حكومة أوروبية موحدة... حلم فرنسي متجدد تعيقه الخلافات

21 يوليو 2015
يريد هولاند دوراً أكبر في الساحة الأوروبية (فرانس برس)
+ الخط -
لم تلق دعوة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى إنشاء حكومة أوروبية، ردود فعل حماسية من نظرائه الأوروبيين. ويعزو مراقبون غياب ردود الفعل إلى كون الزعماء الأوروبيين المتخبطين في الأزمة اليونانية يرون في هذا المقترح فكرة قديمة كان قد أطلقها رئيس المفوضية الأوروبية السابق، الفرنسي جاك دولور، وأعاد إطلاقها هولاند لغايات سياسية داخلية أكثر منها أوروبية.

وكان هولاند قد نشر، يوم الأحد الماضي، مقالاً في صحيفة "لوجورنال دو ديمانش"، دعا فيه إلى تعزيز مؤسسات منطقة اليورو، وأعرب عن استعداد فرنسا لتشكيل نواة أوروبية طلائعية مع البلدان التي ترغب في ذلك. واقترح الرئيس الفرنسي إنشاء حكومة اقتصادية أوروبية لدول منطقة اليورو، ومنحها ميزانية مالية محددة، مع برلمان يضمن مراقبتها ديمقراطياً. واعتبر هولاند أن حكومة من هذا النوع كفيلة بحل الأزمات التي قد تعصف مستقبلاً بالاتحاد الأوروبي، على غرار الأزمة اليونانية الحالية.

اقرأ أيضاً: مستقبل مجهول ينتظر أوروبا بعد أزمة اليونان

إلا أنّ معلقين فرنسيين اعتبروا اقتراح هولاند لحكومة أوروبية في سياق الأزمة اليونانية، بمثابة اقتراح غير واقعي، بالنظر إلى الخلافات الأوروبية العميقة التي فجرتها الأزمة.
وعكست هذه المقترحات عزم هولاند على أداء دور طلائعي في الساحة الأوروبية، بعد الوساطة التي قام بها أخيراً بين اليونان وألمانيا من أجل التوصل إلى اتفاق مع الدائنين، وإشهاره رفضاً فرنسياً قاطعاً لأي خروج محتمل لليونان من منطقة اليورو. غير أن الرئيس الفرنسي أطلق في الواقع فكرة "فضفاضة" تفتقر إلى الدقة. وهو لم يعط أي تفاصيل عن الآلية التي ستعمل وفقها هذه الحكومة الأوروبية الموحدة، ولا عن خلفيتها الدستورية. غير أن رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، أكد في تعقيب له على مقترحات هولاند أنّ فرنسا ستقدم إلى نظرائها الأوروبيين لاحقاً تفاصيل موسعة حول المقترحات. وقدم فالس تفسيراً لفكرة هولاند حول استعداد فرنسا لتكوين نواة طلائعية أوروبية في منطقة اليورو، حين قال إنّ الأمر يتعلق بالدول الست المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي، وهي كل من: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا ولوكسمبورغ.
وفي معرض دعوته إلى حكومة أوروبية، اقترح هولاند أيضاً فكرة إنشاء برلمان لمنطقة اليورو لمراقبة هذه الحكومة، في إطار نظام ديمقراطي شفاف. لكن الفكرة ليست بجديدة، إذ سبق أن أطلقها منذ أعوام المفكر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي.
لكن هذه الفكرة أيضاً تحتاج إلى توضيحات دقيقة؛ لأن الاتحاد الأوروبي لديه برلمان أوروبي مقرّه الرسمي في ستراسبورغ في فرنسا، وهو يضم نواباً أوروبيين من منطقة اليورو، وأيضاً من بلدان خارجها مثل بريطانيا.
والواقع أن الإضافة الأساسية التي حملتها مقترحات هولاند تتمثل في لفته الانتباه إلى أنّ دول منطقة اليورو صارت كتلة مالية واقتصادية قوية مع مرور الأعوام، لكنها تظل تفتقر إلى نظام سياسي موحد قوي كفيل بالتصدي لأزمات من نوع الأزمة اليونانية، والتي بيّنت أنّ معالجة الأزمة تنبع من إرادة سياسية تتجاوز الحسابات المالية.
يبقى أن فكرة حكومة أوروبية موحدة، هي حلم قديم ظل يراود مؤسسي الاتحاد الأوروبي منذ عقود، لكنه لا يزال يصطدم بعقبات كثيرة، لا سيما في السياق الحالي الذي يشهد صعوداً مدوياً للأحزاب اليمينية المتطرفة والتيارات القومية التي تعتبر الاتحاد الأوروبي عدواً لدوداً للدولة القومية. وتضع هذه الأحزاب نصب أعينها الخروج من منطقة اليورو، باعتبار أن العملة الأوروبية الموحدة قضت على العملات الوطنية التي كانت رمزاً أساسياً للسيادة الوطنية.
كما أن الأزمة اليونانية أعطت برهاناً جديداً لخصوم الاتحاد الأوروبي، لكون الاتفاق الجديد مع اليونان أظهر أنّ الأخيرة فقدت كل مقومات السيادة أمام الاتحاد الأوروبي، وصارت الحكومة اليونانية وكأنها "حكومة حماية أوروبية".

اقرأ أيضاً: أزمة اليونان تكشف عن تفاقم الانشقاقات في منطقة اليورو

المساهمون