حكومة الأسد تستسلم أمام تهاوي الليرة السورية

16 مايو 2014
سعر صرف الدولار إلى حدود 170ليرة (جوزيف عيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

 

مضت مهلة الشهر التي أعلنتها الحكومة السورية لإعادة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى "150 ليرة للدولار" لكن الليرة استمرت في تمردها، وها هي تتعدى 170 ليرة، في السوق الهامشية، وفي ساحة المرجة، التي لا تبعد خمسمئة متر عن المصرف المركزي وسط العاصمة دمشق.

وغاب مجلس النقد والتسليف، الذي عود السوق النقدية السورية على ضخ نحو 50 مليون دولار أسبوعياً، يعطيها لشركات الصرافة وبعض المصارف المتعاونة معه، خلال ما أسماه جلسة تدخل مباشر عن سوق الصرف هذا الاسبوع. ولم يبرر "المركزي السوري" أسباب غيابه، بل واستعاض عنها بقرار الزام جميع المصدرين بتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير للبضائع المراد تصديرها.

والزم القرار الذي نشرته وكالة الأنباء السورية"سانا" المصدر بإعادة 50% من قيمة القطع الأجنبي الناجم عن عملية التصدير وفق ما هو محدد في الفاتورة المقدمة للمصرف إلى حساب يسمى "حساب قطع التصدير" وهو حساب شخصي باسم المصدر مفتوح لدى مصرفه ويستخدم حصراً على أن يتم بيع هذه المبالغ إلى المصرف منظم تعهد التصدير فور ورود الحوالة. وذلك وفق نشرة أسعار صرف العملات الأجنبية الخاصة بالمصارف الصادرة عن مصرف سورية المركزي بيوم تنفيذ عملية البيع .

وما يدلل، على عدم توفر"سيولة دولارية" لدى المركزي، ليتدخل في تصويب الخلل بين المعروض الدولاري والطلب المتزايد عليه، والذي أدى لاستمرار تراجع سعر صرف الليرة، بل لجأ " المركزي السوري" إلى طرائق يؤمن خلالها "القطع الأجنبي" ليسدد فواتير استيراد الأغذية وثمن الأسلحة التي يستوردها النظام لقمع شعبه، وآخرها صفقة الطائرات الروسية ، حيث سدد 100 مليون دولار ثمن 36 طائرة، كدفعة من قيمة الصفقة الإجمالية لـ130 طائرة والبالغة 550مليون دولار .

وفي ظل تراجع موارد الخزينة في سوريا، بعد الحرب التي أعلنها النظام على الثورة منذ ثلاث سنوات، توقفت السياحة بشكل كامل وما يتأتى خلالها من قطع أجنبي.

 ورغم محاولات الحكومة ضخ الدم في هذا القطاع المشلول عبر جرعات اسعافية، كان آخرها"سوق الاستثمار السياحي"  والذي لم تبع خلاله أي دفاتر شروط لأي مشروع من الاستثمارات التي طرحتها الوزارة في مدينتي طرطوس والسويداء.

وكذا لجهة الترانزيت الذي كان يدر أموالاً إلى سوريا، نتيجة"نعمة الجغرافيا" وخاصة خلال انتعاش العلاقات مع الجار الشمالي تركيا، ووصول حجم التبادل لأكثر من 3 مليارات دولار قبل الثورة، لأن سوريا تكاد تكون الممر الالزامي لتركيا، وأوروبا، للوصول للمنطقة العربية.

وما قيل عن السياحة والعبور يمكن سحبه على الصادرات والإنتاج، ومضاف لكل تلك العوامل التي أتت على قوة سعر الصرف، تبديد نحو 18 مليار دولار كانت تتغنى بها دمشق قبل آذار 2011.

الآن، بدأ يتردد سيناريوهات عدة عن آليه تدخل المصرف المركزي لحماية الليرة من الانهيار،أحد تلك السيناريوهات، أن الحكومة السورية ستخفف من التدخل المباشر بسعر الليرة، وتبقي على الدور القمعي والرقابي، خلال حملة بشار الأسد الانتخابية على الأقل. وبرر مؤيدو هذا الطرح، بقولهم "كي يحس المواطن بقوة حكم بشار الأسد ويقارن فيما لو ذهب من السلطة".

ولكن لم يصل الظن بأنصار هذا الطرح أن تعوّم السلطات النقدية  الليرة ، لأن ذلك سيؤدي لتدهور سعرها، وربما لانهيارها، بعد فقدان كل مبررات الدعم والقوة والثقة .

وهنالك سيناريو آخر، وهو أن يتعمد  المصرف المركزي عدم التدخل بشكل دوري"كل يوم ثلاثاء" لأن بعض "المتربصين" يمتصون كل ما يضخ من دولارات في السوق خلال يوم أو يومين، ما يعيد سعر الليرة إلى ما كانت عليه، بل وتتراجع، فملايين الدولارات التي ترمى بالسوق عبر شركات الصيرفة، تباع بالسعر الرسمي الذي لا يتجاوز 154 ليرة للدولار، لكن واقع السوق السوداء يفرض نفسه، ويتراجع سعر صرف الليرة، بعد نفاد السيولة لدى مكاتب الصيرفة وبعض المصارف، لذا يبرر هؤلاء، أن المصرف المركزي يريد ملاحقة "تجار العملة" بدليل إغلاق ست شركات صرافة بدمشق وسجن أصحابها .

في حين يذهب آخرون لتوقع تدخل مجلس النقد والتسليف بأي لحظة، لأن النظام السوري الذي صمد أمام انهياره من بوابة الاقتصاد، لن يسمح بتهاوي سعر الليرة، وإن اعتمد الآن على ما يدخل للمعارضة من عملات أجنبية، لكي يحدث توازناً، نسبياً في السوق النقدية السورية .

إذاً، وأياً كانت الطروحات والمبررات، تبقى حقيقتان اثنتان يلمسهما المواطن السوري .

الأولى  أن الليرة فقدت أكثر من 140% من قيمتها منذ بداية الثورة، "الدولار يساوي 48 ليرة في آذار 2011 " ما حمّل السوريين في الداخل عبئاً إضافياً، أمام ثبات أجورهم وارتفاع الأسعار .

والثانية أن حكومة بشار الأسد، التي وعدت قبل أكثر من شهر، عبر اجتماعها الدوري الأسبوعي، بعودة سعر صرف الدولار إلى حدود 150 ليرة، لم تستطع الإيفاء بوعدها، ما يعني أن ثمة ضائقة يعيشها النظام وإيثاره نجاح حملته الانتخابية على معيشة المواطنين .

 

دلالات
المساهمون