حكم العسكر.. مصر والجزائر أنموذجاً
حامد بن عقيل
كلما رأيت جندياً، تذكّرت قصيدة محمد محمود الزبيري: "العسكري بليدٌ للأذى فطنٌ، كأن إبليس للطغيان رباه.. يرمي الرصاص على الأطفال مبتهجاً، ويرتمي ليقبل رجل مولاه"، أو مقولة أظنها لبرنارد شو: "لا تتوقع من جندي أن يفكّر"، فما العسكر إلا أدوات لتحقيق ما تريده الشعوب، وهم شخصيات مهشّمة تُدار ولا تدير، فإذا ما اختل هذا الميزان، وتولوا القيادة فأنت أمام ألمانيا هتلر، أو تشيلي بينوشيه، أو أنك أمام جنرالات الجزائر، والقائمة تطول وصولاً إلى انقلاب مصر الدموي.
ما حدث في مصر 2011 هو تكرار لما حدث في الجزائر، منتصف الثمانينيات. وصل العسكر إلى الحكم بمبرر حماية الوطن، فجعلوا منه مجرد غنيمة حرب يتقاسمها الجنرالات، ويبدّدون ثرواتها، وبطريقتهم التي لا تتغيّر، منذ بدء ظهور الجيوش النظامية على الأرض، يفزع العسكر إلى التهديدات الخارجية، لتبرّر انتهاكات الداخل، ففهم العسكري مصلحة المواطن أكثر من نفسه تبرّر إنشاء المعتقلات وإطلاق الرصاص، حتى على الأطفال. الذهنية نفسها تحت كل سماء وفوق كل أرض هي التي تحرّك العسكر، وهي ذهنية "المنطق الأمني"، حتى يصبح أمن المواطن ليس هدفاً بحد ذاته؛ بل هو أداة للمساومة، فإما أن أحكم أو أن تحل الفوضى، ولعل فتح السجون والمعتقلات في ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر كان شاهداً على هذه الذهنية الانتهازية العقيمة. وعلى مستوى الخارج، لا بد من أن يبحث الجيش عن عدو خارجي، يحشد الجماهير ضده، ويشبعهم بالشعارات والأغاني الوطنية، ليتفرغ لسرقة الداخل، وإن كانت الجزائر قد وجدت ضالتها في قضية الصحراء بينها وبين المغرب، إلا أن مصر تحولت من العدو الصهيوني إلى قطاع غزّة، نتيجة معاهدة كامب ديفيد، فأصبح من لا يعرف غزة وإمكاناتها وضعف حيلتها يعتقد، وهو يسمع إعلام العسكر، أنها دولة عظمى تهدد مصر وأمنها.
العدو الخارجي المفتعل هو ما يبرر استمرار حكم العسكر، وإنك لتعجب من مرور سنوات طويلة، أغلق فيها الجيش الجزائري حدود بلاده مع المغرب، ففي هذه الفترة، لم يبحث العسكر عن حلول، لأنهم لا يريدونها، بل أرادوا أن يستمر التهديد، وتستمر غنيمة الوطن يتقاذفها الجنرالات، بل ويسعون إلى مناصرة كل نظام مستبد، لكي لا تكون الجزائر الأنموذج الوحيد من هذا الحكم، مثلما ساند جنرالاتها نظام بشار الأسد ولا يزالون. وليستمر نظامهم الذي حصدت منه الجزائر، البلد الغني بالنفط والغاز، المعتقلات والفقر وعشرات القتلى، وارتفاع نسبة الجريمة، الآفات الاجتماعية، وانتشار العشوائيات، وتحوّل مدنٍ كثيرة إلى ما يشبه القرى الريفية المُهملة. ومن النتائج الكارثية لحكم العسكر، كما يوثق كتّاب جزائريون، ودبلوماسيون: "اعتُبرت الجزائر العاصمة من بين أسوأ العواصم للعيش فيها، واحتلت بذلك المرتبة 136 من بين 140 دولة. وهروب مئات الآلاف من الجزائريين من وطنهم، والاستقرار في كل دول العالم، بما فيها الدول الإفريقية والآسيوية الفقيرة، وهجرة عشرات الآلاف من الكفاءات الجزائرية إلى كل دول العالم، والتقهقر إلى المراتب المتأخرة في كل التقارير الدولية، على الرّغم من وجود أموال مكدّسة ضخمة تفوق على مئتي مليار دولار من احتياطات الصرف، فعلى سبيل المثال، حققت الجزائر تحت حكم العسكر:
المرتبة 105 من بين 178 دولة في تقرير الفساد من منظمة الشفافية الدولية لعام 2010،
والمرتبة 133 من بين 178 دولة في تقرير منظمة "محققون بلا حدود لحرية الصحافة"، والمرتبة 96 عالمياً في مجال الحوكمة والاستقرار والخدمات، والمرتبة 112 من 121 في مجال تسهيل التجارة الخارجية، والمرتبة 84 من بين 135 دولة في التنمية البشرية، والمرتبة 108 عالميا في مجال الاتصالات، والمرتبة 14 عربياَ و 112 عالميا من بين 139 دولة عالميا في مجال السياحة وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي المتعلق بالقدرة التنافسية للسفر والسياحة لعام 2011، والمرتبة 130 والأخيرة في مجال البحث والابتكار بعد السودان، واليمن والنيجر، والمرتبة 102 عالميا في مجال التنمية، والمرتبة 113 من حيث تمثيل المرأة سياسيا.، ناهيك عن أن أكثر من خُمس الشعب أمي في بلد غني، فقد بلغت الأمية ما يزيد عن 22% في عام 2007.
هذه الجزائر، البلد الغني بثرواته، وما آلت إليه تحت حكم العسكر خلال ثلاثين سنة، فماذا حدث لمصر منذ ثورة يوليو 1952 وحتى انقلاب عبد الفتاح السيسي 2013 وما تلاه؟. توضح ثورة المصريين على نظام حسني مبارك بجلاء أي بؤس عاشه ذلك الشعب تحت حكم العسكر قبل الثورة. ثم جاءت الثورة ليتقاذفها العسكر حتى وصل السيسي إلى الحكم، وحصل على نحو 36 مليار دولار مساعدات من دول الخليج، فأثلج ذلك صدور مصريين كثيرين، توقعوا أن ينتشلهم الحكم العسكري من شظف العيش. لكن، وبعد عامين على الانقلاب الدموي والدعم الخليجي اللامحدود، اكتشف المصريون أن الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً، فارتفعت البطالة إلى أكثر من 13% والفقر إلى 26%، حسب بيانات الجهاز المركزي للمحاسبات الحكومي، كما ارتفعت الديون إلى رقم قياسي إلى 2.3 تريليون جنيه (300 مليار دولار)، ولم يستفد المصريون من مليارات الخليج، واتضح أن كل المشروعات العملاقة وهمية. ولم يتوقف الأمر عند الفشل الاقتصادي، بل تجرعت البلاد طعم الفوضى والقتل والتفجيرات في كل مكان.
هذا غيض من فيض، حول نموذجين اثنين من الدول العربية تحت سلطة العسكر، يثبتان أن على أي مواطن يراهن على أن الحل لدى العسكر أن يراجع حساباته، فهذه الآلة العسكرية بمكوناتها المهشّمة لم تحل بأرض إلا جعلتها يباباً، ولا بوطن إلا حولته إلى خراب لا مستقبل له ولا قيمة.
ما حدث في مصر 2011 هو تكرار لما حدث في الجزائر، منتصف الثمانينيات. وصل العسكر إلى الحكم بمبرر حماية الوطن، فجعلوا منه مجرد غنيمة حرب يتقاسمها الجنرالات، ويبدّدون ثرواتها، وبطريقتهم التي لا تتغيّر، منذ بدء ظهور الجيوش النظامية على الأرض، يفزع العسكر إلى التهديدات الخارجية، لتبرّر انتهاكات الداخل، ففهم العسكري مصلحة المواطن أكثر من نفسه تبرّر إنشاء المعتقلات وإطلاق الرصاص، حتى على الأطفال. الذهنية نفسها تحت كل سماء وفوق كل أرض هي التي تحرّك العسكر، وهي ذهنية "المنطق الأمني"، حتى يصبح أمن المواطن ليس هدفاً بحد ذاته؛ بل هو أداة للمساومة، فإما أن أحكم أو أن تحل الفوضى، ولعل فتح السجون والمعتقلات في ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر كان شاهداً على هذه الذهنية الانتهازية العقيمة. وعلى مستوى الخارج، لا بد من أن يبحث الجيش عن عدو خارجي، يحشد الجماهير ضده، ويشبعهم بالشعارات والأغاني الوطنية، ليتفرغ لسرقة الداخل، وإن كانت الجزائر قد وجدت ضالتها في قضية الصحراء بينها وبين المغرب، إلا أن مصر تحولت من العدو الصهيوني إلى قطاع غزّة، نتيجة معاهدة كامب ديفيد، فأصبح من لا يعرف غزة وإمكاناتها وضعف حيلتها يعتقد، وهو يسمع إعلام العسكر، أنها دولة عظمى تهدد مصر وأمنها.
العدو الخارجي المفتعل هو ما يبرر استمرار حكم العسكر، وإنك لتعجب من مرور سنوات طويلة، أغلق فيها الجيش الجزائري حدود بلاده مع المغرب، ففي هذه الفترة، لم يبحث العسكر عن حلول، لأنهم لا يريدونها، بل أرادوا أن يستمر التهديد، وتستمر غنيمة الوطن يتقاذفها الجنرالات، بل ويسعون إلى مناصرة كل نظام مستبد، لكي لا تكون الجزائر الأنموذج الوحيد من هذا الحكم، مثلما ساند جنرالاتها نظام بشار الأسد ولا يزالون. وليستمر نظامهم الذي حصدت منه الجزائر، البلد الغني بالنفط والغاز، المعتقلات والفقر وعشرات القتلى، وارتفاع نسبة الجريمة، الآفات الاجتماعية، وانتشار العشوائيات، وتحوّل مدنٍ كثيرة إلى ما يشبه القرى الريفية المُهملة. ومن النتائج الكارثية لحكم العسكر، كما يوثق كتّاب جزائريون، ودبلوماسيون: "اعتُبرت الجزائر العاصمة من بين أسوأ العواصم للعيش فيها، واحتلت بذلك المرتبة 136 من بين 140 دولة. وهروب مئات الآلاف من الجزائريين من وطنهم، والاستقرار في كل دول العالم، بما فيها الدول الإفريقية والآسيوية الفقيرة، وهجرة عشرات الآلاف من الكفاءات الجزائرية إلى كل دول العالم، والتقهقر إلى المراتب المتأخرة في كل التقارير الدولية، على الرّغم من وجود أموال مكدّسة ضخمة تفوق على مئتي مليار دولار من احتياطات الصرف، فعلى سبيل المثال، حققت الجزائر تحت حكم العسكر:
المرتبة 105 من بين 178 دولة في تقرير الفساد من منظمة الشفافية الدولية لعام 2010،
هذه الجزائر، البلد الغني بثرواته، وما آلت إليه تحت حكم العسكر خلال ثلاثين سنة، فماذا حدث لمصر منذ ثورة يوليو 1952 وحتى انقلاب عبد الفتاح السيسي 2013 وما تلاه؟. توضح ثورة المصريين على نظام حسني مبارك بجلاء أي بؤس عاشه ذلك الشعب تحت حكم العسكر قبل الثورة. ثم جاءت الثورة ليتقاذفها العسكر حتى وصل السيسي إلى الحكم، وحصل على نحو 36 مليار دولار مساعدات من دول الخليج، فأثلج ذلك صدور مصريين كثيرين، توقعوا أن ينتشلهم الحكم العسكري من شظف العيش. لكن، وبعد عامين على الانقلاب الدموي والدعم الخليجي اللامحدود، اكتشف المصريون أن الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً، فارتفعت البطالة إلى أكثر من 13% والفقر إلى 26%، حسب بيانات الجهاز المركزي للمحاسبات الحكومي، كما ارتفعت الديون إلى رقم قياسي إلى 2.3 تريليون جنيه (300 مليار دولار)، ولم يستفد المصريون من مليارات الخليج، واتضح أن كل المشروعات العملاقة وهمية. ولم يتوقف الأمر عند الفشل الاقتصادي، بل تجرعت البلاد طعم الفوضى والقتل والتفجيرات في كل مكان.
هذا غيض من فيض، حول نموذجين اثنين من الدول العربية تحت سلطة العسكر، يثبتان أن على أي مواطن يراهن على أن الحل لدى العسكر أن يراجع حساباته، فهذه الآلة العسكرية بمكوناتها المهشّمة لم تحل بأرض إلا جعلتها يباباً، ولا بوطن إلا حولته إلى خراب لا مستقبل له ولا قيمة.
دلالات