31 أكتوبر 2014
حينما تكون الشرطة المصرية ضحية الشعب
ليس للعنوان أعلاه علاقة بالسطور التالية، فالمقصود، بطبيعة الحال والواقع، هو مفهوم المخالفة. ففي زمن من الأزمان كان شعار الحاكم لتصرفات وزارة الداخلية المصرية في تعاملها مع المواطنين، "الشرطة في خدمة الشعب". ولكن، لأن الشرطة أصبحت ضحية الشعب المصري، حلّ شعار الشعب في خدمة الشرطة، أو بمعنى آخر لا بد أن يُضحي الشعب من أجل الشرطة!
والحقيقة أن سلطة الشرطة وتحكُّمها في رقاب الشعب فاقا كل شيء، والتاريخ المزري للانتهاكات الصارخة في حقوق المصريين واضحة للعيان، وجديدها إطلاق أمين شرطة النار على سائق، حاول أن يسبقه في المرور، ما أدى إلى مقتله. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى تحكُّم أمناء الشرطة وسيطرتهم بتجبّر على مصالح الناس، من دون رقيب أو محاسب، وإذا أُدينوا يخرج علينا القضاء الشامخ، ليخلي سبيلهم من دون كفالة أو عتَبْ. فالقضية تتمحور في عبارة "نحن أسياد البلد"، وهي جملة قالها أحد أمناء الشرطة، وهو يضع قدمه فوق رقبة طبيب في مستشفى المطرية في أثناء التعدي عليه، هو ومجموعة من زملائه، وفق روايةٍ سردها الطبيبان صاحبا الواقعة التي تحوّلت إلى قضية رأي عام في مصر.
ويقول الواقع إن مشكلة أمناء الشرطة ليست قاصرة على التعامل الذي حدث مع الأطباء، بل يمكن تسميتها تجاوزاً بـ "دولة أمناء الشرطة"، فلم تكن قسوتهم على الأطباء سوى نموذج لممارساتٍ تمارس على مدار الساعة من تلك الفئة على أفراد الشعب المصري. ويبدو أن دولة أمناء الشرطة قد فلت عقالها، ولم يعد أحد قادراً على ردعها، فعلى الرغم من الاحتجاجات والبلاغات المتكررة ضد ممارساتهم، لا يزالون يمارسون الأساليب نفسها، والتغطرس نفسه مع أفراد الشعب والأهالي، تارّة بالتحرش وأخرى بالضرب وثالثة بالسب، من دون أي تحرك من وزيرهم أو رئيس حكومة الانقلاب، أو أي أحد آخر، بل وصل الأمر إلى حمايتهم، وتبرير أفعالهم. والدليل تواصل مسلسل انتهاكات "الداخلية"، على الرغم من الأزمة بعد اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمي، إلى أربعة اعتداءات جديدة للأمناء، طاولت طبيباً وممرضة وغفيراً وسيدة وعاملين في مستشفى في محافظة البحيرة. فقد اعتدوا، يوم 16 فبراير/ شباط الجاري، بالضرب والسب، بسبب رفض العاملين صعودهما إلى الأدوار العليا في المستشفى لزيارة مريض، إلا بعد دفع قيمة التذكرة المقرّرة التي أصر أمينا الشرطة على عدم دفعها.
وقد تخطت الانتهاكات التي تمارس في دولة الجنرال السيسي كل معايير حقوق الإنسان، بل حتى حقوق الحيوان، حتى قال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن الدولة البوليسية في عهد عبد الفتاح السيسي تخطت ما كانت عليه إبّان حكم جمال عبد الناصر وحسني مبارك. وتحت عنوان "زيارة رئيس دولة البوليس"، كتب أنتون كروغر في صحيفة ألمانية، في أثناء زيارة السيسي ألمانيا، إن الأخير "لم ينجح في تحقيق استقرار يذكر لبلاده، وكل ما نجح فيه، هو ونظامه، هو نزع الحرية السياسية لمعظم المصريين الذين ناضلوا للوصول إليها بإسقاط الفرعون حسني مبارك".
ما نشهده اليوم في مصر تحت قيادة الجنرال السيسي إعادة نموذج جديد من "الدولة البوليسية"، يختلف عن نموذج الدولة البوليسية التي جسدها عبد الناصر، أو غيره من حكام المنطقة، في سطوتهم وقبضتهم الأمنية على شعوبهم، بل تعدّى الأمر كل معايير حقوق الإنسان، فالدولة البوليسية التي يُعاد إنتاجها اليوم تُحكم بالحديد والنار من دون هوادة، من خلال أجهزة الضبط والتحكم التي تخترق الدولة والمجتمع والقوانين والقيم والدين والفكر. إنها مثل سرطانٍ يتمدّد في الخفاء، ويتحكم في كامل الجسد حتى يشله.
لا يمكن أن يكون هناك، كما ادعى الجنرال السيسي في خطابه أمام برلمانه، ما أسماها دولة مدنية حديثة، يُهان فيها المواطن وتُنتهك حرماته، بالحجة الوهمية المسماة محاربة الإرهاب.
(كاتب مصري)
والحقيقة أن سلطة الشرطة وتحكُّمها في رقاب الشعب فاقا كل شيء، والتاريخ المزري للانتهاكات الصارخة في حقوق المصريين واضحة للعيان، وجديدها إطلاق أمين شرطة النار على سائق، حاول أن يسبقه في المرور، ما أدى إلى مقتله. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى تحكُّم أمناء الشرطة وسيطرتهم بتجبّر على مصالح الناس، من دون رقيب أو محاسب، وإذا أُدينوا يخرج علينا القضاء الشامخ، ليخلي سبيلهم من دون كفالة أو عتَبْ. فالقضية تتمحور في عبارة "نحن أسياد البلد"، وهي جملة قالها أحد أمناء الشرطة، وهو يضع قدمه فوق رقبة طبيب في مستشفى المطرية في أثناء التعدي عليه، هو ومجموعة من زملائه، وفق روايةٍ سردها الطبيبان صاحبا الواقعة التي تحوّلت إلى قضية رأي عام في مصر.
ويقول الواقع إن مشكلة أمناء الشرطة ليست قاصرة على التعامل الذي حدث مع الأطباء، بل يمكن تسميتها تجاوزاً بـ "دولة أمناء الشرطة"، فلم تكن قسوتهم على الأطباء سوى نموذج لممارساتٍ تمارس على مدار الساعة من تلك الفئة على أفراد الشعب المصري. ويبدو أن دولة أمناء الشرطة قد فلت عقالها، ولم يعد أحد قادراً على ردعها، فعلى الرغم من الاحتجاجات والبلاغات المتكررة ضد ممارساتهم، لا يزالون يمارسون الأساليب نفسها، والتغطرس نفسه مع أفراد الشعب والأهالي، تارّة بالتحرش وأخرى بالضرب وثالثة بالسب، من دون أي تحرك من وزيرهم أو رئيس حكومة الانقلاب، أو أي أحد آخر، بل وصل الأمر إلى حمايتهم، وتبرير أفعالهم. والدليل تواصل مسلسل انتهاكات "الداخلية"، على الرغم من الأزمة بعد اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمي، إلى أربعة اعتداءات جديدة للأمناء، طاولت طبيباً وممرضة وغفيراً وسيدة وعاملين في مستشفى في محافظة البحيرة. فقد اعتدوا، يوم 16 فبراير/ شباط الجاري، بالضرب والسب، بسبب رفض العاملين صعودهما إلى الأدوار العليا في المستشفى لزيارة مريض، إلا بعد دفع قيمة التذكرة المقرّرة التي أصر أمينا الشرطة على عدم دفعها.
وقد تخطت الانتهاكات التي تمارس في دولة الجنرال السيسي كل معايير حقوق الإنسان، بل حتى حقوق الحيوان، حتى قال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن الدولة البوليسية في عهد عبد الفتاح السيسي تخطت ما كانت عليه إبّان حكم جمال عبد الناصر وحسني مبارك. وتحت عنوان "زيارة رئيس دولة البوليس"، كتب أنتون كروغر في صحيفة ألمانية، في أثناء زيارة السيسي ألمانيا، إن الأخير "لم ينجح في تحقيق استقرار يذكر لبلاده، وكل ما نجح فيه، هو ونظامه، هو نزع الحرية السياسية لمعظم المصريين الذين ناضلوا للوصول إليها بإسقاط الفرعون حسني مبارك".
ما نشهده اليوم في مصر تحت قيادة الجنرال السيسي إعادة نموذج جديد من "الدولة البوليسية"، يختلف عن نموذج الدولة البوليسية التي جسدها عبد الناصر، أو غيره من حكام المنطقة، في سطوتهم وقبضتهم الأمنية على شعوبهم، بل تعدّى الأمر كل معايير حقوق الإنسان، فالدولة البوليسية التي يُعاد إنتاجها اليوم تُحكم بالحديد والنار من دون هوادة، من خلال أجهزة الضبط والتحكم التي تخترق الدولة والمجتمع والقوانين والقيم والدين والفكر. إنها مثل سرطانٍ يتمدّد في الخفاء، ويتحكم في كامل الجسد حتى يشله.
لا يمكن أن يكون هناك، كما ادعى الجنرال السيسي في خطابه أمام برلمانه، ما أسماها دولة مدنية حديثة، يُهان فيها المواطن وتُنتهك حرماته، بالحجة الوهمية المسماة محاربة الإرهاب.
(كاتب مصري)