حليمة الفلسطينية.. حكاية الشوق للطفولة على شط يافا (صور)

رام الله

محمود السعدي

محمود السعدي
26 سبتمبر 2016
+ الخط -



عزمت الحاجة حليمة خليل إبراهيم خداش (84 عاماً) من سكان مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال رام الله وسط الضفة الغربية حالياً، برفقة الأصدقاء والأقرباء وبعض الصحافيين، على زيارة قريتها المهجرة بيت نبالا غرب القدس المحتلة، صباح اليوم الثالث من عيد الأضحى لهذا العام، حيث سمح الاحتلال الإسرائيلي بدخول الفلسطينيين إلى القدس والمناطق المحتلة عام 1948 ضمن ما وصفه بالتسهيلات، ومن هناك انتهى بها المطاف على شط بحر يافا تستذكر طفولتها قبل نكبة العام 1948.

على حاجز قلنديا العسكري شمال القدس، كانت السيارة بانتظار الحاجة حليمة صاحبة الذاكرة القوية على الرغم من انحناء ظهرها وكبر سنها، كي تُقلّها إلى بيت نبالا، لقد حان اللقاء لأول مرة، منذ النكبة، مع بيوت مهدمة وذكريات داستها أطماع الاحتلال بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية.

حينما وصلت حليمة برفقة صديقاتها إلى بيت نبالا وسكان مخيم الجلزون حالياً، وهن "فاطمة شراكة (90 عاماً) ونعمة العرايشة (85 عاماً)"، صرن كطفلات اندهشن لرؤية القرية التي دمرها الاحتلال، لم يتبق سوى المدرسة من كل مباني بيت نبالا، ثم وقفت حليمة على ساحة منزلها المدمر والذي عرفته من بئر ماء في ساحته بقيت شاهدة على جرائم العصابات الصهيونية وقبلت البئر وهي تصرخ "هذا بئر منزلنا"، ثم بدأت تبكي وتتحسس بذاكرتها كل شيء في القرية، علها تجد طفولتها من جديد.



على الرغم من سماح الاحتلال للفلسطينيين بزيارة الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، إلا أن حليمة كانت ترفض الزيارة، فهي لا تريد أن يتجدد الجرح وتزداد الغصة على فقد قريتها، وعلى والدها الذي توفي قبل 33 عاماً بحسرته على بيت نبالا، ثم توفي إخوتها وأخواتها بعد ذلك، ولم يبق سوى شقيقها وشقيقتيها، تقول لـ"العربي الجديد".

الكاتب الفلسطيني، زياد خداش، وهو ابن شقيق الحاجة حليمة خداش "أم يوسف"، أصرّ على أن تزور عمته حليمة قريتها بيت نبالا وشط يافا، بعدما بدا مصدوماً، حينما عرف قبل شهرين ولأول مرة أن عمته لم تزر بيت نبالا ويافا منذ النكبة!

حليمة تستعيد شريط الذكريات (عمر الغباري)


يقول زياد لـ"العربي الجديد": اتصلت بأصدقائي في الداخل الفلسطيني وبدأت بترتيب الزيارة لعمتي وصديقاتها، وكانت عمتي من بينهن، حيث لم تزر بيت نبالا ويافا بعد النكبة، إلى أن تمت الزيارة، فصارت عمتي وصديقاتها كطفلات بقلوبهن على الرغم من تقدمهن بالسن، لقد هجّرن من بيت نبالا طفلات وعدن إليها طفلات مرة أخرى.

بعدما تحسست حجارة قريتها المدمرة، ومنزلها وبئر مائه، انطلق موكب حليمة وصديقاتها إلى شط يافا، ووقفت أم يوسف تداعب المياه مستذكرة لحظاتها الجميلة والأليمة في يافا وبيت نبالا، وتمسح بمياه بحر، غزاه الاحتلال، دموعها التي ذرفتها على بيت نبالا في الصباح، لقد أصبح الحلم حقيقة ووطأت قدماها يافا التي لم تزرها إلا مرة واحدة قبل النكبة، حينما كانت في السابعة من عمرها برفقة والدتها.

وطأت قدماها أرض الطفولة (عمر الغباري)


لقد بللت المياه ملابس حليمة التي بالكاد تجف، وتقول: "أشعر أن مياه البحر شيء مقدس وثمين، كأنه ماء زمزم، إنها تذكرني بجمال طفولتي أيام البلاد"، ثم تستدرك: "ذهبت إلى يافا مرة واحدة فقط برفقة أمي لزيارة شقيقي المريض بمستشفى زهدي الدجاني في يافا، كنت حينما أبلغ من العمر 7 سنوات، ومن نافذة المستشفى رأيت شيئاً يلمع، فسألت أمي عنه فقالت لي، إنه البحر، ثم أخذتني إليه وسعدت به حينها".

الشوق والحنين لا يزال يستوطن ذاكرة أم يوسف، إلى بيوت بيت نبالا وحواريها، طرقاتها وآبارها، ضحكات الطفولة وكل شيء جميل فيها، فهي تستذكر هجرتها مع عائلتها إلى العديد من قرى رام الله القريبة والمجاورة لقريتها، ونومهم في العراء، يفترشون التراب ويلتحفون الأشجار، إلى أن سكنوا عدة سنوات في بعض القرى الشمالية والغربية من رام الله، آملين العودة المبكرة إلى قريتهم، لكن دون جدوى، ثم استقر بهم الأمر بعد أن تزوجت من ابن عمها مصطفى وأنجبت منه ابنا وابنتين، في منطقة قريبة شمال رام الله، عرفت بعد ذلك بمخيم الجلزون.

تتمنى العودة إلى بيت نبالا (العربي الجديد)


في ذاكرتها الثمانينية تحفر أم يوسف جمال برتقال وليمون وتين وأشجار بيت نبالا، فقريتها نصف روحها لا يمكن لها أن تفرط فيها بمال الدنيا كلها، وتحب وطنها الجميل، وكل شيء يربطها به، وتحافظ منذ صغرها، وحتى الآن، على لبس ثوبها الفلسطيني المطرز، تتمنى العودة إلى بيت نبالا وتقول: "لو جيل هذا الزمن كان موجوداً وقت احتلال فلسطين لما ضاعت بلادنا، ولم نرحل".

بعد 68 عاماً من النكبة وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض القرى والمدن والبلدات الفلسطينية، تتمنى الحاجة حليمة أن تغمض عينيها وتفتحهما ولا يبقى في فلسطين أي إسرائيلي، وأمنيتها أن تدفن في بيت نبالا بعد وفاتها.

المساهمون