حكايات "كان": شباب يريدون بطاقات ملونة

26 مايو 2017
حشود الانتظار الطويل قبل كلّ مُشاهدة (العربي الجديد)
+ الخط -
لا تنتهي حكايات "كان"، حتّى بعد إعلان النتائج الرسمية للمسابقات كلّها. قبل ذلك، تضجّ الحياة اليومية بكمّ من اللقطات والحالات، في "قصر المهرجانات" وخارجه، كما في الأمكنة الأخرى التابعة للمهرجان، وخارجها أيضاً. التجوّل في أروقة هذا كلّه مثيرٌ لمتعة المُشاهدة. فالمهرجان السينمائيّ، إذْ يُعتبر الأول والأهمّ في العالم، يبقى أكثر جذباً لعاملين في صناعة السينما، ولنجومها والمهتمين بها، كما لمتابعي أخبار هؤلاء النجوم، ضيوف كلّ دورة من دوراته السنوية. والجانب الاستعراضيّ فيه يُشكِّل مساحةً للفتنة والسحر والجمال، من دون أن يطغى على الفنيّ والإبداعي والجماليّ، أو الاقتصادي والمالي والإنتاجي.


حكايات "كان" مستمَدّة من يومياته، بين صالاتٍ تعرض أحدث الإنتاجات غير المعروضة سابقاً (باستثناء "كلاسيكيات كان"، واستعادات وبرامج تكريمية)، وسهراتٍ تمتدّ حتى فجر اليوم التالي. في حين أن العروض السينمائية، التي تبدأ عند الـ 8 والنصف صباح كل يوم (عروض صحافية)، تُقدِّم آخر عرضٍ عند انتصاف كل ليلة. أما المنصّات، فجزءٌ من لعبة "السوق السينمائية"، إذ لا شيء يعلو فوق المال: مشاريع ولقاءات إنتاجية وترويجية؛ ولقطات من أفلام قيد الإنجاز، تُعرض أمام منتجين أو مموّلين أو ممثلي صناديق منح؛ وصفقات تُعقد، وأخرى تفشل، أو يُؤجَّل البتّ النهائي فيها، إلى مناسبة أخرى.

هذا عالمٌ قائمٌ بذاته. هناك مطبوعات معنية بهذا الجانب لوحده فقط، تُقدِّم معطيات ومعلومات "لمن يهمّه الأمر". عروض السوق حكرٌ على العاملين فيها، لكن صحافيين قليلين ينشرون معلومات، بعضها يُفيد بأن نيكول كيدمان، مثلاً ـ الحاضرة في الدورة الـ 70 لـ "كانّ"، بـ 3 أفلام وحلقتين تلفزيونيتين ـ تُشارك في عرضٍ "سرّي جداً" (!)، لبضع دقائق فقط، "مُمنْتَجَة" خصيصاً بـ "السوق السينمائية"، من النسخة الأميركية لـ Intouchables الذي حقّقه الثنائي الفرنسي إيريك تولدانو وأوليفييه نكّاش عام 2011. تُضيف المعلومة أن المقتطفات معروضةٌ أمام مشترين وموزّعين كثيرين، وأن كيدمان ـ التي تمثّل في النسخة الأميركية ـ حاضرةٌ إلى جانب شريكيها الممثلين كيفن هارت وبراين كرانستن.
لن يتمكّن أحدٌ من معرفة نتيجة المُشاهدة، قبل وقت. هذه أمور تحصل كل لحظة، في سوق سينمائية تُعتبر الأهم في العالم. فاقتصاد السينما يبقى ملكاً للعاملين فيه، ريثما تتأكد الأمور، وإنْ تُنشر، بين حين وآخر، معلومات "غير مؤكّدة". في "كان"، لن تتبدّل الحالة هذه. لكن منشورات ومطبوعات، موزّعة يومياً على نقّاد وصحافيين، تمنح معطيات عملية. مثلٌ على ذلك؟ إقليم "إيل دو فرانس" (المعروف أيضاً باسم "الإقليم الباريسي") "متورّط" مباشرة في دعم إنتاجات فرنسية كثيرة، بينها 14 فيلماً مُشاركاً في "كانّ الـ 70"، في المسابقة الرسمية، كما في برامج أخرى، وخانة التكريم، و"عروض خاصّة". يتضمّن الملف معلومات كثيرة عن المشاريع المنفَّذة، أو الجاهزة للتنفيذ، بالإضافة إلى تحديد المبالغ المدفوعة لكلّ مشروع.

لكن حكايات أخرى، تدور في فلك السينما، تتناثر في زوايا أخرى: فهناك، مثلاً، من يُمضي نهاراً كاملاً أمام المدخل الرئيسي لمقرّ المهرجان، رافعاً لافتاتٍ متفاوتة الأحجام، مكتوبٌ عليها تمنّيات بالحصول على دعوات لمشاهدة هذا الفيلم أو ذاك. غالبية هؤلاء شبابٌ يأتون من مدنٍ فرنسية مختلفة، بسعي حثيث إلى مُشاهدة الجديد، من دون تردّد أو تعب أو تراجع، ويرفعون الصوت قليلاً أمام مدخل مقرّ المهرجان، حيث يخرج النقاد والصحافيون: "هل لديكم بطاقة دعوة لا تريدونها؟".

إنهم طلاب جامعات، أو موظّفون، أو متقاعدون يريدون اكتشاف معنى مُشاهدة فيلمٍ جديد، في مهرجانٍ عريقٍ وفاعل ومؤثّر في المشهد السينمائيّ. بالإضافة إلى ذلك، هناك "هائمون" بالنجوم، وهذا انتظارٌ من نوعٍ آخر: يصطفون طويلاً أمام المدخل الخارجي لفنادق فخمة، تمتد على الـ "كروازيت"، لعلّهم يكتسبون "نعمة" رؤية ضيف يعشقون، وإذا تكرّم الضيف ووقّع على ورقة أو دفتر أو صورة أو منديل لهم، فهذا يعني إما أنهم لا يزلون في حلمٍ، وإما أن الحلم تحقّق، وهم لا يُصدِّقون.

في مقابل أفرادٍ يسعون إلى بطاقة دخول مجانية، تتشكّل حشود طويلة، قبل ساعاتٍ من بدء عروضٍ مختلفة. والحشود تلك يغلب عليها نقّاد وصحافيون وعاملون في صناعة السينما، لا يكترثون بشمسٍ حارقة أحياناً، أو بمطرٍ يهطل قليلاً أو كثيراً بين حين وآخر. يندسّ بينهم، أحياناً، شراة البطاقات، وعلى الجميع انتظار موعد السماح بالدخول (نصف ساعة قبل كل موعد، ثم التأكّد من البطاقات، ثم التفتيش الأمني). أما النقاد والصحافيون، فلديهم بطاقات المهرجان، الموزّعة على ألوانٍ تضع كلّ واحد منهم في خانة مختلفة: فالأبيض، (وإنْ يكن عدد الحاصلين عليه قليلٌ)، يُمنح كتكريم لنقّاد وصحافيين يأتون المهرجان منذ أعوام مديدة، ويعملون في مؤسّسات تُعتَبر الأكبر والأهم، والأوسع انتشاراً، والأكثر تأثيراً. هؤلاء يدخلون فوراً، أي من دون انتظار، ومقاعدهم محجوزة سلفاً. أما اللون الزهر، الذي يحتل المرتبة التالية للأبيض، فنوعان: لون زهر مع دائرة صفراء، وهو ملك مجموعة "مُعزَّزة ومُكرَّمة"، يكون أفرادها أول الداخلين إلى الصالة. يليهم مباشرة حاملو البطاقات ذات اللون الزهر فقط. أما اللونان الأزرق والأصفر، فعلى حاملي بطاقاتهما انتظار دخول هؤلاء جميعهم، ما يعني أن بعضهم ربما لن يعثر على مقعدٍ، فيضطر إلى انتظار موعد آخر، لعرض ثانٍ، في صالة مختلفة.




المساهمون