حين كانت تلميذة، كانت تلوم أمها دائماً لأنها أنجبتها في عطلة الربيع. كانت تغار من زملائها الذين يحتفلون بعيد ميلادهم في المدرسة. يطفئون الشموع محاطين برفاقهم وأساتذتهم، يلتقطون الصور ويحصلون على الهدايا. أما هي، فلا. حاولت مراراً أن تدعو رفاقها للاحتفال بعيدها في البيت. فشلت بسبب انعدام وسائل التواصل الاجتماعي في حينها. حتى الهاتف الأرضي كان معطلاً أو غير متوفر في معظم الأحيان.
كبرت الفتاة. تخرّجت من المدرسة ثم الجامعة. احتفلت بعيد ميلادها في السنوات التي تلت كما يحلو لها، في البيت، في المطعم، في المقهى. انتقمت من "عطلة الربيع"، شر انتقام. كان يفرحها أن يفاجئها أحدهم بزيارة ليعايدها في هذه المناسبة الخاصة. تؤثر فيها اللفتات التي تنمّ عن حبٍ حقيقي وغير متكلّف. سنة بعد سنة، خفتت هذه العادات الإنسانية الجميلة، ثم ما لبثت أن اندثرت. استُبدِلت الزيارة باتصال هاتفي. ساءها الأمر وأعاد ِإليها طعم "عطلة الربيع" المر. لم تعمّر طويلاً موضة الاتصالات الهاتفية، وسرعان ما حلّت مكانها الرسائل القصيرة الباردة. زاد طعم المرارة تحت لسانها. صارت تترحّم على زمن الاتصال الهاتفي.
سقطت الرسائل القصيرة الخاصة تحت سطوة تطبيق الـ"واتس آب". شعرت بطعم العلقم في فمها. فكّرت أن الرسالة الخاصة تحمل بعض الخصوصية والتقدير للمحتفى به. رغبت أن يمتلئ هاتفها بالرسائل القصيرة، أن يفيض عن سعته المحدودة. لم تعد تطمح بتلقي اتصال هاتفي. الزيارة المفاجئة رومانسية مفرطة. كانت متطلّبة في حينها، والناس منشغلون وغارقون في همومهم. لا وقت لديهم لتلبية رغبات طفولية.
ظنت أن المعايدة بواسطة "واتس آب" هي أسوأ ما قد يحصل لها. "واتس آب" مجاني، شائع، نستخدمه لتبادل الطرائف، الصور، والثرثرة. إنه مجرد وسيلة لتلبية حاجات مادية محدودة. كيف يُمكن لهذه الوسيلة أن تنقل حرارة المشاعر ودفئها؟
لم تصدّق عينيها حين رأت صفحتها على "فيسبوك" وقد غرقت تحت وابل من المعايدات والزهور الافتراضية وقوالب الحلوى والشموع التي كانت تحلم أن تطفئها مع رفاق صفها في ربيع عمرها، وكان الربيع يحطم لها كل آمالها وأحلامها. لطيفةٌ معايدةُ مَن لا نعرفهم، جميلةٌ هذه اللفتة الإنسانية في العالم الافتراضي. ولكن ماذا عن الآخرين، الأصدقاء الواقعيين، ماذا يفعلون مع هؤلاء؟ لماذا زهورهم ليست حقيقية؟
كاد رأسها أن يرتطم بشاشة الكومبيوتر في محاولتها لإطفاء شمعة تتوسّط قالب حلوى افتراضي حين تراجعت مذعورة إلى الخلف. تحوّلت كل الورود والشموع والأمنيات بعمر مديد إلى أكاليل وزهر وقصائد رثاء في جنازتها التي كانت تسير فيها وحيدة.
كبرت الفتاة. تخرّجت من المدرسة ثم الجامعة. احتفلت بعيد ميلادها في السنوات التي تلت كما يحلو لها، في البيت، في المطعم، في المقهى. انتقمت من "عطلة الربيع"، شر انتقام. كان يفرحها أن يفاجئها أحدهم بزيارة ليعايدها في هذه المناسبة الخاصة. تؤثر فيها اللفتات التي تنمّ عن حبٍ حقيقي وغير متكلّف. سنة بعد سنة، خفتت هذه العادات الإنسانية الجميلة، ثم ما لبثت أن اندثرت. استُبدِلت الزيارة باتصال هاتفي. ساءها الأمر وأعاد ِإليها طعم "عطلة الربيع" المر. لم تعمّر طويلاً موضة الاتصالات الهاتفية، وسرعان ما حلّت مكانها الرسائل القصيرة الباردة. زاد طعم المرارة تحت لسانها. صارت تترحّم على زمن الاتصال الهاتفي.
سقطت الرسائل القصيرة الخاصة تحت سطوة تطبيق الـ"واتس آب". شعرت بطعم العلقم في فمها. فكّرت أن الرسالة الخاصة تحمل بعض الخصوصية والتقدير للمحتفى به. رغبت أن يمتلئ هاتفها بالرسائل القصيرة، أن يفيض عن سعته المحدودة. لم تعد تطمح بتلقي اتصال هاتفي. الزيارة المفاجئة رومانسية مفرطة. كانت متطلّبة في حينها، والناس منشغلون وغارقون في همومهم. لا وقت لديهم لتلبية رغبات طفولية.
ظنت أن المعايدة بواسطة "واتس آب" هي أسوأ ما قد يحصل لها. "واتس آب" مجاني، شائع، نستخدمه لتبادل الطرائف، الصور، والثرثرة. إنه مجرد وسيلة لتلبية حاجات مادية محدودة. كيف يُمكن لهذه الوسيلة أن تنقل حرارة المشاعر ودفئها؟
لم تصدّق عينيها حين رأت صفحتها على "فيسبوك" وقد غرقت تحت وابل من المعايدات والزهور الافتراضية وقوالب الحلوى والشموع التي كانت تحلم أن تطفئها مع رفاق صفها في ربيع عمرها، وكان الربيع يحطم لها كل آمالها وأحلامها. لطيفةٌ معايدةُ مَن لا نعرفهم، جميلةٌ هذه اللفتة الإنسانية في العالم الافتراضي. ولكن ماذا عن الآخرين، الأصدقاء الواقعيين، ماذا يفعلون مع هؤلاء؟ لماذا زهورهم ليست حقيقية؟
كاد رأسها أن يرتطم بشاشة الكومبيوتر في محاولتها لإطفاء شمعة تتوسّط قالب حلوى افتراضي حين تراجعت مذعورة إلى الخلف. تحوّلت كل الورود والشموع والأمنيات بعمر مديد إلى أكاليل وزهر وقصائد رثاء في جنازتها التي كانت تسير فيها وحيدة.