها إلى نتائج كارثية في ارتفاع منسوب مياه البحار. وإن التغييرات المناخية ستؤثر بشكل كبير على الطقس في خطوط العرض المتوسطة، ما سيؤثر على الرياح الموسمية في آسيا الجنوبية".