تسعى الدول الافريقية المعروفة بـ"تجمّع الساحل والصحراء"، إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري فيما بينها، لمواجهة التحدّيات الأمنية الخطيرة، بسبب انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة. وتمّ عقد العديد من اللقاءات والقمم خلال الأعوام الماضية، وكان آخرها قمتين الأولى في العاصمة الموريتانية نواكشوط، يومي 18 و19 ديسمبر/كانون الأول الجاري بين دول الساحل الافريقي، وبحضور أوروبي، فيما بات يُعرف بقمة "مسار نواكشوط".
أما القمة الثانية، فعُقدت بين دول الساحل والصحراء في السنغال، وضمّت، إضافة إلى الدولة المضيفة، موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو ومالي. وكان العنوان الأبرز فيها: مواجهة التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب والدعوة إلى تدخل دولي في ليبيا. وعُقدت القمة، في وقتٍ تتكثف فيه المساعي الفرنسية، من أجل دفع دول الساحل إلى واجهة الأحداث، فيما يتعلق بالأزمة الليبية، بدعوى الحفاظ على أمن منطقة الساحل وحمايتها، من تأثير تهريب السلاح والمقاتلين من وإلى ليبيا. وتعمل فرنسا بقوة على هذا الخطّ، كاللاعب الأبرز على الساحة الافريقية والأكثر حماسة للتدخل الدولي.
وتُعتبر مجموعة "دول الساحل والصحراء" تجمّعاً إقليمياً، تسعى من خلاله دول الساحل والصحراء، مدعومة بالاتحاد الأفريقي، وتحت رعاية الاتحاد الأوروبي وفرنسا وإسبانيا، إلى القضاء على ما يُعرف بـ"ظاهرة الإرهاب". إذ تواجه هذه الدول تحدّيات أمنية خطيرة، بسبب انتشار الجماعات المسلّحة، وتفشّي ما يُعرف بـ"اقتصاد الجريمة" (التهريب والاختطاف).
ففي شمال مالي، ما زالت الأوضاع الأمنية هشّة، على الرغم من التدخل الفرنسي هناك، وهزيمة الجماعات المسلّحة في عام 2012، غير أن بقاء القضية الأزوادية من دون حلّ، وانتشار السلاح في صفوف مجموعات الطوارق، التي تنشط على طول الشريط الساحلي، حيث الأقاليم ذات الوجود السكاني الطوارقي، ساهم في اللااستقرار الأمني.
فمجموعات الطوارق لا تنشط في الشمال المالي فقط، وإنما في عدد من دول الساحل، التي تتواجد بها مجموعات من الطوارق، كالنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج، وبالتالي وفّرت أجواءً مضطربة في المنطقة، وحالات عدم الاستقرار في دولها، مع تسجيل ضعف سلطة الدولة المركزية على حدودها الشاسعة، وتركها خصبة لانتشار المجموعات المسلحة.
كما دخل تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" وأقرانه خلال الأعوام الماضية، في حالة تحالف مع عصابات التهريب، وتمّ اختطاف رعايا غربيين، بواسطة عصابات التهريب، قبل أن يُسلّموا إلى "القاعدة"، وحصلت هذه المجموعات على مبالغ مالية ضخمة، من عمليات الاختطاف.
وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت القيادة العسكرية فى أفريقيا (أفريكوم)، في عام 2007، ونفّذت برامج عدة لتدريب وتأهيل عدد من قوات دول الساحل الافريقي، بغية التصدي للإرهاب. كما تنشط فرنسا في تسليح وتدريب جيوش المنطقة، للهدف ذاته.
وقد أظهرت بعض دول المنطقة تحسّناً ملحوظاً في كفاءة أجهزتها العسكرية والأمنية، في التصدّي للمجموعات المسلّحة وحماية حدودها من الهجمات الإرهابية، كما هو حال موريتانيا التي لم تشهد منذ عام 2011 أي عملية إرهابية، بعد أن كانت ولخمس سنوات متتالية، ساحة لمعركة شرسة مع التنظيمات المسلّحة.
ومنذ الإطاحة بالعقيد الليبي معمّر القذافي، اشتكت دول الساحل الافريقي من تدفق السلاح المهرّب من ليبيا إلى المجموعة المسلّحة، الناشطة فى المنطقة، خصوصاً في ظلّ العلاقات الوطيدة بين نظام القذافي وعدد من الحركات المسلّحة في الساحل الافريقي، كما هو الحال مع مسلّحي الطوارق في مالي والنيجر. ويرى العديد من هذه الدول أن ما يحدث في ليبيا سبب مباشر لانتشار الإرهاب في منطقة الساحل.
وكانت تصريحات الزعماء الأفارقة في قمة "المنتدى الدولي حول السلام والأمن"، في العاصمة السنغالية داكار، التي عُقدت قبل أيام واضحة، في الدعوة إلى التدخل الدولي في ليبيا. وقال الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا، إنه "ما دامت المشكلة لم تُحلّ في جنوب ليبيا، فلن يحلّ السلام في المنطقة". وحثّ أبو بكر كيتا، نظيره التشادي إدريس ديبي، على عرض الوضع على الأمم المتحدة، باعتبارها عضواً في مجلس الأمن في الوقت الحاضر.
وعلى الرغم من دعوة ديبي لحلف شمال الأطلسي، من أجل اكمال ما بدأه، فإنه يعترف بأنه "لا يستطيع أي جيش أفريقي الذهاب إلى ليبيا للقضاء على الإرهاب". وحذا الرئيس السنغالي ماكي سال، حذو ديبي، واعتبر أن "جيوش المنطقة سيئة التجهيز وبحاجة إلى المزيد من الدعم المادي من الغرب".
بدوره، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الذي ترأس بلاده الاتحاد الافريقي، إن "قمة دول الساحل الاستثنائية في موريتانيا، طالبت بتدخل دولي في ليبيا". وعلى رغم اعتراف عبد العزيز بتحفّظ بعض دول الجوار الليبي على التدخل العسكري، فإنه حسم أن "القرار في النهاية بيد الليبيين، وهم من عبّروا عن رغبتهم في التدخل العسكري". وتؤشر حماسة دول الساحل للتدخل العسكري في ليبيا، والقمم المكوكية التي عُقدت للترويج لهذا الخيار، خلال الأيام الماضية، إلى وضوح القرار الفرنسي.
فبعد أن ترددت باريس في البداية، باتت تدفع في اتجاه التدخّل الدولي في ليبيا، وتُعتبر دول الساحل الافريقي، الأداة الفرنسية "المناسبة" في هذه المرحلة للترويج لهذا التوجه، سواء داخل مؤسسات الاتحاد الافريقي أو في المحافل الدولية، وذلك بذريعة تضررها بشكل مباشر من الأوضاع الأمنية المضطربة في ليبيا.
ولعلّ من الصعوبة تصوّر موقف هذه الدول في قضية حساسة كهذه، بعيداً عن الموقف الفرنسي، باعتبارها جزءاً من المنظومة الفرنسية ومنخرطة في الاستراتيجية الأمنية الفرنسية بشكل فعّال. وظهر ذلك في زيارة مسؤولين فرنسيين عسكريين عدة للمنطقة، وآخرهم رئيس الأركان الخاصة، الجنرال بنوا بوغا.