وهدد رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بالاستقالة من قيادة الحزب في حال قرر مجلس شورى الحركة قبول عرض بوتفليقة بالمشاركة في الحكومة المقبلة. وقال مقري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المنطق السياسي يفرض علي الاستقالة في حال قرر مجلس الشورى الدخول في الحكومة. أنا أبلغت رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، بموقفي الشخصي وموقف الهيئة القيادية الحالية للحركة، التي تعارض مسألة المشاركة في الحكومة بسبب عدم التزام السلطة بتنفيذ ضمانات حياد الإدارة وتزوير الانتخابات. وأكدت له أن مجلس الشورى، الذي يعقد نهاية الأسبوع الحالي، هو المخول باتخاذ القرار النهائي". وكان مقري يتحدث عن لقاء سابق جمعه برئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، بطلب من الأخير، بصفته المكلف، بشكل غير معلن من قبل بوتفليقة، بإجراء مشاورات أولية لتشكيل الحكومة، إذ أبلغه بعرض رئاسي لـ"إخوان" الجزائر للمشاركة في الحكومة. ويحاول مقري، عبر تهديده بالاستقالة من قيادة الحزب، ممارسة ضغط إضافي على مجلس الشورى للتصويت ضد قرار المشاركة في الحكومة.
وفي السياق ذاته، أعلنت كوادر عليا في الهيئة القيادية للحركة عزمها على تقديم استقالتها من قيادة الحركة في حال قرر مجلس الشورى المشاركة في الحكومة. وأعلن القيادي في الحركة، نصر الدين حمدادوش، أنه سيستقيل من المكتب الوطني للحزب إذا تقررت المشاركة في الحكومة. واعتبر أنه لا يتعين على الحركة المشاركة في حكومة فاشلة وتحمل تبعات فشلها. وقال "إذا كانت الحركة خسرت هذه الانتخابات، وهي أقلية برلمانية، فالمنطق الديمقراطي يفرض عليها الموقع السياسي في المعارضة. وإذا كانت نتائج الانتخابات التشريعية أثبتت أن الحركة هي القوة السياسية الحقيقية الأولى في البلاد، بعد جهازي السلطة، بالرغم من التزوير المفضوح، فهذا يؤكد أن خيار المعارضة هو ما أعطاها هذا الزّخم والاحترام، فلمَ التلوث بالمشاركة في الحكومة الفاشلة؟". ويذهب إلى الموقف نفسه عدد من كوادر الصف الأول في الهيئة القيادية الحالية، التي انبثقت عن مؤتمر نهاية العام 2012، والذي قرر نقل الحركة من خيار المشاركة في الحكومة إلى صف المعارضة، بعدما كانت الحركة قررت في يونيو/ حزيران 2012 فك الارتباط بالتحالف الرئاسي وعدم المشاركة في الحكومة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية التي كانت قد جرت في مايو/ أيار من العام ذاته.
لكن هذا التيار الداعي إلى الاستمرار في خيار المعارضة، بعيداً عن العودة إلى أحضان السلطة والمشاركة في الحكومة، يقابله تيار ثانٍ داخل الحركة، بقيادة رئيس الحركة السابق، أبو جرة سلطاني، والذي أعلن بوضوح عن موقفه الداعي للمشاركة في الحكومة، بسبب ما يصفه بإخفاق خط المعارضة. ونشر سلطاني مذكرة سياسية، وصف فيها العرض الرئاسي للمشاركة في الحكومة بأنه عرض سياسي جاد. وقال إن "الإرادة السياسية لتجديد دم الحكومة فتحت منافذها للشركاء في مسعى نحسبه جاداً لبناء قاعدة وطنيّة واسعة لمواجهة المستقبل". وطالب بمراجعة خيار المعارضة بالنسبة إلى حركة "إخوان" الجزائر، على أساس أن "حصاد الخطين (المشاركة والمعارضة) صار بين أيدينا بلغة الأرقام، وثمرتا المنهجين ذاقت طعمَهما قواعدنا النضالية بين الأمس واليوم، والحسم في الخيارات بات وشيكاً، ولا يحتاج إلى طول انتظار وترقب". واعتبر أن لجوء القيادة الحالية إلى مبرر التزوير لتبرير إخفاق الحركة في الانتخابات الأخيرة، و"الحديث عن التزوير ليس طارئاً جديداً، فعمر التزوير في صناديق الاقتراع 20 سنة قابلة للتجديد والتمديد". وأكد سلطاني أن موقف حركة مجتمع السلم، التي تمثّل القوة السياسية الثالثة على الساحة الجزائرية، والذي يهدف إلى خدمة الجزائر لا يجب أن "يتأثر بهزة انتخابية ظرفيّة عارضة، لها ارتدادات إيجابيّة في كواليس صناع القرار، الذين يعرفون أن وعاءها الانتخابي أكبر مما نطقت به صناديق الاقتراع. ومهما يكن قرار مجلس الشورى المرتقب، فإنّ المشاركة في الجهاز التنفيذي ليس جريمة سياسيّة، كما أنّ الاستعفاء لن يكون نهاية العالم". ويذهب أبو جرة سلطاني، الذي أعلن "إخوان" الجزائر خلال قيادته للحركة، فك الارتباط بالتحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة وعدم المشاركة في الحكومة في 2012، إلى أبعد من ذلك، إذ إنه يطالب بسحب نواب الحركة من البرلمان في حال قرر مجلس الشورى عدم المشاركة في الحكومة.
غير أن النقاش السياسي الحاد انتقل من مستوى تصريحات قيادات التيارين داخل "إخوان" الجزائر إلى القواعد وصفحات التواصل الاجتماعي، في مؤشر يؤكد، من جهة، تجاوز الحزب الإسلامي لمحددات المشيخة والزعيم في صناعة القرار، والدخول المباشر للقواعد والكوادر المحلية في طرح موقفها والتأثير على المواقف القيادية من جهة ثانية. ويقدر مراقبون أن حركة مجتمع السلم، التي تعرضت إلى انقسامات سياسية في 2008 و2012، لا تتجه للمشاركة في الحكومة. ويعتبر المحلل السياسي، مروان الوناس، أن "حركة مجتمع السلم لا تتجه في الظرف السياسي والتنظيمي الحالي إلى المشاركة في الحكومة. إن التيار الذي يدعو للبقاء في المعارضة يملك مبررات أكثر من تيار المشاركة، على اعتبار أن السلطة نفسها رفضت تطوير مشاركة إخوان الجزائر في الحكومة إلى شراكة جدية في الحكم"، وهو ما أدى بـ"إخوان" الجزائر إلى التأكيد أكثر من مرة أنهم يشاركون في الحكومة وليس الحكم.