تبدو حلب مقبلة على تطورات خطيرة، قد يدفع ثمنها المدنيون والمعارضة السورية، وتكرّس روسيا قوة احتلال وتحكُّم بالصراع السوري، إذ كشف تقرير غربي عن نية موسكو بالتعاون مع النظام السوري، شنّ هجوم ضخم ضد المعارضة في حلب بهدف السيطرة على المدينة بشكل كامل بالتزامن مع موعد الانتخابات الأميركية الأسبوع المقبل. ويأتي ذلك بعدما نجحت المعارضة في تحقيق تقدّم مهم على حساب النظام وحلفائه في الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة حلب، ضمن معركة "ملحمة حلب الكبرى" التي أطلقتها المعارضة يوم الجمعة الماضي. وكشفت صحيفة "تايمز" البريطانية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد قد يشنّان في غضون أيام هجوماً ضخماً على المعارضة في شرق حلب بهدف السيطرة على المدينة بشكل كامل. ونقلت الصحيفة عن مصدر استخباراتي غربي توقّعه تصعيد الهجمات الجوية الروسية على حلب كجزء من استراتيجية موسكو لإعلان النصر هناك، محذراً من أن يؤدي ذلك إلى "عواقب إنسانية كبيرة". وحُدّد الهجوم المتوقع، ليتزامن مع انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
في المقابل، ذكرت صحيفة "اندبندنت" البريطانية نقلاً عن مراقبين، أن منطقة شرق حلب هي آخر معقل بشري رئيسي للمعارضة السورية، واستعادة النظام السيطرة عليها ستحوّل الدفة لصالحه، ويعزز موقف الأسد بما فيه الكفاية للسماح لروسيا بالبدء في الخروج العسكري من الحرب السورية. وأشارت إلى أن روسيا أرسلت إلى سورية منذ أسبوعين أكبر قوات عسكرية منذ الحرب الباردة، والتي شملت ثماني سفن حربية وحاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف"، ومن المقرر أن تصل إلى اللاذقية السورية يوم الأربعاء.
هذه الأنباء لم تنفها موسكو، ونشرت وكالة "روسيا اليوم" الخبر، ناقلة كلاماً للفريق أول الروسي ليونيد إيفاشوف، والذي قال لوكالة "إنترفاكس" الروسية تعليقاً على تسيير روسيا قافلة السفن المذكورة: "سوف يتسنى لنا وللمرة الأولى في تاريخ روسيا المعاصر استخدام الطائرات البحرية في القتال الفعلي لا في المناورات. وعلى ما يبدو فإنه سيوكل للمروحيات والطائرات الحربية التي تحملها "كوزنيتسوف" الإقلاع وتنفيذ مهام معينة، فيما لم يسبق أن جرى استخدام الطائرات البحرية لتنفيذ مهام فوق اليابسة".
وجاء ذلك مع رفع نبرة التهديدات الروسية، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تعتبر "جميع المسلحين في أحياء حلب الشرقية، أهدافاً مشروعة، كونهم متعاونين مع جبهة النصرة" (جبهة فتح الشام)، مضيفاً أن روسيا ستراجع تقييماتها بشأن الهدنة. وأشار لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القبرصي إيوانيس كاسوليديس في موسكو أمس، إلى أن "تقييمات شركاء روسيا الغربيين تفيد بأن عدد مسلحي النصرة في أحياء حلب الشرقية، لا يتجاوز مئتين أو ثلاثمئة"، قائلاً إنه "حتى وسائل الإعلام الغربية، بدأت تقر بأن النصرة هي التي تقود الهجمات التي تنفذ انطلاقاً من تلك الأحياء"، معتبراً أنه "من المستحيل أن ينفذ مثل هذا العدد القليل من المسلحين كل عمليات القصف هذه على المنشآت المدنية". وأضاف: "ذلك يؤكد مرة أخرى أن بقية المسلحين المتواجدين في حلب الشرقية، يبقون، بإرادة أو بغير إرادة، متواطئين في جرائم النصرة".
أما في التطورات الميدانية، فقد استمرت المواجهات العنيفة لليوم الرابع على التوالي في أطراف مدينة حلب الجنوبية الغربية، إلا أن وتيرة هذه المعركة التي أطلقتها المعارضة يوم الجمعة الماضي تحت اسم "ملحمة حلب الكبرى" انخفضت أمس الإثنين، قياساً بالأيام السابقة. وراوحت مواضع السيطرة الجديدة للقوات المهاجمة التي تسعى لفك حصار النظام عن شرقي حلب، في مكانها، وسط محاولات قوات النظام صدّ الهجوم المتعدد المحاور بمختلف الوسائل، وكان آخرها إلقاء المروحيات العسكرية أمس، برميلاً متفجراً، قالت مصادر في المعارضة السورية، إنه يحوي "غاز الكلور السام" على حي الراشدين، ما تسبب بوقوع حالات اختناق.
وتواصلت المواجهات بين قوات النظام والمليشيات التي تسانده من جهة، مع فصائل "جيش الفتح" والمعارضة التي تحاول إحكام الحصار على الأكاديمية العسكرية، وهي أحد أهم معاقل النظام الحربية في حلب، إذ إن خسارة النظام لها، ستؤدي لتحقيق هدف الفصائل المهاجمة، بربط مناطق نفوذها غربي حلب وجنوبها الغربي، مع أحياء حلب الشرقية، والتي تسيطر عليها، ويحاصرها النظام منذ أسابيع من كافة الجهات.
وألقى طيران النظام المروحي، برميلاً متفجراً، يُعتقد أنه يحوي مواد سامة من نوع "غاز الكلور"، في منطقة في حي الراشدين جنوب غرب حلب، بالتزامن مع تواصل المعارك هناك. وأكدت مصادر محلية في المحافظة لـ"العربي الجديد" أن البرميل الذي ألقته مروحيات النظام، استهدف منطقة قريبة من جبهات القتال، ما تسبب في حالات اختناق بين عناصر المعارضة المسلحة، وظهر ذلك بمشاهد بثها ناشطون على الإنترنت، إذ قامت فرق طبية بنقلهم إلى نقاطٍ طبية قريبة. وجاء ذلك بعد يومٍ واحد من اتهام النظام للمعارضة بشن هجوم بغازات سامة على مناطق سيطرته في حلب، الأمر الذي اعتبره ناشطون سوريون معارضون بأنه تهيئة لهجومٍ بغازات سامة من النظام في حلب.
في سياق متّصل، قال "جيش الفتح" صباح أمس الإثنين، إنه كبّد قوات النظام والمليشيات الموالية له، خسائر بشرية ومادية، في جبهة قرية منيّان، بالقرب من حي حلب الجديدة جنوب غرب مدينة حلب. وجاء ذلك، على خلفية محاولة ثانية من قوات النظام والمليشيات، للتقدّم إلى مواقع المعارضة في القرية، بدعم جوي ومدفعي، لكن فصائل "جيش الفتح" صدّت هذا الهجوم. وكانت المحاولة الأولى لقوات النظام،قد فشلت أول من أمس الأحد، فبعد نجاحها بداية في استرجاع نقاط خسرتها قبل أيام، خصوصاً قرية منيّان، شنّت فصائل المعارضة هجوماً معاكساً، أعادت فيه سيطرتها على تلك النقاط.
وفي اليوم الرابع لمعركة "ملحمة حلب الكبرى" أمس، وصلت فصائل المعارضة عبر محوري هجوم، إلى منطقتي "مشروع 3 آلاف شقة" وحي حلب الجديدة، بعد أن سيطرت قبل ذلك، على "ضاحية الأسد" وأحكمت نقاط تمركزها في منطقة "مشروع 1070 شقة". ولكن هذا التقدّم، لا يكلل بالنسبة للمعارضة السورية بالنجاح، إذا لم يصل إلى بسط نفوذها على الأكاديمية العسكرية في حلب، وهو ما تسعى إليه، عبر هجوم متعدد المراحل، لتحقيق هدفها الأساسي بالوصول إلى أحياء حلب الشرقية، وفك الحصار عن نحو ثلاثمائة ألف مدني هناك.
في موازاة ذلك، أعلن "الدفاع المدني السوري" في حلب، مقتل مدنيين اثنين وجرح آخرين بينهم أطفال، جراء غارة بصواريخ فراغية من الطيران الحربي التابع للنظام على بلدة الشيخ علي في ريف حلب الغربي، فيما تعرضت مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة في حلب لهجماتٍ جوية مماثلة.
أما في شرقي المحافظة التي باتت تشهد أعنف المعارك الميدانية هذه الأيام، فقد سيطرت فصائل "الجيش السوري الحر" المنضوية ضمن "درع الفرات" على قرية بيلس جنوبي مدينة الغندورة في ريف حلب الشرقي بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويشتد السباق في شرقي المحافظة، بين الفصائل السورية المنضوية في "درع الفرات" المدعومة تركياً، و"قوات سورية الديمقراطية" المدعومة أميركياً، للسيطرة على المناطق التي يخسرها "داعش" هناك، خصوصاً أن التنظيم مُني في الأسابيع القليلة الماضية، بسلسلة هزائم كبيرة، أدت لتقهقر دفاعاته شرقي حلب بصورة غير مسبوقة، منذ إخضاعه تلك المناطق لسيطرته تدريجياً، منذ سنة 2014.
ويبلغ هذا السباق أشده هذه الأيام، والتي يتصاعد الحديث فيها عن اقتراب بدء معركة مع التنظيم، لطرده من مدينة الباب، وهي أهم معقلٍ له في ريف حلب الشرقي. وأعلن ما يُعرف بـ"جيش الثوار" المنضوي تحت راية "قوات سورية الديمقراطية" أمس، سيطرته على قرى في ريف حلب الشمالي الشرقي، بعد انسحاب "داعش" منها أبرزها حاسين، وحليصة.
وكان التنظيم قد انسحب منذ يومين من مدرسة المشاة، وقرى تل شعير، كفر قارص، تل سوسيان، وغيرها، إذ أعلن النظام السوري بعد ذلك، سيطرته على تلك المواقع، التي كانت تحت سيطرة المعارضة قبل أن يقتحمها "داعش" منذ سنة تقريباً.
وفي سياق التطورات الميدانية في سورية أمس، وغير بعيد عن حلب، سقط قتلى وجرحى بينهم ناشط إعلامي، بقصفٍ من طيران النظام، على مناطق في ريف حمص الشمالي. وأدى قصف طيران النظام لقرية الزعفرانة، إلى مقتل الناشط الإعلامي والمصور عبد السلام كنعان أثناء تغطيته للغارات الجوية على القرية، بحسب ما أفاد به مدير "مركز حمص الإعلامي" أسامة أبو زيد لـ"العربي الجديد". وفي حماة المجاورة، أعلن "جيش النصر"، وهو تجمّع لفصائل من الجيش الحر، عن مقتل وجرح عناصر من قوات النظام، إثر استهدافهم في محيط مدينة طيبة الإمام في ريف حماة الشمالي بالرشاشات والقذائف، في حين قصفت قوات النظام أماكن في بلدة طيبة الإمام ومحيطها.
إلى ذلك، أفاد مصدر في الدفاع المدني بريف دمشق لـ"العربي الجديد" بسقوط جرحى في صفوف المدنيين بينهم أطفال جراء غارة جوية من طيران النظام على الأحياء السكنية في مدينة سقبا بالغوطة الشرقية، في حين فجّرت قوات النظام بناء في مدينة حرستا، تزامناً مع غارات من الطيران الحربي على أطراف مدينة عربين وبلدتي الشيفونية.
أما في جنوبي البلاد، فقد ذكرت مصادر محلية أمس لـ"العربي الجديد"، بأن مقاتلين من المعارضة السورية المسلحة، تعرضوا مساء الأحد، لكمين من قوات النظام أثناء محاولة اقتحامهم لما يعرف بـ"الكتيبة المهجورة" قرب بلدة إبطع في ريف درعا الشمالي على طريق دمشق درعا القديم، حيث قُتل وفُقد أكثر من خمسين عنصراً من مقاتلي المعارضة. وجاء ذلك بعد أن كانت المعارضة السورية أعلنت عن بدء معركة، تهدف للسيطرة على تلك النقطة العسكرية، وأطلقت عليها اسم "صد الطغاة"، إذ حققت خلال الساعات الأولى من المعركة، تقدّماً، لكن بحسب الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، فإن المعركة التي كانت تسير بشكل ممتاز، وتمكّن الجيش الحر فيها من السيطرة والتقدّم، أفضت لاحقاً ونتيجة لـ"اندفاع الجيش الحر والتعطش لعمل عسكري ناجح في الجنوب، لوقوع مقاتلي الفصائل المهاجمة في كمين من قوات النظام التي استغلت القصف العنيف على المنطقة والتفت على الكتيبة المهجورة ولم يتمكن من دخل إلى الكتيبة من الخروج منها بسبب قطع الطريق من قوات النظام".