بعد وقتٍ قليل للغاية على وفاته، يُعلن مهرجان سينمائي مصري تكريمه في دورته المقبلة. الراحل غير معنيّ مباشرة بالسينما، لكن 5 أفلامٍ مقتبسة من 5 روايات له، منها واحدة ستُقتبس للتلفزيون أيضًا إلى روايتين أخريين. الراحل روائيّ فاعل ومؤثّر في المشهد الأدبي السوري والعربي. مهموم بالفقراء والمهمّشين. مشغول بأحوال صيّادين وعمّال وكادحين. واضح في موقفه الإنساني إزاءهم، كما في مصداقية كتاباته الأدبية عنهم ولهم. هذا مُسلَّم به. لكن اختياره السريع للتكريم في مهرجانٍ سينمائي يطرح سؤال المعنى الفعلي للتكريم في مهرجانات عربية تتخبّط في عشوائية برامجها، واستسهال عملها في جوانب كثيرة منه.
في 21 أغسطس/ آب 2018، يُعلَن عن وفاة الكاتب السوري حنا مينة (مواليد اللاذقية، 9 مارس/ آذار 1924). في اليوم التالي، يُقرِّر "مهرجان الإسكندرية السينمائيّ لدول البحر المتوسّط" تكريمه في دورته الـ34 (3 ـ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2018). هناك فيلمٌ وثائقي مُنجز عنه في دمشق، قبل أشهرٍ قليلة على رحيله، سيُعرض في المناسبة الإسكندرانية. وهناك ندوة تتناول، في شقٍ أساسيّ منها، دوره في السينما السورية. التسرّع في برمجة تكريمه يدعو إلى نقاشٍ يتناول "ثقافة التكريم" في مهرجانات سينمائية عربية مختلفة. فالسؤال الأبرز كامنٌ في التأثير العملي والفكري والبصري للروايات الـ5 تلك في النتاج السينمائي وحركة "الإبداع" الفني والثقافي في سورية.
صحيح أن سينمائيين يُشهَد لهم يقتبسون الروايات تلك، وصحيح أن أفلامًا مقتبسة عن رواياته تعكس تنبّهًا واعيًا لجماليات المفردات وسلاسة التعبير والانفتاح العميق للنص المكتوب على أحوال أناسٍ وحكاياتهم، ما يُسهِّل فعل الاقتباس السينمائي، المُضاف إليه حيوية المتخيّل لدى بعض المخرجين، أمثال نبيل المالح ("بقايا صُوَر"، 1979) وغسان شميط ("الشراع والعاصفة"، 2010) مثلاً. لكن هذا غير كافٍ للقول إن لحنا مينه تأثيرًا على صناعة السينما، في حين أن الندوة المذكورة، بالأسماء المُعلن عنها للمشاركة فيها، ستبقى مجرّد انعكاسٍ لكلامٍ مُكرَّر عن الكاتب ورواياته والاقتباسات السينمائية والتلفزيونية، على نقيض مضمون وصيّته، المُطالِب فيها بعدم قول شيء عنه بعد رحيله، فكلّ كلام عنه يعرفه إذْ يسمعه مرارًا وكثيرًا في حياته الطويلة.
ندوة عن "أثر الراحل في الثقافة السورية" تُقام في مهرجان سينمائي؟ ندوة عن "دور الراحل في نقل الأدب المكتوب إلى شاشة السينما"؟ العنوان الأول غريبٌ عن المهرجان. العنوان الثاني غريبٌ عن الأديب، إذْ إن المخرجين أنفسهم هم من يؤدّون دورًا بارزًا في نقل المكتوب إلى الشاشة الكبيرة.
الوثائقي الجديد بعنوان "الريّس" لنضال قوشحة تُنتجه "المؤسّسة العامة للسينما" في دمشق مؤخّرًا. هذا حسنٌ. أما المُشاركون في الندوة، فيكفي سرد أسمائهم للتأكّد من الفراغ المدوّي للندوة ومضمونها: مراد شاهين (مدير عام المؤسّسة) ودريد لحام وسلمى المصري وباسل الخطيب، بالإضافة إلى مخرج "الريس".
أما الأفلام الأخرى المُقتَبَسة عن رواياته، فهي: "اليازرلي" (1974) لقيس الزبيدي، و"الشمس في يوم غائم" (1985) و"آه يا بحر" (1993) عن رواية "الدقل"، والاثنان لمحمد شاهين.