مع بدء قوات حلف شمال الأطلسي مهمتها في بحر إيجه لمكافحة تهريب اللاجئين غير الشرعيين، متسلّحة بطلب ألماني-يوناني-تركي بهذا الشأن، وهو ما يعدّ سابقة في عملها، زاد الحديث عن الدور والمهمة المطلوبة من حلف شمال الأطلسي في ظل انتقادات من منظمات إنسانية وحقوقية.
وعلى الرغم من وضع المبادئ والمهام الرئيسية لعمليات المراقبة، لا سيما أن حلف شمال الأطلسي يتمتع بالقدرة على الإبحار في المياه الإقليمية حيث مكان انطلاق قوارب اللاجئين، فقد تم التأكيد على أن القوات لن تقوم بإغراق مراكب المهربين إنما سيقتصر دورها على إعادة المهاجرين إلى تركيا، وجمع المعلومات عن المهربين ونشاطهم بالتنسيق مع السلطات التركية، من أجل منع القوارب من الإبحار نحو اليونان، وتوقيفها لعدم المخاطرة بحياة المهاجرين. لكن لا تزال العديد من التساؤلات السياسية والقانونية والأمنية مطروحة عن المغزى الأساسي لهذه المهمة الأوروبية التي ستشارك فيها الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى متابعون للقضية أن إشراك حلف الأطلسي يعني أن هناك تحوّلاً تركياً وأوروبياً في التعامل مع قضية اللاجئين، داعين للوقوف على الأسباب الحقيقية التي تدفع بهؤلاء للمغامرة بحياتهم في البحر، في وقت يتم فيه الحديث عن مقايضة يغضّ فيها الأوروبي الطرف عن إغلاق تركيا للحدود مع سورية، والموافقة على منطقة آمنة بعد أن كانت محل اعتراض في السابق.
وعن أسباب دعوة كل من ألمانيا واليونان وتركيا لتدخّل حلف شمال الأطلسي، يرى مطلعون أن ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية التي تعاني من مسألة الهجرة، أما اليونان فتعرضت للتهديد بالطرد من منطقة "شينغن" وتجد في مهمة الحلف مخرجاً لأزمتها، فيما تُعتَبر تركيا نقطة الانطلاق.
من جهة قانونية، يشير خبراء في العلاقات الدولية إلى أنه ليس هناك من إطار قانوني يسمح بمقاضاة المهربين والمجموعات التي يتم إلقاء القبض عليها في عرض البحر، على اعتبار أنهم ليسوا جماعات إرهابية ولا يهددون الأمن القومي للدول الأوروبية. كذلك، يسأل هؤلاء: هل من الممكن مثلاً لتلك القوة إعادة لاجئ كردي معارض إلى تركيا؟ من هنا لا يمكن فهم تحرك حلف الأطلسي لتنفيذ مهمة كهذه وبسرعة قياسية، وهو ما كان محل انتقاد مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان في أوروبا ومنظمة "برو ازول" الألمانية، التي طالبت الحكومة ووزارة الدفاع الألمانية بتوضيح طبيعة مهمة حلف الأطلسي في بحر إيجه، واتهمت الحلف بأنه يساعد على انتهاك حقوق اللاجئين، مشيرة إلى أنه وفقاً لمعاهدة جنيف والميثاق الأوروبي فإن أسباب اللجوء هي المعيار وليس البلد الذي قدِم منه اللاجئ.
اقرأ أيضاً: قلق أممي من محاولات "الإعادة المبطنة" للاجئين
إلى ذلك، هناك مخاطر في الطريقة التي سيتم فيها إيقاف اللاجئين والمهربين، والتي لم يُعرف تماماً إذا ما كانت ستندرج ضمن عمل حلف شمال الأطلسي أم أن عمله مجرد اعتراض لهذه القوارب وإيقافها، وبالتالي أمام هذا الواقع، لا يمكن الحديث إلا عن عسكرة قضية اللاجئين بعد تكليف الحلف بالمشاركة في إدارتها، في حين أنه كان من الممكن رصد هذه الجماعات على البر التركي وقبل انطلاق المراكب التي تقل المهاجرين، وهو ما لم يتم توضيحه.
ويعزو بعض المراقبين أسباب المهمة إلى فشل الاتحاد الأوروبي في تنظيم وإدارة ملف أزمة الهجرة بين دوله، وإخفاقه في إرساء فكرة حرس الحدود، وهذا ما يدفع البعض للتأكيد أنه من دون الرعاية الأميركية فإن سياسة الدفاع الأوروبية تفتقر إلى استراتيجية التكامل، عدا عن المراوحة في تنفيذ خطة العمل مع تركيا التي تطرأ عليها بين القمة والأخرى تحوّلات من خلال رفع كل طرف لسقف شروطه ومطالبه، في ظل الوضع المتأزم في المنطقة وتزايد أعداد المغادرين، فضلاً عن توّرط عدد من الدول في التضييق على اللاجئين وتعريض حياتهم للخطر، والدليل الأكبر على ذلك ما يحصل حالياً على الحدود بين مقدونيا واليونان.
ومع إعلان الخطة النهائية التي حددت المنطقة البحرية التي ستعمل ضمن نطاقها السفن في بحر إيجه، أُعلن في ألمانيا نهاية الأسبوع الماضي عن مشاركة سفينة الإمداد الألمانية، "بون"، والتي يبلغ طولها 174 متراً، في المهمة، على أن تتمركز بين جزيرة ليسبوس اليونانية والبر التركي، في وقت لم يستبعد فيه خبراء عسكريون الاستعانة بسفن صغيرة للرصد الكامل للمنطقة الواقعة بين جزيرتي ليسبوس وكوس.
وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، قد أوضحت في حوار صحافي أخيراً، أن مهمة حلف الأطلسي تهدف إلى إعادة استلام زمام الأمور من المهربين وتدمير شبكات التهريب، الذين يقنعون الناس بركوب عباب البحر والمغامرة بحياتهم في طريق محفوفة بالمخاطر، مطالبة المجتمع الدولي بأن يضمن لهؤلاء الأشخاص الفارين من بلاد النزاعات حياة أكثر أمناً، مع طرحها سؤالاً عما إذا كان من الممكن إيجاد طريقة قانونية وإنسانية للضعفاء للوصول إلى أوروبا.
اقرأ أيضاً: تركيا تفرض شروطها على قمّة اللاجئين وتربك الأوروبيين