لو تعلّم حمدي قيادة السيارات، لكان وفّر على نفسه عناءً كبيراً كلّ صباح، وأراح معه ألسنة جيرانه، وهم يرصدون محاولاته اليومية للركوب في سيارة أجرة، فلا يوفّق إلاّ بالكاد.
فحمدي، أو البك، وهو اللقب الذي ورثه من العائلة وتثبته هويته اللبنانية، يزن أكثر من 220 كيلوجراما، ومع ذلك لا يتوانى عن الخوض في الحياة العامة، عبر عمله كموظف حكومي في إحدى الدوائر.
"صباح الخير يا أوادم"، يقفل البك باب حديقة بيته الأمامية، ويرفع صوته بالتحية المعتادة في صباح الشارع، فترتد التحية إليه بالجملة.
هكذا يفتتح نهاره، فكأنّه وهو يلوّح بيده بحركة نصف دائرية تشمل الجميع بعطفه، واحد من أجداده المقاطعجيين أيام السلطنة العثمانية، يخرج إلى فلاحيه المتجمهرين، يهتفون له، ويفتدونه بحياتهم!
الشارع ليس ممراً متعارفاً عليه للسيارات، خاصة أنّ مقصد البك يتطلّب من السائق الالتفاف عائداً خارج المنطقة بأكملها. ينتظر وينتظر، ولا يسأل إلاّ حين تعجبه إحدى السيارات القليلة، فيتفق مع سائقها على سعر مضاعف غالباً.
يولي البك عناية كبيرة لهيئته الخمسينية، تضاف إلى هندام الوظيفة الرسمي والذقن الحليق. وتنسحب على أمور أخرى، لا عهد لموظفي الدوائر بها. عناية تثير ردود فعل متباينة بين زملائه. فالبعض يقدّر، وغيره يحسد، وآخر يسخر. أمّا سائقو السيارات وركابها فهم من يهتم دوماً بمظهر البك وكلامه.
يجلس البك في مقعده، فيضيّق على السائق المساحة المخصصة لناقل الحركة. يعدّل قليلاً في ربطة عنقه، ويمسح فوق مشبكها الذهبي. ولا يغفل عن المرور على المنديل الحريري في جيب السترة، المتناسب اللون دائماً مع القميص المزين بأزرار ذهبية في كمّيه وياقته.
لا يلتفت البك إلاّ حين يسمع صوت امرأة نادر يردّ على تحيته. عندها فقط يطوي مردّ الشمس فوقه، وينظر في المرآة وهو يبتسم ويتفحص المقعد الخلفي. فإذا أعجبه ما رأى، أشعل سيجاره، يزاحم بدخانه الثقيل رائحة العطر الثمين، تكبّل أنوف الحاضرين. وبدأ لسانه يشدو أكثر من المعتاد، بأمجاد عائلته. فيعود بالسامعين إلى عهود بائدة، لا يكاد يعرف عنها أحد.
لحمدي بك طريقة فريدة في طرح الأمور، تفرض على الحاضرين الإصغاء جيداً. ولا يصل أحدهم إلى مقصده، إلاّ وقد أعطى البك رقم هاتفه، وعنوان عمله ومنزله، طالباً منه الزيارة.
وبما أنّه لا يحمل هاتفاً، يبادر إلى تسجيل بياناتهم في دفتر ملاحظاته الصغير، ويعدهم، لكنّه لا يتصل بأحد أو يزوره.
وتبقى المسألة بينه وبينهم، مجرّد محطة عابرة على طريق طويل، التقوا فيه بحمدي بك.
فحمدي، أو البك، وهو اللقب الذي ورثه من العائلة وتثبته هويته اللبنانية، يزن أكثر من 220 كيلوجراما، ومع ذلك لا يتوانى عن الخوض في الحياة العامة، عبر عمله كموظف حكومي في إحدى الدوائر.
"صباح الخير يا أوادم"، يقفل البك باب حديقة بيته الأمامية، ويرفع صوته بالتحية المعتادة في صباح الشارع، فترتد التحية إليه بالجملة.
هكذا يفتتح نهاره، فكأنّه وهو يلوّح بيده بحركة نصف دائرية تشمل الجميع بعطفه، واحد من أجداده المقاطعجيين أيام السلطنة العثمانية، يخرج إلى فلاحيه المتجمهرين، يهتفون له، ويفتدونه بحياتهم!
الشارع ليس ممراً متعارفاً عليه للسيارات، خاصة أنّ مقصد البك يتطلّب من السائق الالتفاف عائداً خارج المنطقة بأكملها. ينتظر وينتظر، ولا يسأل إلاّ حين تعجبه إحدى السيارات القليلة، فيتفق مع سائقها على سعر مضاعف غالباً.
يولي البك عناية كبيرة لهيئته الخمسينية، تضاف إلى هندام الوظيفة الرسمي والذقن الحليق. وتنسحب على أمور أخرى، لا عهد لموظفي الدوائر بها. عناية تثير ردود فعل متباينة بين زملائه. فالبعض يقدّر، وغيره يحسد، وآخر يسخر. أمّا سائقو السيارات وركابها فهم من يهتم دوماً بمظهر البك وكلامه.
يجلس البك في مقعده، فيضيّق على السائق المساحة المخصصة لناقل الحركة. يعدّل قليلاً في ربطة عنقه، ويمسح فوق مشبكها الذهبي. ولا يغفل عن المرور على المنديل الحريري في جيب السترة، المتناسب اللون دائماً مع القميص المزين بأزرار ذهبية في كمّيه وياقته.
لا يلتفت البك إلاّ حين يسمع صوت امرأة نادر يردّ على تحيته. عندها فقط يطوي مردّ الشمس فوقه، وينظر في المرآة وهو يبتسم ويتفحص المقعد الخلفي. فإذا أعجبه ما رأى، أشعل سيجاره، يزاحم بدخانه الثقيل رائحة العطر الثمين، تكبّل أنوف الحاضرين. وبدأ لسانه يشدو أكثر من المعتاد، بأمجاد عائلته. فيعود بالسامعين إلى عهود بائدة، لا يكاد يعرف عنها أحد.
لحمدي بك طريقة فريدة في طرح الأمور، تفرض على الحاضرين الإصغاء جيداً. ولا يصل أحدهم إلى مقصده، إلاّ وقد أعطى البك رقم هاتفه، وعنوان عمله ومنزله، طالباً منه الزيارة.
وبما أنّه لا يحمل هاتفاً، يبادر إلى تسجيل بياناتهم في دفتر ملاحظاته الصغير، ويعدهم، لكنّه لا يتصل بأحد أو يزوره.
وتبقى المسألة بينه وبينهم، مجرّد محطة عابرة على طريق طويل، التقوا فيه بحمدي بك.