حملة أنقرة على داعش غير مرئية بعد

01 اغسطس 2015
+ الخط -
لأسباب ودواعٍ عديدة، تركيا مدعوة إلى إثبات نجاعتها في مكافحة تنظيم داعش. السبب الأول، ويتقدم على غيره، أن أنقرة دخلت متأخرة في الحملة الإقليمية/ الدولية على هذا التنظيم الإرهابي. أجل، كانت هناك لدى أنقرة مبرراتها الخاصة لعدم المشاركة في تلك الحملة، منها ما يتعلق بالموقف من نظام دمشق، ومنها ما يتصل بالموقف من الحركة الكردية في سورية، ومنها عدم التفاهم مع واشنطن، غير أن الظروف تغيرت الآن مع استفحال خطر هذا التنظيم وامتداده إلى الداخل التركي، ومع التفاهم التركي الأميركي، بما يُملي على أنقرة تدارك ما فات من جهد لم يبذل في التصدي لأحد أشرس التنظيمات الإرهابية وأسوأها في المنطقة وفي العالم. 

السبب الثاني الذي يملي أداءً تركياً ناجعا ضد التنظيم أن الجهد التركي الجديد، وإن كان يتم بالتنسيق مع واشنطن، فإنه يجري خارج إطار التحالف الإقليمي والدولي الذي يشن حملته الجوية على التنظيم في سورية، منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وما دامت أنقرة قد لجأت إلى هذا الخيار الانفرادي، إلى إدارة معركتها الخاصة ضد داعش، فهذا يُحتّم على أنقرة البرهنة على سلامة هذا الخيار، عبر أداء ناجع وملموس ضد هذا التنظيم.
الأسبوع الأول للحملة التركية طغت عليه أخبار استهداف مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. ومن اللافت أنه بينما احتجت حكومة حيدر العبادي في العراق على هذه الحملة، فإن الملا مسعود البرزاني انتقد حزب العمال الكردستاني، ونعت قيادته بالغرور. إذا بقيت الأمور على هذا المنوال، فإن أحدا لن يملك تخطئة القائلين إن إعلان حملة تركية على داعش وحزب العمال، ما هو إلا تغطية للهدف الأساس، وهو حزب العمال الكردستاني. في هذا الصدد، قال رئيس الحكومة، داود أوغلو، إن أكراد سورية غير مستهدفين في الحملة. حسناً. ولكن، لماذا الأخبار شحيحة جداً عن استهداف داعش في سورية. هل ثمة خطأ في أداء الناطقين العسكريين الذين لا يلقون أضواء كافية على العمليات ضد داعش، أم أن هذه العمليات محدودة حتى الآن؟ وما الذي يجعل العمليات ضد حزب العمال أوضح وأكبر وأكثف؟ أجل، ما زالت الحملة في بدايتها، بيد أنه كان من المؤمل والمنتظر أن تطغى الحملة على داعش على ما عداها، لأن المنطقة والعالم ينتظر بالفعل بفارغ الصبر جُهدا تركياً لاستئصال شأفة هذا التنظيم الإرهابي، العابر للحدود.

السبب أو العامل الثالث الذي يجعل سقف الترقب عالياً إزاء الأداء التركي، أن تركيا من أكثر الأطراف معرفة بتموضع عناصر داعش وأساليب نشاط التنظيم وتحركاته. وذلك ضمن معرفتها العامة بمكونات الفصائل المعارضة، والتواصل مع عديد منها، كما بتمركز قوات النظام السوري وأساليب عملها. وذلك بسبب الجوار الجغرافي، والاحتكاك التركي اليومي بالأزمة السورية منذ بداياتها، واستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيها، وليس بعيداً عن الحدود مع وطنهم الأم.
السبب الرابع أن تركيا تتحمل مسؤولية معنوية غير مباشرة، كون جزء من عناصر داعش قد تسرب إلى الداخل السوري من الحدود التركية، يعزز ذلك ما أعلنته أنقرة، في الأسبوع الماضي، وبالتزامن مع بدء الحملة، عن اعتقال السلطات التركية مئات من خلايا نائمة لداعش داخل اراضيها، إلى جانب عناصر لحزب العمال.
الآن، وقد تم التفاهم مع واشنطن، وبعد الدعم السياسي الذي تلقته أنقرة من حلف الأطلسي الذي اجتمع أركانه في بروكسل، بدعوة من أنقرة العضو في الحلف، فإن التداعيات المنطقية لهذه التطورات هي أن تخوض أنقرة، بما تملكه من قدرات عسكرية متطورة، حملة ناجعة غير برية ضد داعش، بما يسهم إسهاما وازناً في وضع حد لخطر هذا التنظيم البربري، وينزع أحد عوامل التعقيد عن الأزمة السورية، ويطمئن تركيا وبقية دول الإقليم على أنه يمكن إلحاق هزيمة بهذا التنظيم، والتفرغ لمعالجة مشكلات أخرى.
هذه أسباب ودواعٍ رئيسية تجعل الأنظار تتجه إلى أنقرة، لتعاين أداءها الخاص ضد داعش. وهو ما لم تتضح معالمه في الأسبوع الأول للحملة. وإذا كانت أنقرة قد انشغلت، في الأثناء، بمتابعة مباحثات مع واشنطن حول منطقة فاصلة داخل الحدود مع سورية، وحققت في ذلك بعض التقدم، كما ينبىء تصريح لأوغلو، فلا ريب في الأثناء أن أداءً تُركيّاً ناجعاً ضد داعش أينما وجد، من شأنه أن يُحسّن فرص إقامة منطقة حدودية خالية من هذا التنظيم. وعليه، لا تملك تركيا ترف خوض مواجهة روتينية ومحدودة ضد داعش، كما هو حال بعض الدول المشاركة في التحالف، والتي لا حدود لها مع سورية، ولا تستشعر خطر هذا التنظيم على أراضيها.
أما تشديد الحملة على حزب العمال في العراق، وتوسيع نطاقها، ضمن الحملة المزدوجة، فالواضح انه يسلب الوهج من الحملة على داعش، ويثير ارتدادات قوية في صفوف الكتلة الكردية في الداخل التركي. ولئن كانت أنقرة قد أخذت ضوءاً أخضر من واشنطن التي جددت تصنيف حزب العمال تنظيماً إرهابياً، فإن ذلك غير كاف لإدارة حملة فعالة. فبينما استهداف الأكراد في شمال العراق يثير انقسامات، فإن تشديد الحملة على داعش، في هذه الآونة، يفضي إلى نتائج معاكسة وأفضل على الداخل التركي، حيث غالبية الأطراف والقوى تلتقي على أهمية استهداف داعش وأولويته. هذا بطبيعة الحال من دون التقليل من أهمية المشكلة الكردية وحساسيتها، ومن استعداد حزب العمال الدائم لامتشاق السلاح، واستخدامه في الداخل التركي، على الرغم من أن الكتلة الكردية تتمتع بتمثيل سياسي وبرلماني لها (حزب الشعوب الديمقراطية)، بما ينزع مسوغات استخدام العنف، وهو ما عبّر عن شيء منه الملا البرازاني، غير أن الإقرار بذلك لا يطمس الأهمية القصوى لمكافحة داعش، وحيث لعامل الوقت حساسيته الخاصة.
رأى كثيرون، عن حق، أن الحملة التركية تضيف جديداُ للتموضعات في المنطقة، وتثبت أن تركيا لاعب أساس في الإقليم، ويحتفظ بدرجة معقولة من الاستقلالية عن واشنطن، على الرغم من العضوية في حلف الناتو. ومن الملاحظ أن أنقرة حظيت بدعم سياسي خاص لمكافحة الإرهاب من بكين التي زارها، أخيراً، الرئيس رجب طيب أردوغان، وعليه، ما زال الترقب قائما بلهفة لمعاينة حملة تركية نشطة وذات نتائج ملموسة، "تتحدث عن نفسها بنفسها" ضد داعش.