حكواتي: لماذا نصارع الثيران؟

09 اغسطس 2015
حين ينفجر في أكثر المشاهد وحشية ويطال الأعناق (Getty)
+ الخط -
هل يمكن أن تكون مشاهدة قتل ثور، وهو كائن أضعف من الإنسان، وتشجيع هذا القتل والتهليل والرقص له، تعويضاً عن عمق إحساس الإنسان نفسه بالضعف؟ وعن فترات يكون مكانه مدفوعاً بأحلامه الهائجة في مواجهة الحياة التي تثيره أوّلاً، ثم تراقصه، لتضربه بسهامها الصغيرة، وتعذّبه كثيراً قبل أن توجه له ضربة قاضية؟ أم هي رياضة تعبّر عن جبروت وحش ذكي ناطق يسكن دواخلنا ويحبّ أن ينتصر؟ أم هو صراع بين منتهى القوّة ومنتهى الضعف ما يجعل الملايين يدفعون أثماناً باهظة للمشاركة أو لمجرّد الحضور؟

هي رياضة موجودة في العالم رغم ما يدّعيه من تحضّر وتطوّر ورقيّ. هنا في إسبانيا، البلد الأشهر بمصارعة الثيران، تحظى برعاية الدولة والإعلام. يعتبرها الإسبان إرثاً شعبياً تتوارثه الأجيال بفخر، يدلّ على رجولة وجرأة مصارع الثيران أو الإنسان الإسباني عموماً. يرتبط بتاريخ إسبانيا وعراقتها. مؤّيدو هذه الرياضة يعرفون أنّها مصدر سياحيّ أساسيّ.

لكنّ كثيرين يرفضون استمرار هذه الظاهرة في بلادهم ويعتبرونها وصمة عار في القرن الـ21 على جبين البشرية كلّها. لذا نظّموا حملات ضدّها. الشهر الماضي مثلاً، قبل انطلاق المهرجان السنوي، وقف أكثر من 100 شخص ملطخين أنفسهم بالدم أمام ساحة مصارعة الثيران في قلب العاصمة مدريد لمدّة يوم كامل. ارتدوا قرون الثيران على رؤوسهم، في مشهد يعترض على دم الثيران الذي سيملأ شوارع وساحات إسبانيا بعد أيّام. رفعوا لافتات "أوقفوا عذابي" و"لماذا تقتلونني"؟ وقد اهتمّت الصحافة.

هنا في منطقة تسمّى سان سيبستيان ديلوس ريوس، في شمال مدريد، يبدأ في النصف الأول من أغسطس/آب المهرجان السنوي. تُطلق الثيران الهائجة في الشوارع، ويتدافع أمامها آلاف الشباب راكضين في المشهد الشهير. منهم من يحاول إثبات شجاعته أمام الثور ومنهم من يعتبرها عملية تحدّ، ومنهم من يريد فقط أن يجّرب هذا التقليد المجنون المحفوف بالخطورة.

خصوصاً من لا يمتلك الخبرة. العام الماضي مثلاً أصيب أكثر من خمسة شباب أحدهم كانت إصابته خطيرة جدا. وهذا العام أصيب ثلاثة شباب الأسبوع الماضي. أما الحادثة الأبرز فكانت إصابة "الماتادور"، أي مصارع الثيران، في الجولة الأخيرة في ساحة الثيران. بعد أن كان الثور الجريح يئنّ ويصرخ قام بهجوم مباغت قبل أن يسدّد له المصارع الضربة القاضية. وهذا أدّى إلى إصابة الحصان وإيقاع المصارع أرضاً. إذ غرس الثور أحد قرنيه فيه ورفسه. ونجا المصارع بأعجوبة بعدما ثقب صدره وكسر عظم أحد فخذيه.

سينتهي المهرجان هنا منتصف الشهر الجاري احتفالات ورقصاً وغناء. لكن في المقابل أكثر من 300 ألف ثور يقتلون بعد تعذيبهم ويؤخذون إلى المسالخ. ونشهد عدداً من الإصابات في أجساد شباب ومصارعي ثيران قد تودي أيضاً بحياتهم، لينتهي المهرجان بسخط عدد كبير من الناس يتزايد سنوياً.

ينتهي المهرجان ويبقى سؤال: ما الذي يريده فعلا هذا الكائن الغريب، القويّ الضعيف، الحنون الوحش، ما الذي يريده الإنسان؟

اقرأ أيضاً: صرخة الحاج داود
المساهمون