03 يوليو 2019
حين يطعن السجين سجَّانه
يطعن سجناء فلسطينيون سجّانيهم الإسرائيليين، مرتين، من وراء أسوار سجنيْن مختلفين، أولهما معتقل النقب الصحراوي، وثانيهما قطاع غزة المحاصر، فيؤلمون، كما يألمون، لأنهم لا يريدون أن يهنوا، على ما تقول أدبيات مقاومة الظلم والاستعباد، منذ عهد النبوة الكريمة في مكة المكرمة، إلى زمن المقاومة الأبية في فلسطين المحتلة، مروراً بحقب أخرى مماثلة، ما انفكّ تاريخ الإنسان يسجلها منذ الأزل، علامات مضيئة، في رواية طويلة، عنوانها إصرار الحق منزوع الأنياب، على مواجهة الباطل المدجج بأسباب القوة.
ولو كانت خلاصة التجربة البشرية تقول شيئاً آخر سوى ما سبق، لكان العبيد الضعفاء ظلوا، إلى يومنا هذا، يرزحون في قيود السادة الأقوياء، فيُباعون ويُشترون، في أسواق النخاسة، مثل الدواب، ولكانت الشعوب الصغيرة والكبيرة، في أفريقيا وآسيا، تواصل خضوعها، أبداً، للإمبراطوريات التي تفاخرت يوماً بأن الشمس لا تغرب عن أرضها، ولكان الفلسطينيون أقعوا، في نهاية المطاف، يائسين، وما تجرّأ أسير منهم، في سجن النقب، على طعن سجّانيه بسكين صغيرة، أين هي من أسلحتهم النارية، ومن قدرتهم على الرد، بحملة تنكيل وحشية، أعقبت إقدامه على ما أقدم عليه، وخلفت عشرات المصابين بين رفاقه البالغ عددهم ألفاً وثلاثمائة.
سؤال الأرباح والخسائر، بمعناها المباشر، لن يقود، في مثل هذه الحال، إلا إلى جوابٍ يصنف فعل تمرّد السجين على السجان، أو الضعيف على القوي، في خانة الحماقات غير المحسوبة، لكن الثوار كان لهم دوماً، وعلى مدى التاريخ، طريقة مختلفة في الحساب، يعجز عن فهمها اليائسون، لأنها مدجّجة بفائض الأمل في أن يؤدي تراكم الانتصارات الصغيرة إلى صنع الانتصار الكبير، كما أنها تتغذّى من رصيد إحساس بالكرامة، تتضاءل أمامه معاني العيش في غيابها.
وإن أنت مددت سؤال الأرباح والخسائر على استقامته، من سجن النقب إلى قطاع غزة، أو من واقعة المواجهة الفردية إلى تجربة المواجهة العسكرية، ستتباين الأجوبة، كذلك، تبعاً للحسابات والمعتقدات، لكن مع تغليب الأولى، في النقاش العام، على الثانية، هذه المرّة، بسبب تفاعلات ما حدث، وآثاره المحتملة، على حياة مليوني فلسطيني، يعانون أصلاً، من ويلات حصارٍ مستمر، وحروب، لا تتوقف إلا لتندلع مجدداً، منذ اثنتي عشرة سنة.
وبصراحة أكبر، كان البحث عن الحكمة من إطلاق صاروخٍ مدمر على منزلٍ قرب تل أبيب، وما زال، يشغل كل القلقين من احتمال رد إسرائيل بعملية عسكرية واسعة، أو بحربٍ، قد لا يلومها عليها أحد ذو شأن، في ظل تمتعها بدعم يكاد يكون مطلقاً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونسجها تحالفاتٍ شبه معلنة مع أركان النظام الرسمي العربي الذي تحوّل أخيراً، على يد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وغيرهما، من عمق استراتيجي مفترض، إلى طوق جغرافي وسياسي واقعي، يسهم في خنق الفلسطينيين، لإجبارهم على الاستسلام لشروط التسوية المسمّاة صفقة القرن.
من حق المعذبين بالثكل وبالحصار وبالتجويع في قطاع غزة أن يعرفوا من أطلق الصاروخ على تل أبيب، ولماذا المخاطرة بإشعال حرب جديدة، فربما يعذرون المقاومة إن اتضحت أمامهم نتائج ما تسمى مفاوضات التهدئة التي يرعاها نظام السيسي، مثلاً، أو فحوى الحلقات المقبلة من صفقة القرن، وهم سيفتدون بندقيتها، في كل الأحوال، بحبّات العيون، طالما أنها موجهة إلى المحتلين. هي هنا ليست أسيراً يشهر كرامته في سجن النقب، أو ثائراً مفعماً بالأمل، في شوارع سلفيت، بل قوة لها حساباتها السياسية، وما يجوز في معايير سلوك الأفراد قد لا يجوز في رسم مصير الشعب، خصوصا في زمنٍ بلغت فيه المؤامرة على فلسطين حداً من الخطر غير مسبوق، وبات معه بقاء الناس على أرضهم ذروة سنام المقاومة، وتشريدهم عنها أقصى أماني الغزاة.
ولو كانت خلاصة التجربة البشرية تقول شيئاً آخر سوى ما سبق، لكان العبيد الضعفاء ظلوا، إلى يومنا هذا، يرزحون في قيود السادة الأقوياء، فيُباعون ويُشترون، في أسواق النخاسة، مثل الدواب، ولكانت الشعوب الصغيرة والكبيرة، في أفريقيا وآسيا، تواصل خضوعها، أبداً، للإمبراطوريات التي تفاخرت يوماً بأن الشمس لا تغرب عن أرضها، ولكان الفلسطينيون أقعوا، في نهاية المطاف، يائسين، وما تجرّأ أسير منهم، في سجن النقب، على طعن سجّانيه بسكين صغيرة، أين هي من أسلحتهم النارية، ومن قدرتهم على الرد، بحملة تنكيل وحشية، أعقبت إقدامه على ما أقدم عليه، وخلفت عشرات المصابين بين رفاقه البالغ عددهم ألفاً وثلاثمائة.
سؤال الأرباح والخسائر، بمعناها المباشر، لن يقود، في مثل هذه الحال، إلا إلى جوابٍ يصنف فعل تمرّد السجين على السجان، أو الضعيف على القوي، في خانة الحماقات غير المحسوبة، لكن الثوار كان لهم دوماً، وعلى مدى التاريخ، طريقة مختلفة في الحساب، يعجز عن فهمها اليائسون، لأنها مدجّجة بفائض الأمل في أن يؤدي تراكم الانتصارات الصغيرة إلى صنع الانتصار الكبير، كما أنها تتغذّى من رصيد إحساس بالكرامة، تتضاءل أمامه معاني العيش في غيابها.
وإن أنت مددت سؤال الأرباح والخسائر على استقامته، من سجن النقب إلى قطاع غزة، أو من واقعة المواجهة الفردية إلى تجربة المواجهة العسكرية، ستتباين الأجوبة، كذلك، تبعاً للحسابات والمعتقدات، لكن مع تغليب الأولى، في النقاش العام، على الثانية، هذه المرّة، بسبب تفاعلات ما حدث، وآثاره المحتملة، على حياة مليوني فلسطيني، يعانون أصلاً، من ويلات حصارٍ مستمر، وحروب، لا تتوقف إلا لتندلع مجدداً، منذ اثنتي عشرة سنة.
وبصراحة أكبر، كان البحث عن الحكمة من إطلاق صاروخٍ مدمر على منزلٍ قرب تل أبيب، وما زال، يشغل كل القلقين من احتمال رد إسرائيل بعملية عسكرية واسعة، أو بحربٍ، قد لا يلومها عليها أحد ذو شأن، في ظل تمتعها بدعم يكاد يكون مطلقاً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونسجها تحالفاتٍ شبه معلنة مع أركان النظام الرسمي العربي الذي تحوّل أخيراً، على يد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وغيرهما، من عمق استراتيجي مفترض، إلى طوق جغرافي وسياسي واقعي، يسهم في خنق الفلسطينيين، لإجبارهم على الاستسلام لشروط التسوية المسمّاة صفقة القرن.
من حق المعذبين بالثكل وبالحصار وبالتجويع في قطاع غزة أن يعرفوا من أطلق الصاروخ على تل أبيب، ولماذا المخاطرة بإشعال حرب جديدة، فربما يعذرون المقاومة إن اتضحت أمامهم نتائج ما تسمى مفاوضات التهدئة التي يرعاها نظام السيسي، مثلاً، أو فحوى الحلقات المقبلة من صفقة القرن، وهم سيفتدون بندقيتها، في كل الأحوال، بحبّات العيون، طالما أنها موجهة إلى المحتلين. هي هنا ليست أسيراً يشهر كرامته في سجن النقب، أو ثائراً مفعماً بالأمل، في شوارع سلفيت، بل قوة لها حساباتها السياسية، وما يجوز في معايير سلوك الأفراد قد لا يجوز في رسم مصير الشعب، خصوصا في زمنٍ بلغت فيه المؤامرة على فلسطين حداً من الخطر غير مسبوق، وبات معه بقاء الناس على أرضهم ذروة سنام المقاومة، وتشريدهم عنها أقصى أماني الغزاة.