15 نوفمبر 2024
حماس بين فكّي التجاذب الإيراني - السعودي
من دون مقدمات، ومن دون أسباب مباشرة، وجدت حركة حماس نفسها عرضةً لنيران قصف عنيف من طرفي نقيض إقليمياً، الأصل أن كليهما يسعى إلى كسبها في معسكره في معركته مع الآخر. فبتزامنٍ مريب، ولكن يستحيل فيه التنسيق، هاجم الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودي الأسبق، الحركة، واتهمها، مع جماعاتٍ أخرى، إسلامية وغيرها، بأنها إحدى أدوات إيران في "تصدير الثورة" من خلال التدخل في شؤون الدول، تحت دعوى نصرة الضعفاء والأقليات. ولم يلبث أن تبعه مستشار الحرس الثوري الإيراني، العميد خسرو عروج، متهما حماس بالسعي إلى التفاوض مع إسرائيل عبر تركيا. وانتقدها بسبب ما وصفها محاولات "تقرّبها" من السعودية وتركيا اللتين "تتعاونان مع إسرائيل على أعلى المستويات". وقد انتقدت حماس اتهامات الطرفين بشدة، ووصفتها بـ "الافتراءات".
واضح أن التصريحين السابقين يأتيان في سياق التنافس الإقليمي المحموم بين الدولتين، وهو التنافس الذي خرج من دائرة النكاية الديبلوماسية، إلى النكاية الاقتصادية، ثم إلى خوض حروبٍ بالوكالة، في غير ساحةٍ، كما في سورية واليمن. ومما يؤكد معطى سياق التنافس الإقليمي بين الدولتين في الحملة على "حماس" أن الفيصل أدلى بتصريحاته تلك أمام مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس، يوم 9 يوليو/ تموز الجاري، في حين جاءت تصريحات عروج لوكالة مهر الإيرانية، في اليوم التالي، في سياق حديثه عن التورط الإيراني في سورية وتبرير ذلك. والمعروف أن علاقات حماس مع إيران توتّرت منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، ورفض حماس تأييد نظام بشار الأسد.
قد يقول قائل إن الفيصل لا يشغل موقعاً رسمياً في المملكة اليوم، حيث إنه رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في حين سارع "الحرس الثوري" الإيراني إلى التنصّل من تصريحات عروج، واعتبرها شخصية، لا رسمية. لكن الواقع يؤكد أن هذه التصريحات غير منطلقة من فراغ، بل إنها تعبير عن علاقات مأزومة بين الدولتين، كل على حدة، وبين حماس. وإذا كان يمكن تفهم الغضب الإيراني على "حماس" بسبب الملف السوري، ورفض الحركة إدانة "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد المليشيات الحوثية، المدعومة إيرانياً، في اليمن، فإنه لا يمكن فهم تصعيد المملكة مع الحركة، في وقتٍ تحاول فيه، جاهدة، تشكيل "محور سني" للتصدّي للعبث الإيراني "الشيعي" في المنطقة.
ترافق وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم مطلع عام 2015 مع تصاعد التهديد
الإيراني للمنطقة، وهو الأمر الذي بدأ في أواخر عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وبلغ ذروته بسيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، صنعاء، في سبتمبر/ أيلول 2014. ولإدراك القيادة السعودية الجديدة، حينها، أن الولايات المتحدة كانت ماضيةً في عزمها على توقيع اتفاق نووي مع إيران، لا يأخذ قلق الحلفاء الأميركيين في المنطقة في الاعتبار، فقد سارعت المملكة إلى إطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن لاستعادة الشرعية، في مارس/ آذار 2015، كما صَعَّدَتْ من دعمها الثورة السورية، تسليحياً ودبلوماسيا. أيضا، بدا حينها، أن المملكة أدركت أنها مضت بعيداً في دعم نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، والرهان عليه، خصوصاً بعد تردّده في دعم موقفها في اليمن وسورية، بل مشاكستها فيهما أحيانا. يمكن أن يُقال الأمر نفسه عن إدراك سعودي، حينئذ، أن استعداء الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، ليس في مصلحة المملكة، خصوصاً وهي تحاول بناء "محور سني" بقيادتها، فكان أن سعت إلى تخفيف حدّة عدائها لها وفتح بعض قنوات الاتصال غير المباشر معها.
شجّعت المعطيات السابقة "حماس" على محاولة استعادة العلاقة مع الرياض، والتي انقطعت منذ منتصف عام 2007، وذلك بعد سيطرتها على قطاع غزة، وفشل اتفاق مكة الموقع بينها وبين حركة فتح، في فبراير/ شباط 2007، ورعاه الملك الراحل، عبد الله، شخصياً. وعبثاً حاولت حماس، سنواتٍ طويلة، إقناع القيادة السعودية أن حركة فتح هي المسؤولة عن انهيار الاتفاق وفشله، غير أن الأبواب السعودية بقيت موصدة في وجهها، خصوصاً أن المملكة كانت تتزعم معسكر "الاعتدال العربي"، في حين كانت "حماس" عضواً في "محور الممانعة"، الذي كان يضم، معها، كلا من إيران وسورية وحزب الله. ولم يشفع لحماس عند القيادة السعودية ما بين أعوام (2011-2015) أنها وقفت مع ضمير الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد الذي لا تخفي السعودية عداءها له، على أساس حلفه مع إيران، كما لم يشفع لحماس توتر علاقتها مع إيران، بسبب موقفها من الثورة السورية. فالسعودية كانت تنظر إلى حركة حماس بعين الريبة، ذلك أنها جزء من التنظيم الإخواني الذي تشك في نواياه نحوها، ومعروف أن المملكة كانت رافضةً الثورات العربية، وأنها وقفت ضد حكم "الإخوان"، القصير زمنيا، في مصر، وولاية الرئيس محمد مرسي.
حينها، وجدت حماس نفسها في خضم تجاذبات إقليمية عنيفة، مع أعداءٍ وخصومٍ كثيرين، وقليل من الحلفاء، وتحديداً قطر وتركيا، الأمر الذي ضاعف من الغضب السعودي عليها. لكن وصول الملك سلمان إلى الحكم، مترافقاً مع المعطيات التي أشرنا إليها آنفا، وتحديداً التنافس مع إيران، مهد الطريق أمام حماس لطرق أبواب المملكة، وفعلا، فتحت الرياض أبوابها للحركة التي زارها وفد رفيع منها، برئاسة زعيمها، خالد مشعل، صيف العام الماضي، التقى في أثنائها الملك سلمان. صحيح أن تلك الزيارة لم تحقق ما كانت تصبو إليه حماس من تطبيع للعلاقات مع المملكة، كما أنها لم تقنع القيادة السعودية بالتوسّط في الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، ولا حتى في التوسّط مع مصر لتخفيف الحصار الخانق على قطاع غزة، غير أنها نجحت في تنفيس الاحتقان، نسبياً، بين الطرفين، والإفراج عن بعض معتقلي الحركة في المملكة.
تخشى حماس أن تكون تصريحات الفيصل إرهاصاً لتغيير حاد، مرة أخرى، في الموقف السعودي منها، وهي، وعلى الرغم من أنها لم تجن الكثير من محاولة التقرّب من الرياض، غير أنه من الواضح أنها لا تريد تصعيداً معها. وتجد حماس نفسها اليوم في وضعٍ صعب، فلا هي كسبت السعودية، ولا هي حافظت على علاقاتها مع إيران. والمعروف أن المساعدات الإيرانية، المالية والعسكرية، لها، تراجعت إلى حد كبير، إن لم تكن قد انقطعت كليا، منذ افتراق موقفيهما من الثورة السورية عام 2011. الأصعب من ذلك بالنسبة لحماس أن ثمّة تيارا داخلها يطالب بإعادة الدفء إلى علاقتها مع إيران، طمعاً في دعمها، بعد أن ثبت أن لا دولة أخرى، عربية وإسلامية، قادرة أو راغبة في سد الفراغ الذي أحدثه خسارتها إيران. أما الأدهى من ذلك كله، إن كانت تصريحات الفيصل تعبيرا عن موقف رسمي، فهو أن إيران قد تنجح في إحداث اختراق خطير في جدار "المحور السني". فحماس حركة لها وضعها واحترامها شعبيا، وفلسطين هي قضية إجماع عربي وإسلامي، ولا ينبغي أن يُترك الأمر لإيران توظّفه في تبريرها لسفك دمائنا في سورية والعراق واليمن، كما لا ينبغي أن تستمتع إسرائيل بمتابعة فصول الصراع "السني-الشيعي" المدمّر، بشكلٍ يصوغ المعادلات لتفوقها علينا جميعا.
واضح أن التصريحين السابقين يأتيان في سياق التنافس الإقليمي المحموم بين الدولتين، وهو التنافس الذي خرج من دائرة النكاية الديبلوماسية، إلى النكاية الاقتصادية، ثم إلى خوض حروبٍ بالوكالة، في غير ساحةٍ، كما في سورية واليمن. ومما يؤكد معطى سياق التنافس الإقليمي بين الدولتين في الحملة على "حماس" أن الفيصل أدلى بتصريحاته تلك أمام مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس، يوم 9 يوليو/ تموز الجاري، في حين جاءت تصريحات عروج لوكالة مهر الإيرانية، في اليوم التالي، في سياق حديثه عن التورط الإيراني في سورية وتبرير ذلك. والمعروف أن علاقات حماس مع إيران توتّرت منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، ورفض حماس تأييد نظام بشار الأسد.
قد يقول قائل إن الفيصل لا يشغل موقعاً رسمياً في المملكة اليوم، حيث إنه رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في حين سارع "الحرس الثوري" الإيراني إلى التنصّل من تصريحات عروج، واعتبرها شخصية، لا رسمية. لكن الواقع يؤكد أن هذه التصريحات غير منطلقة من فراغ، بل إنها تعبير عن علاقات مأزومة بين الدولتين، كل على حدة، وبين حماس. وإذا كان يمكن تفهم الغضب الإيراني على "حماس" بسبب الملف السوري، ورفض الحركة إدانة "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد المليشيات الحوثية، المدعومة إيرانياً، في اليمن، فإنه لا يمكن فهم تصعيد المملكة مع الحركة، في وقتٍ تحاول فيه، جاهدة، تشكيل "محور سني" للتصدّي للعبث الإيراني "الشيعي" في المنطقة.
ترافق وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم مطلع عام 2015 مع تصاعد التهديد
شجّعت المعطيات السابقة "حماس" على محاولة استعادة العلاقة مع الرياض، والتي انقطعت منذ منتصف عام 2007، وذلك بعد سيطرتها على قطاع غزة، وفشل اتفاق مكة الموقع بينها وبين حركة فتح، في فبراير/ شباط 2007، ورعاه الملك الراحل، عبد الله، شخصياً. وعبثاً حاولت حماس، سنواتٍ طويلة، إقناع القيادة السعودية أن حركة فتح هي المسؤولة عن انهيار الاتفاق وفشله، غير أن الأبواب السعودية بقيت موصدة في وجهها، خصوصاً أن المملكة كانت تتزعم معسكر "الاعتدال العربي"، في حين كانت "حماس" عضواً في "محور الممانعة"، الذي كان يضم، معها، كلا من إيران وسورية وحزب الله. ولم يشفع لحماس عند القيادة السعودية ما بين أعوام (2011-2015) أنها وقفت مع ضمير الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد الذي لا تخفي السعودية عداءها له، على أساس حلفه مع إيران، كما لم يشفع لحماس توتر علاقتها مع إيران، بسبب موقفها من الثورة السورية. فالسعودية كانت تنظر إلى حركة حماس بعين الريبة، ذلك أنها جزء من التنظيم الإخواني الذي تشك في نواياه نحوها، ومعروف أن المملكة كانت رافضةً الثورات العربية، وأنها وقفت ضد حكم "الإخوان"، القصير زمنيا، في مصر، وولاية الرئيس محمد مرسي.
حينها، وجدت حماس نفسها في خضم تجاذبات إقليمية عنيفة، مع أعداءٍ وخصومٍ كثيرين، وقليل من الحلفاء، وتحديداً قطر وتركيا، الأمر الذي ضاعف من الغضب السعودي عليها. لكن وصول الملك سلمان إلى الحكم، مترافقاً مع المعطيات التي أشرنا إليها آنفا، وتحديداً التنافس مع إيران، مهد الطريق أمام حماس لطرق أبواب المملكة، وفعلا، فتحت الرياض أبوابها للحركة التي زارها وفد رفيع منها، برئاسة زعيمها، خالد مشعل، صيف العام الماضي، التقى في أثنائها الملك سلمان. صحيح أن تلك الزيارة لم تحقق ما كانت تصبو إليه حماس من تطبيع للعلاقات مع المملكة، كما أنها لم تقنع القيادة السعودية بالتوسّط في الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، ولا حتى في التوسّط مع مصر لتخفيف الحصار الخانق على قطاع غزة، غير أنها نجحت في تنفيس الاحتقان، نسبياً، بين الطرفين، والإفراج عن بعض معتقلي الحركة في المملكة.
تخشى حماس أن تكون تصريحات الفيصل إرهاصاً لتغيير حاد، مرة أخرى، في الموقف السعودي منها، وهي، وعلى الرغم من أنها لم تجن الكثير من محاولة التقرّب من الرياض، غير أنه من الواضح أنها لا تريد تصعيداً معها. وتجد حماس نفسها اليوم في وضعٍ صعب، فلا هي كسبت السعودية، ولا هي حافظت على علاقاتها مع إيران. والمعروف أن المساعدات الإيرانية، المالية والعسكرية، لها، تراجعت إلى حد كبير، إن لم تكن قد انقطعت كليا، منذ افتراق موقفيهما من الثورة السورية عام 2011. الأصعب من ذلك بالنسبة لحماس أن ثمّة تيارا داخلها يطالب بإعادة الدفء إلى علاقتها مع إيران، طمعاً في دعمها، بعد أن ثبت أن لا دولة أخرى، عربية وإسلامية، قادرة أو راغبة في سد الفراغ الذي أحدثه خسارتها إيران. أما الأدهى من ذلك كله، إن كانت تصريحات الفيصل تعبيرا عن موقف رسمي، فهو أن إيران قد تنجح في إحداث اختراق خطير في جدار "المحور السني". فحماس حركة لها وضعها واحترامها شعبيا، وفلسطين هي قضية إجماع عربي وإسلامي، ولا ينبغي أن يُترك الأمر لإيران توظّفه في تبريرها لسفك دمائنا في سورية والعراق واليمن، كما لا ينبغي أن تستمتع إسرائيل بمتابعة فصول الصراع "السني-الشيعي" المدمّر، بشكلٍ يصوغ المعادلات لتفوقها علينا جميعا.