وأظهرت بيانات صادرة عن هيئة قناة السويس، نُشرت على موقع رئاسة الحكومة المصرية يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن إيرادات القناة بلغت الشهر الماضي 449.2 مليون دولار، بتراجع 6.7% عن أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2014، والتي بلغت 482.3 مليون دولار.
وذكرت الهيئة أن عدد السفن المارة بالقناة تراجع أيضا ليسجل 1500 سفينة، مقابل 1558 سفينة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 3.7%.
وكانت إيرادات القناة قد بلغت خلال سبتمبر/أيلول 448.8 مليون دولار، بتراجع بنسبة 4.6%، قياسا مع إيرادات الشهر نفسه من 2014، والتي وصلت إلى 469.7 مليون دولار. كما أنهت أغسطس/آب الماضي بهبوط 9.4%، حيث لم تتجاوز 462.1 مليون دولار.
وتعد قناة السويس أحد أهم المصادر الأساسية للنقد الأجنبي في مصر، إلى جانب الصادرات وتحويلات المصريين في الخارج والاستثمارات الأجنبية والسياحة.
وأظهرت توقعات مؤسسات عالمية باستمرار بطء التجارة الدولية على خلفية المشاكل التي تواجه الاقتصاد العالمي، خاصة الصيني والألماني، تخوفات محللين في مصر من تأجيل تحسن إيرادات قناة السويس رغم إطلاق التوسعة الجديدة التي كلفت موازنة مصر 64 مليار جنيه.
وقال رفعت رشاد، رئيس الجمعية العربية للملاحة في مدينة الإسكندرية الساحلية شمال مصر، إن تراجع إيرادات قناة السويس يعود إلى تراجع حركة التجارة العالمية، التي تؤثر بدورها في حركة السفن العالمية المارة بالقناة بسبب تباطؤ الاقتصادات العالمية.
وتوقع رشاد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يستمر تراجع إيرادات القناة، لكنه اعتبر أن ذلك سيكون لفترة مؤقتة قد تصل لنهاية العام الحالي، متوقعا حدوث طفرة قوية بإيرادات القناة خلال فترة من 10 إلى 15عاما مقبلة.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، خفضت منظمة التجارة العالمية في تقرير لها توقعاتها لنمو التجارة العالمية في العام الحالي 2015، وعزت ذلك إلى الانخفاض في الطلب على الواردات وهبوط أسعار المنتجات.
وتوقعت المنظمة أن يصل نمو التجارة العالمية هذا العام إلى 2.8% فقط، بينما كانت توقعاتها السابقة في أبريل/نيسان الماضي تصل إلى 3.3%.
وفي 8 أكتوبر الماضي خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2015 بسبب النزاعات وتدهور أسعار النفط متوقعا ارتفاعا ملحوظا في 2016.
وتوقع الصندوق في تقريره أن يصل النمو بالمنطقة لـ 2.3%، مؤكداً أن الدول المصدرة للنفط، وبينها دول الخليج العربية، هي المسؤول الرئيسي عن ضعف النمو في المنطقة هذا العام.
وقال رئيس الجمعية العربية للملاحة، إن قناة السويس لها حصة من حركة السفن العالمية ضمن حصص أخرى للعديد من القنوات، التي صارت تنافسها، كقناة بنما وقناة القناة الخاصة بالقطب المتجمد الشمالي.
ورغم ذلك أضاف رشاد أن تراجع الاقتصادات الكبرى حاليا لن يستمر، فعدد سكان هذه الدول، وعلى رأسها الصين وأوروبا، يزداد بشكل مستمر وبالتالي حتمية النمو الاقتصادي مستقبلا حتى لو تراجع نمو اقتصادياتها حاليا.
وعن أسباب تراجع حركة التجارة العالمية المؤثر الأول بإيرادات القناة، قال رشاد إن أميركا التي كانت أكبر مستورد للبترول، أصبحت تنتجه حاليا، ما أثّر في اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن الحروب والنزاعات التي تشهدها المنطقة حاليا، خاصة باليمن وليبيا وسورية والعراق، كان لها تأثير كبير في حركة السفن المارة بقناة السويس.
اقرأ أيضا: أزمة إيرادات قناة السويس
ويأتي التراجع المتوالي لإيرادات قناة السويس مغايرا للتوقعات الحكومية، حيث روج مسؤولون حكوميون إلى مشروع توسعة القناة الذي افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس/آب الماضي، بأنه سيدر عشرات مليارات الدولارات على مصر في أشهر معدودة.
أما أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس خالد عبد الفتاح، فرأى أن تراجع إيرادات القناة للشهر الثالث يرتبط بشكل رئيسي بمعدلات النمو بالاقتصاد العالمي، قائلا إنه من غير المعقول أن تتسبب التفريعة الجديدة لقناة السويس في زيادة إيراداتها لأنه حتى لو استعاد الاقتصاد العالمي مستويات نموه فحركة التجارة العالمية على مدار مائة عام ثابتة ومعروفة ولا تتجاوز 2% من نسب النمو إلا في حالات نادرة، وبالتالي نمو إيرادات القناة سيكون محدودا أيضا وقتها وليس كما روج له النظام المصري.
وأكد عبد الفتاح أن استكمال مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس بالمركز اللوجيستي هو الأكثر أهمية من التفريعة الجديدة ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن مصر لن تستطيع تنفيذه بالفترة المقبلة لأن مشروع التفريعة الجديدة دفع الحكومة لسحب سيولة ضخمه من البنوك وتسبب بالأزمة التي نواجهها حاليا من عدم توافر النقد الأجنبي.
لكن عبد الوهاب كامل، مستشار رئيس الأكاديمية البحرية في مصر، قال لـ"العربي الجديد"، إن "تعجل تحقيق إيرادات قوية بعد افتتاح قناة السويس الجديدة ليس صحيحا"، متوقعا أن يكون هناك تحسن ملحوظ في إيرادات القناة بداية العام المقبل.
وقلل كامل من تراجع حركة السفن بسبب تباطؤ حركة التجارة العالمية، موضحا أن أهم السفن التي تمر بالقناة هي ناقلات النفط العملاقة وسفن الحاويات الضخمة، وأن زيادة حمولة هذه السفن تزيد من تكلفة عبورها وبالتالي زيادة إيرادات القناة.
وعن تراجع حركة السفن بسبب تراجع حركة التجارة العالمية قال كامل ن التقرير السنوي الذي يصدر عن حركة التجارة العالمية يكون ببداية العام، لذلك ليس هناك ما يؤكد حاليا تراجعها خلال العام الحالي.
ولفت كامل إلى أن إنتاج الولايات المتحدة للنفط وتراجع واردات الشرق الأوسط النفطية أديا إلى تراجع مرور الناقلات العملاقة بالقناة وتراجع إيراداتها.
وتتوقع هيئة قناة السويس أن ترتفع إيرادات الممر الملاحي إلى 13.5 مليار دولار بحلول عام 2022، مقابل نحو 5.2 مليارات دولار للعام المالي 2014/2015 المنقضي بنهاية يونيو/حزيران الماضي.
لكن أكرم بسطاوي، خبير التجارة الدولية المصري، قال في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن حركة التجارة الدولية لا تتغير بشكل كبير وتتحرك بين زيادة في أشهر معينة وأخرى متراجعة.
وتوقع بسطاوي أن تعادل إيرادات القناة خلال السنوات العشر المقبلة ذات المعدلات المحققة في الفترة السابقة، لأن التبادل التجاري العالمي، خاصة الشحن البحري، ينمو بنسب ضئيلة تتراوح من 1% إلى 2%، وبالتالي فإن التفريعة الجديدة للقناة لن تساهم في زيادة إيرادات الممر الملاحي، لأن عدد السفن نفسه سيمر، لكن المسألة في خفض توقيتات انتظارها فقط.
وأشار إلى أن 80% من إيرادات القناة ثابتة ومعروفة بأحجامها وكمياتها، والـ 20% المتبقية تكون استثناءات مثل مرور سفن عسكرية أو صفقات معينة تتطلب مرور عدد من السفن بأشهر محددة.
ويصل متوسط السفن التي تمر يوميا في القناة إلى 49 سفينة، بينما الطاقة الاستيعابية لها قبل حفر التفريعة الجديدة يبلغ 76 سفينة يوميا.
وجمعت الحكومة أكثر من 64 مليار جنيه (8.2 مليارات دولار) لتمويل حفر التفريعة الجديدة للقناة، عبر طرح شهادات استثمار بعائد 12% سنوياً على مدار 3 سنوات.
اقرأ أيضا: أكذوبة مليارات قناة السويس