حنين مصري لا يقاوم يقتله النظام

04 أكتوبر 2015
لاجئون عرب في كوبنهاغن(Getty)
+ الخط -
في نهر الوهم والخيال يسبح المهاجر المصري ضد التيار في الواقع الغربي، أو يسحق ويذوب فلا تجد له نكهة أو مذاق الشرق العربي، الحلم كبير في بداية مشوار الغربة والشباب وعنفوانه يرسم لهم الآمال مزخرفة بألوان الطيف من علم ومعرفة ومال وحياة صاخبة وجمال في الوجوه والخضرة في الشجر، وسهولة العيش في المأكل والسكن وهدوء بحيرة تلفها الخضرة من كل جانب.
هو النعيم إذاً الذي يكتمل بشريكة للحياة وبناء بيت وأسرة زوجة وأولاد وتمضي الأيام تعمل وتجد وتتقن مفاصل اللغة التي بها يتسع فهمك لمحيطك من الناس والحياة وسؤال يدور ويلح من أنا وإلى أين المسير وما الهدف من حياة بعيد فيها أنا عن الأهل والوطن والذكريات وجذوري من عادات وتقاليد ولغة ودين وحب ورومانسية لغتنا من شريك يجيد كل هذا بدون تكلف أو تمثيل ليس ترف بل معاناة نفسية شديدة الإيلام. أن تجد أطفالك الغربة تسرقهم منك وصراع شديد بينك وبين شريكة حياتك في دينك وعقيدتك التي على أساسها يتم تربية أطفال.
قصتي مثل كل الحكايات... مصري، عربي، في ظلال بلدي كنت أتفيأ حبا وحنية ناي الفلاح تذكرني بأشواق الأرض إلى يدين يحمسها صوت محمد وسويلم يقلبانها لتتنفس حياة... مثل حكاية سعيد على شط إسكندرية يناجي ربه، ويلهث في أفق السماء عل في الشط بعض إنسان، لا ينكسر ظله على أمواج تمد لسانها ساخرة منه...
خرجت من مصر باحثاً عن العدل فوجدت العدل كله في ديني فاصطدمت مع زخرف الدنيا في الغرب "اللاديني"، وتعجبت مصر أم الأزهر والعلماء وآلاف المآذن مصر الغنية بشعبها الذي تجاوز التسعين مليونا ونيل يشقها من جنوبها إلى شمالها وبحران الأحمر والأبيض وخزائن الأرض في بطنها يصل الحال بشبابها أن يهاجر من أرضها إلى المجهول بحثاً عن لقمة العيش وعن عدل نفتقده من بني وطني، تسلطت شريحة منه على الشعب تنهش قوت يومه وتسخره كالعبيد يذبح من يعارضهم أو يرمي بهم في غياهب السجون. كم بلاد بنينا وظهرنا المقوس يشهد كهولة قهر على بلدك يلفظ بشره كالسمك يعاند التيار في دورة الحياة... آه يا بلد... لو تدرين ما تفعلين بقومك من شباب يحاصره كل القهر، والارتحال حصارا للذاكرة. يغالبني الزمن يمر كالسهم، كيف للناس أوطان تخاف عليهم ونحن يسرقنا الخوف دهرا على أوطاننا... يا مصر التي يكسرون ناسها لا تكسري لحن حياتنا... ولا تقايضي على إنسانك وابنك في زيف الحكايات.
في الوطن غربة... وفي الغربة نحنو على وطن كأم تركناها مع قلوبنا في حجرها تقلب حبنا من أوله إلى آخره...
يقولون لك: لا نريد أن نصبح كهذه وتلك من بلاد العرب... لكننا ملايين نسعى وراء الحدود منذ عقود عن كل ما تقدم وتأخر من مخارج كرامة لا عبودية فيها... وكم من الشباب غامر بالسفر إلى أوربا بعد أن باع أهاليهم ما يملكون لكي يتسللوا إلى شواطئ أوروبا يسمون "مهاجرون غير شرعيين" معرضين أنفسهم للموت في سفن غير آمنة، وكم منهم من قضى نحبه غرقاً وكم منهم يعيش مهددا بدون أوراق إقامة قانونية غامروا من أجل الأمن والكرامة ولقمة العيش لم يجدوا ما يصبوا إليه شبابهم، فارتحلوا من قهر وخوف وتسلط إلى أمل ورجاء في أمن وأمان جديدنا في الغربة مثله مثل السابقون يحلمون بالعودة يوم ما لجذورهم في الوطن وأهليهم وأجمل الذكريات لحبيب أو حبيبة للتقاليد الشرقية والعادات المصرية لسماع الأذان والصلاة جماعة في المساجد والسلام على الصحبة والخلان وما أدراك ما الغربة للمصري قبور للأحياء ومع ذلك يلتفت يمين ويلتفت يسار مصوراً كل جديد يراه ومعجب به فيوم ما سوف يعمل مثله في مصر.
سر عجيب، مصر تجري في عروقنا رغم قسوة حكامها تعيش فينا وتحيا ورغم كل الجمال في العالم هي الحبيبة.

فبرغم الانقسام الظاهر في داخل مصر والذي لم يكن من سمات المجتمع رغم انقسامه الواقعي أسياد وعبيد والذي ارتحل معنا إلى أرض الغربة إلا أن الكل يأمل أن يعود الوئام إلى النسيج المجتمعي مرة أخرى أن لا نخاصم بَعضُنَا بعضاً مثلما نحن الآن مع الشرعية وضد العسكر، أو مع العسكر وضد الإسلاميين، فلن يستطيع فريق الانقلاب أن ينهي شعبا رفع الراية ضد تبعية الصهاينة والأميركان.