حقوقيون فلسطينيون: قانون ديوان الرئاسة الجديد يؤسس لحكومة "موازية"

30 ابريل 2020
تأسيس لمرحلة ما بعد عباس بنظام يقوم على المحاصصة(Getty)
+ الخط -
لم تكد تنتهي العاصفة التي أثارها قراران يحملان حكم القانون، صادران عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أحدهما أجرى تعديلات على قانون التقاعد العام، والآخر أعطى مزيداً من الامتيازات للوزراء ومن هم بدرجتهم، حتى تفطن المراقبون لقانون آخر بشأن ديوان الرئاسة، وصفوه بأنه يؤسس لحكومة موازية لمجلس الوزراء.

القرار رقم 5 لسنة 2020 بشأن ديوان الرئاسة الفلسطينية، صدر في 27 فبراير/ شباط الماضي، ونشر في الجريدة الرسمية في 19 مارس/ آذار، مع القرار بقانون رقم 4 للسنة ذاتها بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والحكومة والمحافظين، والذي تم إلغاؤه، الأسبوع الجاري، مع القرار بقانون رقم 12 بشأن تعديل قانون التقاعد، بعد موجة احتجاج حقوقية واسعة، وأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويعطي القانون المذكور ديوانَ الرئاسة الشخصية الاعتبارية والأهلية القانونية باعتباره واحدا من مؤسسات الدولة، كما يمنحه تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة وفتح الحسابات البنكية وإغلاقها، وفتح مقار فرعية له في أي محافظة بقرار من الرئيس، كما يمنح رئيسه راتب وزير، والامتيازات والحقوق التقاعدية للوزير.
ما الذي يعنيه ذلك؟

يجيب الخبير القانوني ورئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، عصام عابدين، عن سؤال "العربي الجديد"، بالقول إنّ "ديوان الرئيس هو بالأساس إدارة من إدارات الرئيس، بما يوازي مكتبه الخاص، لكنه بالقانون الأخير أشبه بحكومة موازية بكل ما تعنيه الكلمة"، متسائلاً بدوره أيضًا: "ما المغزى من منح الاستقلالية لديوان الرئاسة وهو إدارة تتبع للرئيس؟ ما المغزى من منحها شخصية قانونية كاملة، وتملك أموالاً منقولة وغير منقولة وفتح فروع في المحافظات؟"، مشيراً إلى أن تلك الصلاحيات ترتبط بالعادة بالهيئات المستقلة.

وحول المهام الواردة في القانون للديوان، يقول عابدين إنها أشبه بمهام حكومة، رافضاً تسميته بديوان الرئاسة و"كأن الرئاسة في النظام السياسي الفلسطيني هي مؤسسة". ويرى عابدين أن "القانون الأساسي الفلسطيني (بمثابة الدستور) ينص على كلمة الرئيس لا الرئاسة، وهذا جوهر التعديلات في عام 2003 حين استحدث منصب رئيس الوزراء، وتسلم حينها الرئيس الحالي محمود عباس رئاسة الوزراء، لتكون الحكومة في القانون الأساسي هي المؤسسة، مع وجود صلاحيات حصرية منصوص عليها للرئيس، في حين أن الجهة التنفيذية والإدارية العليا هي الحكومة".


هذا الشرح القانوني يعكس جزءاً من الدوافع لإصدار ذلك القانون الجديد، وبحسب عابدين، "فهو يعكس صراعاً شرساً على النفوذ والمال"، واصفاً المشهد بـ"وجود ثلاث حكومات على الأرض، هي الحكومة، والحكومة الموازية لدى الرئيس، ورأس المال، والتحالف بين تلك الجهات الثلاثة هو الذي يدير الأوضاع".

ويبدو أن القانون يعيد المشهد إلى العام 2003، حين بدأ عباس الذي أصبح آنذاك أول رئيس حكومة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، ينازع الرئيس الراحل ياسر عرفات على الصلاحيات؛ وهو ما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان عباس يحاول استعادة تلك الصلاحيات اليوم.

يجيب عابدين على ذلك بالقول إنه "أعادها في الواقع ويعيدها بالقوانين"، لكن ذلك "يبقى غير دستوري"، إلا أن الهدف البعيد، برأيه، "التأسيس للمرحلة المقبلة، أي لما بعد الرئيس محمود عباس... هو يطاول النظام السياسي والدستوري كله ويشوهه ليصبح نظاماً يقوم على المحاصصة".

ولا يفصل عابدين هذا القانون عن القانونين المتعلقين برواتب الوزراء وقانون التقاعد، إذ أعلن عن تلك القوانين خلال حالة الطوارئ التي فرضت لمكافحة فيروس كورونا، الأمر الذي قرأ فيه الخبير القانوني "استغلالاً لتلك الحالة ومعاناة الناس لإدارة صراع شرس على النفوذ والمال، ليرسم معالم المرحلة القادمة"، محذراً من "تجديد حالة الطوارئ لأنها تشكل غطاء لما يحصل"، ومؤكداً أن "القوانين العادية كافية لإدارة مشهد الوباء".
وحول رزمة القوانين المثيرة للجدل أخيراً، قال مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار دويك، من جهته، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ الانقسام في العام 2007، وتعطل المجلس التشريعي، صدر ما يتجاوز 270 تشريعاً مقارنة بـ90 تشريعاً خلال عشر سنوات من عمل المجلس التشريعي"، مؤكداً أن "تلك العملية التشريعية لم تكن خاضعة لإجراءات ثابتة وواضحة دائماً؛ شفافة وتشاركية، فبعضها خضع لمشاورات وطنية وبعضها صدر بالخفاء، كما هو حال التشريعات الأخيرة خلال حالة الطوارئ".

ويطالب دويك بـ"العمل على إجراء انتخابات عامة لإعادة الحياة البرلمانية بحيث يتولى ممثلو الشعب العملية التشريعية"، التي تصدر حالياً عن الرئيس محمود عباس، لكنه يرى "ضرورة قوننة وترشيد إصدار التشريعات، في ظل غياب المجلس التشريعي، بما يضمن إصدار تشريعات شفافة، بحيث يتم العلم بها قبل صدورها... لنتمكن من الاطلاع على مسوداتها وإعطاء الملاحظات عليها".

وطالب دويك بأن يكون "إصدار التشريعات تشاركياً، بحيث تتاح الفرصة للأطراف التي ستتأثر بذلك التشريع بإعطاء وجهة النظر، وأن تتم دراسة الأثر المالي والسياسي والاجتماعي لها وتأثيره على الانقسام وخلق مراكز قانونية، وألا تخالف القانون الأساسي والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها فلسطين".

ويبدو من الأهمية بمكان، بالنسبة للهيئة المستقلة، "الاتفاق وطنياً على أولويات التشريع"، بحيث يرى دويك "ضرورة ملحة لقوانين لها علاقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة بعد كورونا"، بينما تذهب التشريعات، كما يقول، "باتجاه تحسين ظروف فئات محددة من الموظفين والمتنفذين في الدولة"، مشيراً في الوقت عينه إلى إمكانية استغلال ما حصل كفرصة لتنظيم العملية التشريعية.
المساهمون