يخال الناظر إلى الجمهور الحاشد، الذي غصّ به مدخل سينما "متروبوليس" في بيروت مساء الأول من أمس، أنّ "الفيلم الوثائقي" العربي في أحسن حالاته، وأن التعطّش إلى هذا النوع من الفنون قد يدفع دائماً مهتمين، مثل صديقي الطرابلسي، إلى شدّ الرحال من أقصى الشمال اللبناني نحو العاصمة، التي لا يزورها عادة إلا "لإنهاء المعاملات الرسمية"، رغبة وطمعاً بفرجة من نوع مختلف على "همومه اليومية المتداخلة حدّ الفوضى" بحسب تعبيره.
ولعل هذا بعض مما يعد به "أسبوع آفاق السينمائي" رواده الذين بدوا متحمسين لفيلم الافتتاح الفلسطيني، "حبيبي بيستنّاني عند البحر"، للمخرجة ميس دروزة، والتي رسمت لنفسها عبر 80 دقيقة من شريطها درب عودة مُتخيـَّلاً إلى وطنها المحتل، فلسطين، عبر طَرْقها أبواب منازل لاجئين فلسطينيين في دمشق وعمّان في طريقها إلى القدس، ومن ثمّ بحر يافا.
وتأتي هذه التظاهرة السينمائية بمبادرة من "الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق"، حيث من المنتظر أن يعرض في إطارها 11 فيلماً وثائقياً وروائياً عربياً، تمّ إنتاجها بدعم من "آفاق" قبل عامين على أيدي مخرجين شبان من لبنان ومصر والعراق واليمن وفلسطين.
وعن الحافز وراء هذه الخطوة الجديدة، بالنسبة إلى مؤسسة اعتادت تقديم منح إنتاجية فنية منذ 2007 دون الدخول في مسألة تنظيم ملتقيات جماهيرية لعرض إنتاج ما تموّله، تقول مديرة برامج الأفلام في "آفاق"، ريما المسمار، لـ"العربي" إنّ هذا التطور جاء بغرض "الترويج للأفلام العربية والسينمائيين العرب، وإيصال أعمالهم إلى جمهور أوسع"، وذلك بالنظر إلى أنّ الأفلام الوثائقية "لا تُقدّم في عروض تجارية، وتفتقد هيكلية توزيع تدعم هذا النوع من السينما في عالمنا العربي"، ناهيك عن أنّ التحول الكبير الذي شهده قطاع إنتاج الأفلام التسجيلية والوثائقية في السنوات الأربع الماضية في المنطقة قد "غيّر الطريقة التي كان الجمهور يستقبل بها هذا النوع من الأفلام، إذ لم يعد يُنظر إليها كمجرد تقارير، أو تسجيلات معلوماتية جافة".
وتؤكد المسمار أننا "نشهد صعود جيل جديد من المخرجين الذين يتوجهون إلى العمل في السينما الوثائقية في بعض البلدان العربية، وإنْ بنسب متفاوتة". فمصر، على سبيل المثال، "رغم تاريخها العريق في إنتاج الأفلام الروائية، لم تنتج هذا الكم من الوثائقي إلا بعد الثورة فيها، في حين أنّ بلدانا أخرى مثل فلسطين ولبنان التي تفتقد ذلك الإرث الكبير في السينما الروائية، نجد أن الوثائقي طاغ أكثر فيها".
أمّا في بلدان المغرب العربي، ولأسباب مختلفة، فقد ظلّ الفيلم الروائي فيها سيّد الساحة "ربما لسقف الحرية العالي الذي يتطلّبه إنتاج هذا النوع من الأفلام"، حسب رأي المسمار.
يذكر أن هذه التظاهرة السينمائية تضمّ أفلاماً تُعرض للمرّة الأولى في بيروت، ومن المنتظر أن يشارك مخرجوها في جلسات حوارية مع الجمهور عقب كلّ عرض.
ومن الأفلام المشاركة "أريج" للمصرية "فيولا شفيق"، و"حديقة أمل" للعراقية نادية شهاب، و"القلق" للبناني "علي شري"، والفيلم الوثائقي المشترك "موسم حصاد" للميس دروزة ونسيم أمعوش وأريج سحيري وسامح زعبي.