حلول لأزمة المعلمين الأفغان

18 ابريل 2018
أحوال أمنية ومعيشية صعبة (سكوت أولسون/ Getty)
+ الخط -
من ضمن كثير من العوائق التي تواجه قطاع التعليم في أفغانستان، يعتبر النقص في معلمي المدارس، خصوصاً في المناطق النائية، هو الأبرز، إذ يتسبب، في بعض الأحيان، في ترك التلاميذ مدارسهم. لكن، ما المشكلة؟ ولماذا تشهد مدارس المناطق النائية هذا النقص في المعلمين، الذي يصل إلى حدّ الغياب الكلي أحياناً؟ هل السبب هو شح الكوادر، أم أن هناك أسبابا أخرى؟ الأسباب كثيرة، وهي في مجملها جعلت المعلم يترك المهنة ويتوجه صوب مهن أخرى، لأجل لقمة العيش أولاً، وللبحث عن حياة آمنة ثانياً.

عدد كبير من المعلمين يتركون المهنة بسبب الراتب الزهيد، الذي ترتبك مواعيد وصوله أيضاً، ما يفاقم المشكلة. في بعض الأحيان يصل الراتب ناقصاً إلى المعلمين بسبب الفساد. من هؤلاء المعلم وزير محمد، الذي ترك المهنة في إحدى مدارس مديرية بتي كوت بإقليم ننجرهار، وجاء إلى مدينة جلال أباد، عاصمة الإقليم، ليفتح دكاناً صغيراً يبيع فيها المواد الغذائية والأدوات المنزلية البسيطة، كي يتمكن من تأمين القوت لعائلته.

يقول المعلم وزير محمد، لـ"العربي الجديد"، كنت أدرّس في مدرسة حكومية في مديرية بتي كوت، أذهب في الصباح وأرجع بعد الظهر يومياً، وأتعب نفسي مقابل راتب لا يغني من جوع. كنت أتقاضى راتباً متواضعاً، قدره سبعة آلاف أفغانية (100 دولار تقريباً) وهو ما كان يكفي لاحتياجات منزلي، وكنت وأبنائي مشغولين طوال النهار في حقول الناس بعد العودة من المدرسة".




بالإضافة إلى ضيق المعيشة، كان وزير وأسرته يواجهان مخاطر كبيرة بسبب الصراعات المسلحة الداخلية بين التنظيمات من جهة، وبين التنظيمات والقوات الحكومية من جهة ثانية. كان العيش صعباً في القرية بالنسبة لوزير ولأسرته، فقرر أن يذهبوا بعيداً ويترك العمل في المدرسة الحكومية. يقول: "ما كنت أظن أنّي سأترك يوماً العمل في المدرسة لأنّي تعبت كثيراً في العثور عليه، لكن قدّر الله أن أفعل هكذا، ألحّت والدتي كثيراً ألاّ أترك العمل، إذ كانت تنظر إلى مهنة التعليم كمهنة مقدسة، وتعرف مدى أهميتها لمستقبل الجيل وتربيته، كانت تحلم أن يكون ابنها الوحيد مدرساً وهكذا كان، لكنّ الحالة المعيشية أجبرتني على تركها بالرغم من إصرار الوالدة". يتابع أنّ "العمل ضد رغبة الوالدة وإرادتها أصعب مما توقعت، لكن ماذا عساي أن أفعل بعدما ضاقت بي السبل بسبب الديون الكثيرة، فالراتب لم يكن يكفي احتياجات أسرتي".

وزير ليس الوحيد الذي ترك مهنة التدريس بسبب زهد الراتب وضعف المعيشة وقلة اهتمام الحكومة بالمعلمين، بالرغم من المساعدات المالية التي قدمها المجتمع الدولي، طوال السنوات الماضية، لأجل تطوير قطاع التعليم وتحسين حالة المعلم.

ففي إقليم أورزجان، ترك عشرات المعلمين وظائفهم لأسباب عدة: أهمها زهد الرواتب وعدم وصولها إليهم في الوقت المحدد، بالإضافة إلى إغلاق كثير من المدارس بسبب الحروب الدائرة، وبالتالي الرواتب كانت تحوّل إلى جيوب المسؤولين وليس إلى مستحقيها.

من جهتها، بدأت الحكومة الأفغانية تتخذ بعض الخطوات لتحسين وضع المعلمين، أبرزها تدشين مشاريع المنازل الخاصة بالمعلمين وتخصيص أراض لها. ومؤخراً، وافقت الرئاسة الأفغانية على مشروع عملت عليه وزارة التعليم لأشهر عديدة يشكل بموجبه صندوق مالي لإعطاء الديون للمعلمين. يقول الناطق باسم وزارة التعليم الأفغانية، كبير حق مل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوزارة بات من أولوياتها الاهتمام بحالة المعلم لكي يعيش مرتاح البال، لأنّ توتره يؤثر على مهنته. لذلك، تأخذ كلّ خطوة من شأنها مساندة المعلمين واحترام مهنته". وفي ما يخص الصندوق، يؤكد حق مل أنّ المشروع قدمته الوزارة للرئاسة الأفغانية، وهي وافقت عليه وأمرت وزارة المالية بتحويل مال إلى الصندوق، ليبدأ العمل عليه خلال أيام، إذ يمكن للمعلمين أن يأخذوا الدين من الصندوق، ويسترد ذلك في أقساط من رواتبهم الشهرية.




ثمة مشكلتان، الأولى أنّ قدر الدين ضئيل جداً، إذ لا يمكن أن يأخذ المعلم أكثر من 20 ألف أفغاني (285 دولاراً أميركياً)، والثانية أنّ الصندوق خاص بالمعلمين في المدارس الحكومية. أما المعلمون في المدارس الخاصة، سواء كانت في العاصمة أو في الأقاليم، فلا حق لهم فيه.

اعتداءات المسلحين
في بعض أقاليم جنوب أفغانستان تواجه المدارس شحاً في عدد المعلمين بسبب تركهم المهنة العائد إلى ضآلة رواتبهم، أو مغادرتهم المنطقة بسبب الوضع الأمني. وتزعم الحكومة أنّ بعض الأمور خارجة عن سيطرتها من قبيل الوضع الأمني المنفلت، واعتداءات المسلحين على المعلمين، أو إغلاقهم المدارس أحياناً.
المساهمون