استمع إلى الملخص
- **تحديات ما بعد الحراك الشعبي:** لويزة حنون لم تتمكن من الترشح بسبب متغيرات ما بعد الحراك الشعبي وضعف نتائج حزبها في الانتخابات المحلية، مشيرة إلى ممارسات بيروقراطية استهدفتها.
- **صعوبات جمع التوقيعات:** زبيدة عسول والبروفيسور جمال عباس فشلا في جمع التوقيعات المطلوبة، مما يعكس الفرق بين الصخب الإعلامي والواقع الميداني.
أخفقت شخصيات سياسية بارزة في جمع توقيعات الاكتتاب للترشح وخوض غمار الانتخابات الرئاسية الجزائرية القادمة، والمقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، على الرغم من تجربتها وحضورها اللافت في المشهد السياسي. ويطرح ذلك تساؤلات عما إذا كان هذا الإخفاق ذاتياً ناتجاً عن سوء إدارة حملة جمع التوقيعات والفارق بين واقع الحضور السياسي لهذه الشخصيات والصخب الذي تحدثه إعلامياً، أم أنه نتاج تحييد سياسي وعرقلة استهدفت استبعادها من المشهد الانتخابي والسياسي لاعتبارات مختلفة.
شخصيتان على الأقل، فاجأ غيابهما عن لائحة مرشحي الانتخابات الرئاسية الجزائرية الذين استوفوا جمع التوقيعات المطلوبة للترشح، وفشلا برغم مهلة 40 يوماً في جمع التوقيعات، وهما رئيسة حزب العمال لويزة حنون، والقاضية السابقة ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، بينما كانت التوقعات تذهب في اتجاه إمكانية أن تنجحا في اجتياز امتحان التوقيعات، خاصة لويزة حنون التي سبق أن شاركت في ثلاثة استحقاقات رئاسية سابقة سنوات 2004 و2009 و2014، كانت نجحت خلالها في توفير شروط الترشح ولعبت أدواراً متقدمة في تلك الاستحقاقات.
إلا أن متغيرات ما بعد الحراك الشعبي على المستوى السياسي من حيث تركيبة السلطة ومجتمع الناخبين من جانب آخر، لم تتح لحنون هذه المرة استيفاء شروط الترشح، وهي التي كانت تتطلع إلى المنافسة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، خاصة لرد الاعتبار السياسي لشخصها، بعد اعتقالها لتسعة أشهر عام 2019، في ما تعرف بقضية التآمر على سلطة الجيش والدولة في أعقاب مشاركتها في اجتماع مع شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره، والقائدين السابق والقائم حينها بجهاز المخابرات، وأسهم ضعف نتائج حزب العمال الذي تقوده حنون في الانتخابات المحلية عام 2021، في عدم توفر النصاب القانوني من المنتخبين (600) الذين كان يمكن أن تمنح توقيعاتهم حنون تأشيرة الترشح وخوض الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة.
لكن لويزة حنون لا تبدو مقتنعة بهذه الأسباب الموضوعية لفشلها في الترشح، وتعتبر أنه تم تحييدها من طرف السلطة عبر عرقلة عملية جمع التوقيعات، فضلاً عن ممارسات بيروقراطية استهدفتها، وقالت السبت الماضي، لدى اعلان انسحابها من الترشح، إنه تم "فرض ظروف سياسية لإقصائنا من الاقتراع المقبل، وظروف لا تكرس حرية الترشح التامة ولا تسمح للمواطنين بممارسة احتكامهم الحر"، وحملت السلطة مسؤولية عرقلة ترشحها، مضيفة: "سجلنا عدداً من المعطيات السياسية الخطيرة التي استهدفتنا خصيصاً، وتثبت المعلومات الخطيرة التي بحوزتنا والوقائع التي تأكدنا منها وجود نية لإقصاء مرشحة حزب العمال من الرئاسيات، ومن ثم مصادرة حرية الترشح للانتخابات".
مرشحة أخرى كانت أول شخصية سياسية تعلن الترشح للرئاسيات، وهي رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، والتي كانت بين الشخصيات البارزة في فترة الحراك الشعبي عام 2019 ، وبرزت سياسياً أكثر منذ تلك الفترة، ونشطت كثيراً محاميةً ضمن هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي، وكان يتوقع أن يساعدها كل ذلك على توفير التوقيعات المطلوبة، خاصة من طرف كتلة هامة من نشطاء الحراك الشعبي سابقاً الذين اقتنعوا بفكرة التنظم السياسي، لكنها أخفقت في ذلك، وانتقدت الظروف والموانع الكبيرة والصعوبات التي أحاطت بجمع التوقيعات، وألقت بالإخفاق على عاتق سلطة الانتخابات بسبب ضيق الوقت والتدابير الجديدة، وقالت أمس الخميس: "مشاركتنا في الانتخابات الرئاسية كانت بهدف تغيير نموذج الحوكمة في بلادنا، عملية جمع التوقيعات ليست بالأمر الهين وهي مسألة معقدة".
إضافة إلى كل من حنون وعسول، كان فشل البروفيسور جمال عباس في توفير التوقيعات المطلوبة، مفاجأة لمؤيديه، بعد حضور طاغٍ له منذ فترة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستقطابه لفئات واسعة، حيث كان قد نجح في جمع حشد افتراضي واسع من المؤيدين له نتيجة إدارته الناجحة لوسائل التواصل الاجتماعي، وتوقع كثيرون أن يكون ضمن لائحة المنافسين في الانتخابات المقبلة، لكنه تخلف عن ركب المترشحين ورفع الراية البيضاء قبل انتهاء الآجال القانونية، حيث أعلن أمس انسحابه، ونشر بياناً جاء فيه: "أعتقد أن إعلان الانسحاب بهدوء يحفظ بريق الحضور وشرف المحاولة، اليوم نغادر بصمت ما دام الآخرون لا يرغبون في وجودنا في السباق الانتخابي، واعلموا جيداً أن مغادرة القطار أفضل ما دامت وجهته مجهولة وأغلبية الركاب في غيبوبة".
وبرأي للباحث محمد دحماني الذي يشتغل على أطروحة حول التسويق السياسي في الجزائر، فإن "هناك دائماً فرقاً بين الصخب السياسي والإعلامي الذي يحيط بشخصية سياسية سواء في الاستحقاقات الانتخابية أو غيرها، وبين الواقع الميداني حيث تتغير المعطيات كثيراً، وقد رأينا في السابق نماذج كثيرة لشخصيات سياسية بارزة في الجزائر فوجئت من نتائجها في الانتخابات، برغم حضورها الإعلامي والسياسي الكبير، وأعتقد أن لويزة حنون بشكل خاص، وزبيدة عسول بدرجة أقل، يشملهن هذا التقييم"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد أن "هناك أيضاً اعتبارات موضوعية تتعلق بمشكلات هيكلية تخص الأحزاب التي تقودها هذه الشخصيات أو لوجيستية تخص الإمكانات من جهة، وباستقالة الشارع السياسي وحالة الإحباط التي تلت فشل الحراك الشعبي عام 2019 من جهة ثانية".