"إنّ تخصيص جهود للمطالبة بحقوق النساء هو في حدّ ذاته ممارسة تمييزية بحقهن، لأنّه بذلك يوحي ضمنياً بإقصاء النساء عن الجنس البشري، لذلك، من الأحرى التحدث عن حقوق الإنسان بشكل عام والعمل تحت مظلة ناظمة لجملة الحقوق الإنسانية". هذا ما قالته إحدى الناشطات في أحد المؤتمرات حول حقوق النساء. يشكل هذا الأمر نهجاً فكرياً بين العديد من الناشطين والحزبيين الذين لطالما حاججوا بأنّ حقوق النساء ستأتي بشكل "تحصيل حاصل" ضمن سلة مطالب الديمقراطية والمواطنة التي ترفعها الحركات الاجتماعية والتي سبق ورفعتها الأحزاب المعارضة.
حصل ذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت النساء، في لبنان على الأقل، منخرطات بالعمل الحزبي والنضالي. كان الخطاب السائد (والذكوري غالباً) حينها أنّ تحرير الأرض والمقاومة هو الأولوية. وما لبث أن استمر هذا النهج الفكري خلال مرحلة التسعينيات، مع بروز المجتمع المدني بجمعياته وأدواته. تجدد الخطاب هنا، بأنّ المطالبة الشمولية بحقوق الإنسان وبالديمقراطية ستُترجم بشكل تلقائي بمكتسبات خاصة بحقوق النساء. استمرت النساء في تكثيف جهودهن لتخصيص مطالبهن بالرغم من التيار الفكري السائد بشمولية القضايا.
وعاد هذا الخطاب وتجدد خلال فترات الحكم الانتقالية التي تلت الانتفاضات الشعبية في العديد من البلدان العربية. في مصر وليبيا مثلاً، حيث أدرجت جملة مطالب خاصة بالنساء وحقوقهن من قبيل المشاركة السياسية والحماية من العنف الجنسي والاستغلال وغيرها، لكنّ الخطاب الشمولي بقي سائداً، فـ"معركة الديمقراطية والحرية هي الأساس"!
إنّ تذويب قضايا ومطالب النساء ضمن السلة المطلبية والحقوقية العامة يشكل تحدياً أمام تحقيق مكتسبات لحقوق النساء. ولعلّ الجيل الأول من النسويات كان قد انتبه إلى ذلك الخطاب/ الطرح الذكوري في منتصف القرن الماضي، حيث علت الأصوات النسائية بعد صدور شرعة حقوق الإنسان معتبرات أنّ الحقوق الإنسانية هي سلة حقوقية وإن كانت كاملة لكنّها تفتقر للتخصيص أو لتحديد أشكال الحقوق الخاصة بالنساء.
وهنا بدأت المطالبة بمظلة حقوقية خاصة بالنساء، لأنّ أشكال التمييز والإقصاء بحقهن مضاعفة، وبالتالي تتطلب تخصيصاً في طرح وتداول هذه الحقوق. من هنا صدرت "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)" عام 1980، التي تعد المظلة العالمية الشاملة والناظمة لحقوق النساء، أو ما يمكن أن يسمى بشرعة حقوق النساء.
الأصوات التي تعترض كلّ حين على تخصيص النساء، أو أيّ فئة تنتهك حقوقهن، تحت عنوان ضرورة أن يكون مفهوم الحقوق شاملاً، تتجاوز واقع أنّ انتهاك هذه الحقوق يختلف ضمن إطار البلد الواحد، وأنّ القمع حلقات ومستويات. بعبارات مبسطة، ينال الرجال والنساء قسطاً وافراً من الانتهاك من قبل النظام الحاكم عبر أشكال مختلفة، ثم تنال النساء قسطاً إضافياً من النظام عينه ومن الرجال المظلومين أنفسهم.
*ناشطة نسوية