حماية صنعاء من الطوفان

24 نوفمبر 2014
+ الخط -

عشية الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، غادرتُ صنعاء، بعد يوم أسود تعرضت له المدينة التي سقطت في قبضة الحوثيين، نتيجة مؤامرة متعددة الأركان، وفقاً لرأي أغلب المحللين والسياسيين.
وأنا أغادر صنعاء، تذكرت قول الرسول الكريم، محمد بن عبد الله، وهو يغادر مكة مهاجراً إلى المدينة المنورة: "واللهِ إني لأخرج منكِ يا مكةُ، وإني لأعلم أنكِ أحبُّ أرض الله إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجتُ". وهنا لا أشبه بين الواقعتين، ولكني استذكر حجم الألم الذي يتعرض له الشخص، حين يخرج من موطنه قسراً يهيم على وجه لا يدري إلى أي مكان يتجه، ولا إلى أي واجهة يكون المفر. حين تغادر مدينتك وعشيقتك، تشتعل بين جانبيك نيران لا تنطفئ، وينقلب هواك مئة وثمانين درجة، يغلي معها فؤادك، وتتبخر من رأسك كل ذرة عقل وتعقل.
وعندها فقط، تتذكر لماذا يلجأ الديكتاتوريون، دائماً، إلى تهجير خصومهم. يهجّرونهم لأن الموت يقتلك مرة، والتهجير يقتلك في اليوم ألف مرة ومرة. غادرت صنعاء في ليلة حالكة السواد مكفهرة النسمات. وطوال الطريق، ظللت أتذكر القوانين الدولية المتعددة التي تحرم التهجير، وتعده ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
تذكرت هذه القوانين، التي على الرغم من كثرتها بقيت عاجزة عن إنصاف مهجرين كثيرين، يقدرون بسبعمئة ألف أو يزيدون، في اليمن فقط، وفق إحصائيات تعود إلى عام 2012. حيث ثلاثة أرباع المليون لا زالوا يعيشون أوضاعاً مأساوية في مخيمات اللجوء القليلة وشحيحة الإمكانات، في حجة وغيرها من المحافظات التي دخلها الحوثيون، وشردوا أبناءها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
تساؤلات أنثرها بين دفتي الوطن، لعل قارئاً في يوم ما يقرأها، ويقول:
يا ليتني مت قبل أن أُهجّر من وطني. يا ليتني ما كنت شاهد قبر في وطن قتيل.
أكتب بعضاً من وجع، وأنا عائد إلى صنعاء مجدداً، بعد تمكنها من امتصاص الهجمة الحوثية، وإفشال قوى التحرر فيها لمخططات جر البلاد إلى مربع الحرب الأهلية، ذاك المخطط الذي، وإن فشل مؤقتاً، فإن صانعيه، على ما يبدو، ما يزالون يعملون على إعادة إشعاله من جديد، الأمر الذي يحتاج إلى جهد في الاتجاه المضاد من مختلف القوى، بما فيها الحوثيون أنفسهم، لإفشاله نهائياً، وحماية صنعاء من الطوفان.

AC6DD897-3190-4DF5-927E-8F58C602D310
AC6DD897-3190-4DF5-927E-8F58C602D310
زياد الجابري (اليمن)
زياد الجابري (اليمن)