حكواتي: الناطور العراقي النظيف

28 يوليو 2014
الصورة لرون ساثيرلاند / Getty
+ الخط -

يعيش عدنان العراقي في إحدى أكثر المناطق البيروتية اكتظاظا بالسكان. في حيّ يقع على أطراف العاصمة، ترتفع منذ 40 عاما بناية بتسع طبقات. كلّ طابق ينقسم إلى أربع شقق. كأنّها علب مخصّصة للبشر. والبناية تسكنها أكثر من 30 عائلة، جلّهم من ذوي الدخل المحدود والأقلّ من المحدود.

عمل عدنان كناطور للمبنى. هو كان قد ترك الدراسة في بغداد منذ اجتياح القوات الأميركية في العام 2003. ونزح مع زوجته إلى لبنان. غرفة سكن عدنان وزوجته وطفليهما تقع على مشارف فسحة داخلية بالمبنى، خُصِّصَت لخزانات المياه، ومساحة فارغة إلا من بعض القاذورات التي يلقيها السكان.
زرع ابن بغداد في الفسحة أنواعا مختلفة من النباتات، وعلى الحائط الكبير كتب بخطّ عربي جميل: ما أجمل النظافة، جمالها منارة.

عطر عدنان كأنّه شيءٌ من بخور العراق. بقميص أبيض ناصع يجلس الرجل على الكرسي يقرأ رواية أو جريدة. مزروعاته وعبارته كانت محطّ استغراب أكثر من إعجاب. منذ أيّامه الأولى أطلت "إكرام"، الجارة ذات الصوت المرتفع، وصرخت: "يا فيلسوف عصرك، قوم جيب خرطوم المياه وعبي الخزّان". أدرك عدنان نوعية السكان الذين يحيطون به.

بووووووف .صوت كيس نفايات يهوي على الفسحة. يقوم الرجل، يلتقطه ويضعه جانبا. يدخل المصعد فإذا بأوراق علب العلكة الفارغة والشوكولا ملقاة على الأرضية. بعد عام من سكنه، كان عدنان قد غيّر واجهة المبنى. عشرات الملصقات التي تحكي عن النظافة منها: إنّ الله طيّب يحب الطيّب، نظيف فنظّفوا أفنيتكم"، ويوقّعها بـ"حديث شريف". أو: "النظافة من الإيمان". وغيرها من الشعارات الرنّانة للحثّ على النظافة.

11 عاما وعدنان يضع المخطوطات على وقع تساقط أكياس القمامة فوق الفسحة وعليها. لم ييأس الرجل العراقي ولم يتغيّر السكان: بوووووف. كيس آخر يقع أمام نبتة زرعها وأسماها تيمّنا باسم فتاته الصغيرة: "جود". 

11 عاما وصارت جود في العاشرة ، تزيّن لرمضان مدخل المبنى مع والدها. وراحت جود تكتب، هي بدلا من والدها، شعارات النظافة، وترشد أطفال الجيران إلى كيفية المحافظة على الزينة. ولم تفلح الفتاة بعد أبيها. كلّ شيء بقي على حاله. لكنّ جود كتبت عبارة أخرى على الحائط: لا رمضان بلا إيمان ولا إيمان بلا نظافة.

بوووووف. كيس آخر. فأمسكت جود بقميص أبيها وسألته: "هل العراق نظيفة يا أبي؟". فصمت عدنان، نظر إلى جود: "العراق تنتظر جود، وتنتظر مثلك يا أبي كي تكون نظيفة. يوما ما سيكفّون هنا، وسنعود إلى هناك. حين تكبرين، والأطفال هنا، ستجعلون مدننا أجمل". ودخل الأب وفتاته على وقع مدفع الإفطار، إلى حيث أعدّت زوجته طبقا من البرياني العراقي الشهيّ.

المساهمون