30 ديسمبر 2021
حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (الأخيرة)
ـ في السنوات الأخيرة كان ليك ردود أفعال قوية ضد القوانين الأخيرة اللي أصدرتها حكومة الدكتور كمال الجنزوري والتي رفعت شعار إنها ستقوم بتنظيم صناعة السينما، ليه قررت إنك تدخل في مواجهة مع هذه القوانين؟
لإنها خلتني شايف إن في "عمى قلب" على المستوى الإقتصادي، القوانين الجديدة المصطنعة دي فيها خطورة شديدة، أنا خلال سنة واحدة خسرت استديو جلال اللي كنت بأديره، ودار سينما كريم اللي كنت بأديرها، وكل ده بسبب القوانين الجديدة، ورجال الأعمال اللي خدوا الإستديو ودار السينما بدل مني، دفعوا مبالغ خرافية، رغم إن كل واحد منهم هيخسر على الأقل عشرة ملايين جنيه مع انتهاء مدة عقده، طيب ليه اشتروا بالأسعار دي، عندي شكوك إنهم بيعملوا عمليات غسيل أموال، واحد من دول قال لي: أنا هادي دار السينما هدية للنقابة، قلت له: طيب ليه ما تعملش ده بصورة مباشرة وتدي فلوس لنقابة السينمائيين بصورة مباشرة؟ في أسئلة خطيرة جدا أهمها إيه مصدر أموال الناس دي، واحد منهم ليس له علاقة بالفن بيدّعي إنه هيصلح ستديو جلال وبعدين هيأجّره، من واقع تجربتي الحكاية دي مش هتحقق أرباح مغرية، لغاية دلوقتي الفيلم بيتكلف أكتر من أرباحه، وأنا على مدى 50 سنة سينما ما أملكش غير شقة وعربية ما غيّرتهاش من 13 سنة، بس بآكل واشرب واستمتع بأجازة صيف أسبوعين وتلاتة وباعتبر نفسي مبذّر.
ـ أنت مبدع سينما وفي نفس الوقت رجل صناعة سينما، وده بيكسب رأيك أهمية شديدة، ما هو تقييمك لأزمة السينما المصرية الآن؟ ـ أعني وقت إجراء الحوار سنة 1999ـ
لمّا ينخفض إنتاجك السينمائي فجأة من ثمانين فيلم إلى عشرين فيلم أو 15 فيلم، تقريباً يبقى ما عندكش صناعة سينما، بقت حكاية شغل معلم وصبيان مع بعض، بقت حرفة مش صناعة، بعض المسئولين ورجال الأعمال بيقول دلوقتي إنه عايز يحول السينما إلى صناعة، لكنه مش عارف الفرق بين السينما والسجاد، في السجاد لما يكون عندك ماكينة وتصممها، الماكينة هتعمل لك عشر سجاجيد، لما تبيع العشر سجاجيد وعايز كمية أكبر لازم يكون الماكينة عندها قدرة تعمل لك عدد أكبر وإلا لازم تغير الماكينة، الفيلم بقى شيء آخر، كل مرة تبدأ من طقطق لسلامو عليكو، كل فيلم حاجة جديدة ما حصلتش قبل كده ولا توجد نماذج سابقة ليها، ما فيش ماكينات جاهزة التصميم في السينما، وده من أول مستوى الفكرة لحد مستوى التنفيذ. أضرب لك مثل، يعني لما عملت سيرتي الذاتية فيلم، كانت أول مرة في تاريخ السينما المصرية، اتهاجمت، لو كنت أجنبي كانوا قالوا يا سلام، لإنهم متعودين على طريقة معينة ومش متقبلين غيرها، لما عملت فيلم الناصر صلاح الدين بالـ "تكني كولور" شككوا في النتيجة وبعدين انبهروا بيها، حتى الكاميرا الصغيرة المحمولة "الاستيدي كام" ما حدش يفتكر إنها موجودة لأول مرة في فيلم (صراع في الوادي) ولا مؤاخذة ـ يضحك ـ جبت الكاميرا التقيلة وحطيتها على كتف المصور وجرينا بيها، حتى في (الناصر صلاح الدين) في فكرات ـ يقصد أفكار طبعا باللغة الشاهينية ـ كتيرة جدا ولذيذة جداً، الواحد كان صغير ومجنون وعايز أجرب كل حاجة، تخريفات ولكن شوية شوية الناس تعودت عليها.
طبعاً السينما المصرية كصناعة دلوقتي في مأزق، لإن المناخ الاقتصادي مش جيد، وبرضه ممكن نتكلم كتير عن الديمقراطية عندنا بس احنا لسه مش واصلين لها فعلاً، وده بيجني على الإبداع الحقيقي، وتلاقي اللي بيفكر بمنطق إنه لو أبدعت حاجة وما سمعتش الكلام وما بقيتش مِعزة ممكن يحرقوا لي الفيلم، مين طيب هيحط نفسه في المواقف الخطرة دي، بالتأكيد لو اتمنعت لي فكرة فيلم هيتخرب بيتي كمنتج. وللأسف في رجال أعمال من بتوع السجاجيد والشرابات والإلبسة ـ يقصد الملابس الداخلية ـ من اللي دخلوا صناعة السينما فاكرين إنهم هيرجعوا يتصرفوا بمنطق رجال عبد الناصر اللي طلبوا مني قبل كده إني ألغي تفكيري وأفكر زي ما هما عايزين، لا أنا مش هافكر زي ما انتو عايزين.
الشركات الكبيرة دي اللي أنشأتها القوانين الأخيرة ـ يقصد القوانين التي أصدرتها حكومة كمال الجنزوري والتي تحتم أن يكون رأس مال الشركة التي تستثمر في السينما فوق المائة مليون جنيه وهي قرارات أثارت جدلاً كبيراً في منتصف التسعينات ـ يا ما قالوا لي أدخل معانا شريك، سألتهم: طيب هتثمنوا خبرتي إزاي، هل هتقيموها بالأربعة آلاف جنيه اللي بدأت بيها شركتي زمان، طيب هتقيم إزاي الخبرة ومش هاقولك الموهبة، لقيت واحد منهم بيخبّط على الترابيزة وبيقول: "أنا اللي أدفع يبقى أنا اللي هاقول"، قلت له: "إنت هتعمل فيها رئيس للوزراء من أول خطوة، لا في الفن انت تدفع إنما أنا كفنان أنا اللي أقول، وما دمت هتحسبها يبقى أنا أستحق بخبرتي نسبة 51 في المية من رأسمال شركتك، قاموا راحوا ورجعوا ولفّوا وبعدين طلبوا أن أشاركهم بخبرتي، قلت لهم: ادفعوا طيب، للأسف همّ مش شايفين الوضع كويس لإنهم بيفكروا في السينما بعقلية السجاجيد والملابس الداخلية.
إحنا في أزمة كبيرة لإن في فلوس كتيرة جدا داخلة مجال السينما وأنا حاسس إنها فلوس مشبوهة، مش عارف أنا مين من دول مستعد يخسر عشرين مليون جنيه عشان حبه للسينما فعلا، مش مصدقها من خلال إدراكي لنوعية البني آدمين دول، مع كل احترامي للي بيعرفوا يعملوه في شغلهم، بس مش لازم يدخلوا في حاجة مش فاهمينها، لمجرد إنهم دخلوا بشراسة بفلوس مش عارف جايبينها منين، عشان كده باقول إن أزمة السينما لسه ما خلصتش، الأزمة الفكرية والصناعية لسه موجودة، لكن من ناحية المستوى الفني إحنا دلوقتي أفضل، هل تقدر تقول إن الأفلام بتاعة زمان أحلى من أفلام عاطف الطيب أو أفلام توفيق صالح أو أفلام محمد خان وغيره من الأجيال الجديدة المعروفة؟
عن هنيدي والكوميديا
انتهزت الفرصة لسؤاله: طيب حيث كده لازم أسألك عن تعليقك على موجة الهجوم على الأفلام الكوميدية لجيل الشباب ووصفها بهوجة الكوميديا التي يرى الكثير من النقاد أنها ستفسد السينما المصرية؟
رد الأستاذ مبتسماً: طول عمرنا والصناعة السينمائية أساسها الكوميديا، في مصر وأمريكا وفرنسا، في أمريكا مثلاً من أهم نجومهم الواد العبيط جيم كاري اللي اتضح لما ادوه الفرصة إنه ممثل كويس جداً في فيلم (يوميات ترومان) ـ يقصد فيلم عرض ترومان من إخراج بيتر وير ـ وبيعملوا برضه هناك أفلام إبهار وكمبيوتر وخبط وضرب، كل ده طبيعي لإنه ما فيش صناعة هتقوم على الفيلم الصعب فنياً أو الفيلم اللي يتطلب تفكير، انت عندك كام مفكر؟ عندك كام كاتب هنا؟ هناك في انجلترا وأمريكا مثلاً الكتب بالآلاف كل سنة، احنا عندنا 140 كتاب مثلاً في السنة، للأسف عندنا المناخ كله مش سليم، كان لازم من الأول نخفض الضرائب ونساعد السينما زي ما تدخل كلينتون ـ كان هو الرئيس الأمريكي وقت إجراء الحوار ـ واللي قبله من الرؤساء لحماية السينما لإدراكهم لأهميتها للبلد، لكن عندنا ناس زي ما أنا قلت في فيلم (الآخر) فاهمين إنك لما تلبس الطاقية بالمقلوب تبقى أمريكاني، للاسف البعض وصل إلى إنه عايز يقوم بأمركة مصر الأصلية.
طبعاً بسبب أزمة السينما وعشان تستمر الصناعة لازم من جذب الناس لأفلام ربما يكون تسعين في المية منها هايف، ده بيحصل في أمريكا برضه، لكن هناك بيعرفوا يعملوها كويس ببنية أساسية درامية كويسة حتى لو كانت هايفة، السينما الأوروبية عندهم أفكار عظيمة جدا وفلسفة عظيمة، لكن مش بيجيدوا حكايتها. أنا طبعاً ما بارفضش الأفلام الكوميدية الخفيفة أبداً، لو انت فاكر أنا قلتها في فيلم (اليوم السادس) لما البطلة بتبص للمخرج باستنكار، فرد عليها: "إيه مالك، مال شغلتي، على الأقل بابسط العيال وباضحكهم"، الضحك ده حاجة إيجابية ومش سلبية وعشان كده ما فيش داعي لوصف الأفلام دي بالسقوط.
ـ قلت له: الحقيقة لم أستغرب رأيك في ظل إنك كنت أول مخرج تقريباً دعم محمد هنيدي منذ بداياته وأثنيت عليه بعد نجاحه وشجعته، وهو حكى لي إنه ما يقدرش ينسى أبداً لما قلت له: خليك عزيز ما تبقاش بياع لبن تطلع من استديو لاستديو؟
رد بحماس: من أولها عرفت إن الواد كويس برغم إني اديته دور صغير ـ يقصد دوره في فيلم (اسكندرية كمان وكمان) ـ النهارده هو والمنتج بتاعه سافروا هولندا وصرفوا دم قلبهم عشان يعملوا فيلم ـ يقصد فيلم (همام في أمستردام) ـ ده شيء كويس بغض النظر عن أي شيء، أنا أحب الفنان اللي كسب من السينما يحط فلوسه في السينما، ولذلك أزعل جداً لما أعرف أن الفنانين بيشتروا أراضي ومطاعم، طيب ما انتو كسبتوا من السينما وما كنتوش تحلموا، ساعدوا صناعتكم، أنا لحد دلوقتي كسبت إيه مادياً، لكن أنا قدمت للسينما المصرية والعربية إنجاز ما حدش يقدر يقول عليه بِم أو ينكره، مش كده ـ (ينظر لي متحدياً ثم يضحك فنضحك سوياً)
ـ أقول له: طبعاً دي مسألة مفروغ منها، لكن قبل ما ننقل من النقطة دي عايز أعرف تعليقك على اللي بيثار في الصحف والمجلات حول إن جيل محمد هنيدي وزملائه من الشباب هيزيح عن الساحة جيل عادل إمام وأحمد زكي وغيرهم من الكبار؟
يرد بانفعال: هل الحياة كده؟ هو أنا مش عايش مع أولادي واللي زي أحفادي والحياة مستمرة، خد عندك في تاريخ الفن فريد شوقي الله يرحمه وإزاي اتطور من الشرير إلى شجيع السيما إلى الأخ الكبير إلى الأب إلى الجد، إزاي ناس عندها موهبة أقول يالله نرميها من الشباك، في فيلم (الآخر) مدام نبيلة عبيد عملت أداء مذهل والدور كان صعب ومحتاج فنانة قوية جداً، لإنها كان ممكن تكون مكروهة، لكنها تغلبت على كل ده، كل سن وله أدواره والموهبة هي اللي تحكم.
شاهين وأمريكا
ـ أستاذ يوسف، في الوقت اللي بتطرح فيه في فيلم (الآخر) مسألة علاقتنا في مصر بأمريكا، بتشتد حدة الهجوم على ما يطلق عليه (غزو السينما الأمريكية لمصر) وده هجوم شارك فيه فنانين كثيرين انت من أولهم، نقدر نصف علاقتك بأمريكا إزاي، هل بتكرهها؟
يرد بحماس: طبعاً لا، أنا باحبها، وإلا ما أروحش هناك عشان أصور فيلم (الآخر)، بمناسبة حكاية غزو السينما الأمريكية، هناك في أمريكا عندهم شراسة في حماية السينما الأمريكية وضرب السينما الأوروبية، ولغاية دلوقتي الأستاذ كلينتون بيدافع عن السينما الأمريكية، أفتكر مرة من كذا سنة سفير أمريكا في مصر عزمنا عنده وكان الحضور محدود، يمكن 14 واحد بس من السينمائيين، واستغربنا وقلنا إيه ده؟ معقولة هيقول لنا إزاي أفلامنا المصرية هتخش أمريكا، خاصة مع الكلام الكتير عن السوق المفتوحة والعولمة، مع إنهم عمرهم هناك ما شافوا غير أفلام أمريكية، حتى الأفلام الأوروبية ما شافوهاش، أتاريه عازمنا عشان يقول لنا لو ما دافعتوش كسينمائيين عن سرقة الفيلم الأمريكي والقرصنة اللي حاصلة عليه هنرفع عن مصر كل الدعم الموجه ليها، ودي تعليمات رئاسية. طيب شوف آدي السفير والرئيس بيدافعوا عن صناعتهم السينمائية بشكل غير معقول، ومن أيام الرئيس وودرو ويلسون في العشرينات لما كانت الأفلام بتتعرض لسه في المقاهي كانوا بيحطوا بلطجية وفتوات على أبواب القهاوي علشان يجبروا الناس تخش الأفلام الأمريكاني، دلوقتي الأسلوب اختلف، دخلوا في الجات والعولمة وأحيانا ما تفهمش بيعملوا إيه، بس لسه مسيطرين بطريقة الفتونة، وكل يوم بيفكروا في الدفاع عن أفلامهم، فليه احنا ما نقاومش ده ونرفضه بنفس الأسلوب الأمريكي والإنجليزي، طبعا ده لا يمنعني من إني أحب كمية إنجليز وأمريكان خرافية، يعني لما كنت صغير كانت أول حبيباتي الشقرا والحمرا ـ يضحك ـ هل أكرههم يعني عشان حكومتهم منيِّلة؟ طبعاً لأ.
ـ أقول له: ده اعتراف جديد يا أستاذ يوسف بإنك حبيت أمريكانية في مطلع شبابك لما كنت بتدرس سينما هناك؟ ـ لم يكن فيلمه (اسكندرية نيويورك) والذي يحكي فيه عن تلك التجربة قد قد ظهر وقتها ـ
(يضحك) ما أعرفش، أنا شفت كل اللي حواليا ساعتها بيحبوا، قلت طب ما أحب أنا كمان وأجرّب، برغم إني كنت مركز جداً في الدراسة، لإني كنت فقير وعارف إني مش هاكمل فترة طويلة.
شاهين والرقابة
ـ تكلمنا كثيراً عن علاقتك بالرقابة الحكومية، لكن هل لجأت قبل كده للرقابة الذاتية على أفلامك؟
لا، أبدا، لما عملت جراحة في القلب، حصل لي تغيير كيفي كامل في فكري، وجالي خاطر إن حياتي مش ملكي، وحياة البني آدم فعلا مش ملكه، إنت فعلا ملك الآخرين، وعشان كده لازم تقول للآخرين كل اللي تقدر عليه، في أحداث أتعبتني جدا من سن الرشد ولغاية دلوقتي، لكن من الصعب جدا أتكلم عنها، في أسئلة ما تقدرش تجاوب عليها، لكني قلت هابذل أقصى جهدي من دون ما أجرح الآخرين، عشان أنا عايز أتكلم عن عيلتي وأمي وأختي ومراتي، وده مش سهل وممكن يجرحهم، لكن الناس لازم تعرف إلى أي حد بيتعب الفنان، إلى أي حد أتعبني جمال عبد الناصر وأتعبني انبهاري الشديد بيه وانتظاري ليه وحبي اللي تواصل لغاية ما اكتشفت آثار ديكتاتوريته، هو بيتطور وأنا باتطور من ناحية الفهم، لغاية ما وصلت إلى قناعة إني مش ملك لنفسي، لكن دايما المشكلة قدام الفنان هي قدر الحرية المتاح، وعشان كده لما باحس إني مش هاقدر اتكلم بدقة وحرية بادور على موضوع تاني.
ـ بمناسبة الكلام عن الرقابة، في أفلام قصيرة ليك لم يتم عرضها زي فيلم (الانطلاق) وفيلم (سلوى)؟
فيلم (الانطلاق) صورته في حرب 1973، واتمنع، ولغاية دلوقتي بعض الأجزاء منه بتتعرض في برامج عن الحرب، والغريب إنهم عملوا فيلم تاني عن الحرب وخدوا المادة اللي صورتها في فيلمي وأضافوها لفيلمهم. (لم يوافق على ذكر اسم الفيلم الذي يقصده).
ـ طيب وفيلم (سلوى)؟
ـ ده فيلم للأطفال أنتجته منظمة اليونيسيف بس مش ممنوع، ولسه موجود.
ـ هل ليك أفلام تانية عملتها واتمنعت حتى لو كانت قصيرة؟
لا، باستثناء فيلم (القاهرة منورة بأهلها)، بس عرضته تقريبا في كل الجامعات والنوادي.
ـ الصورة اللي أظهرت بيها والدتك وأختك ومراتك في فيلميك (اسكندرية ليه) و(حدوتة مصرية) هل سببت لك مشاكل أسرية؟
طبعا عملت لي مشاكل، ما حبيتش أخلي والدتي تشوف (اسكندرية ليه)، عشان محسنة توفيق الممثلة اللي أدت دورها، غيّرت في الرؤية اللي كنت عايزها. هي كانت ممثلة جيدة جدا ومجيدة في شغلها، لكن ما قدرتش ألاقي ممثلة تديني تصوري لوالدتي بالضبط، محسنة أضافت بعض الحاجات من عندها، وده غيّر شوية في التصور اللي كان عندي، وعشان كده ما خليتش أمي تشوف الفيلم إلا بعد سنين، ولما شافته قالت لي "الفيلم حلو بس هي مش أنا".
ـ طب وبالنسبة لمراتك؟
مراتي قالت لي "أنا كده يا حمار؟" (يضحك بشدة)، قالت لي "جايب واحدة مش حلوة"، هي كانت جميلة جداً.
ـ يعني خدت الحكاية بتسامح؟
أيوه، ولما يسرا لعبت دورها في (حدوتة مصرية) مراتي فرحت جدا، أنا ومراتي أصدقاء، والسنة الجاية هنكمل 45 سنة جواز، في صداقة حقيقية بيننا، وهي مدركة مدى الصعوبة اللي أنا أعيشها، أحيان كتيرة أحكي لها اللي باعمله، وأحيانا ما بتهتمش مطلقا، باللي أحكيه لها، وتقول لي: الموضوع ده باين عليه مش مضبوط، وأفكر بيني وبين نفسي ليه قالت كده، بس باعمل اللي في دماغي برضه. (يضحك).
ـ هل مراتك شايفة إنك عملت إنجاز سينمائي عظيم، يعني بتحب أفلامك ولا بتفضل نوع تاني من السينما؟
الحقيقة إحنا أبسط من كده بكتير. هي مشكلتها معايا ومشكلتي انا مع نفسي إن أنا دايما قلقان، حتى لما وصلت لمهرجان كان وهو أهم حدث سينمائي في العالم، كنت شديد القلق، شوف، الناس يمكن تقدر الفنان وتعترف بيه إنه فنان، لكن إنت نفسك لو أخدتها بجد وآمنت إنه مافيش زيك تبقى غلطان، وأنا على طول بافكر كده، مش بعد ما كبرت، حتى أول جوايز خدتها في مصر، كنت باقولهم ما تقولوش أحسن مخرج، قولوا المخرج اللي عمل أحسن فيلم السنة دي، ولغاية دلوقتي باعيش بالتفكير ده، أحيانا تيجي فترة تكون فيها الظروف حلوة، وأحيانا تكون كلها مُرّة، زي اللي حصل بعد (باب الحديد) مثلا أو بعد منع (العصفور)، بس اتعودت خلاص، دايما باحاول أعمل اللي شايفه صح علشان أعرف أنام، وعشان كده باشتغل كتير جدا، من 50 سنة باشتغل 15 و16 سنة في اليوم الواحد، ما عنديش سعادة إلا الشغل، ولما ألاقي ناس بتشتم أفلامي وبتتهمني بإن الناس دي اشترته والناس دي باعته، باقول أحسن رد على كل ده هو الأفلام، الفيلم اللي ما يعجبكش دلوقتي ممكن يعجبك بعد 20 سنة، زي ما حصل مع (باب الحديد)، وعشان كده باقول للكل استنوا شوية، بلاش الحكم الفوري، لإن بعض الأحكام الفورية تطلع من قلوب غير سليمة، أنا ماكنتش فاضي عشان أنتقم من اللي ظلموني أو شتموني وارد على كل واحد، الردود المفروض إني أقدمها من خلال أفلامي، وإني أبقى ماشي مع العصر، وإني أعرف إيه اللي موجود دلوقتي وإيه اللي هييجي بكره. في (المصير) كنت بره المسابقة وبعدين دخلت المسابقة وبعدين خدت أكبر جايزة، في ذكرى خمسين سنة على كان ادوني جايزة هي حتى أهم من الجوائز الذهبية، جايزة منحوها ست مرات بس في حياة مهرجان كان، واللي خدوها عظماء زي فيسكونتي وأورسون ويلز، لكن مع ذلك لو فضلت أدوّر الحكاية دي في دماغي هاتحول إلى حمار عظيم، طالما أنا باشتغل في الفن، يبقى لازم أشوف أفكار جديدة وأتطور دايماً.
...
ألف رحمة ونور على الأستاذ الكبير يوسف شاهين.
لإنها خلتني شايف إن في "عمى قلب" على المستوى الإقتصادي، القوانين الجديدة المصطنعة دي فيها خطورة شديدة، أنا خلال سنة واحدة خسرت استديو جلال اللي كنت بأديره، ودار سينما كريم اللي كنت بأديرها، وكل ده بسبب القوانين الجديدة، ورجال الأعمال اللي خدوا الإستديو ودار السينما بدل مني، دفعوا مبالغ خرافية، رغم إن كل واحد منهم هيخسر على الأقل عشرة ملايين جنيه مع انتهاء مدة عقده، طيب ليه اشتروا بالأسعار دي، عندي شكوك إنهم بيعملوا عمليات غسيل أموال، واحد من دول قال لي: أنا هادي دار السينما هدية للنقابة، قلت له: طيب ليه ما تعملش ده بصورة مباشرة وتدي فلوس لنقابة السينمائيين بصورة مباشرة؟ في أسئلة خطيرة جدا أهمها إيه مصدر أموال الناس دي، واحد منهم ليس له علاقة بالفن بيدّعي إنه هيصلح ستديو جلال وبعدين هيأجّره، من واقع تجربتي الحكاية دي مش هتحقق أرباح مغرية، لغاية دلوقتي الفيلم بيتكلف أكتر من أرباحه، وأنا على مدى 50 سنة سينما ما أملكش غير شقة وعربية ما غيّرتهاش من 13 سنة، بس بآكل واشرب واستمتع بأجازة صيف أسبوعين وتلاتة وباعتبر نفسي مبذّر.
ـ أنت مبدع سينما وفي نفس الوقت رجل صناعة سينما، وده بيكسب رأيك أهمية شديدة، ما هو تقييمك لأزمة السينما المصرية الآن؟ ـ أعني وقت إجراء الحوار سنة 1999ـ
لمّا ينخفض إنتاجك السينمائي فجأة من ثمانين فيلم إلى عشرين فيلم أو 15 فيلم، تقريباً يبقى ما عندكش صناعة سينما، بقت حكاية شغل معلم وصبيان مع بعض، بقت حرفة مش صناعة، بعض المسئولين ورجال الأعمال بيقول دلوقتي إنه عايز يحول السينما إلى صناعة، لكنه مش عارف الفرق بين السينما والسجاد، في السجاد لما يكون عندك ماكينة وتصممها، الماكينة هتعمل لك عشر سجاجيد، لما تبيع العشر سجاجيد وعايز كمية أكبر لازم يكون الماكينة عندها قدرة تعمل لك عدد أكبر وإلا لازم تغير الماكينة، الفيلم بقى شيء آخر، كل مرة تبدأ من طقطق لسلامو عليكو، كل فيلم حاجة جديدة ما حصلتش قبل كده ولا توجد نماذج سابقة ليها، ما فيش ماكينات جاهزة التصميم في السينما، وده من أول مستوى الفكرة لحد مستوى التنفيذ. أضرب لك مثل، يعني لما عملت سيرتي الذاتية فيلم، كانت أول مرة في تاريخ السينما المصرية، اتهاجمت، لو كنت أجنبي كانوا قالوا يا سلام، لإنهم متعودين على طريقة معينة ومش متقبلين غيرها، لما عملت فيلم الناصر صلاح الدين بالـ "تكني كولور" شككوا في النتيجة وبعدين انبهروا بيها، حتى الكاميرا الصغيرة المحمولة "الاستيدي كام" ما حدش يفتكر إنها موجودة لأول مرة في فيلم (صراع في الوادي) ولا مؤاخذة ـ يضحك ـ جبت الكاميرا التقيلة وحطيتها على كتف المصور وجرينا بيها، حتى في (الناصر صلاح الدين) في فكرات ـ يقصد أفكار طبعا باللغة الشاهينية ـ كتيرة جدا ولذيذة جداً، الواحد كان صغير ومجنون وعايز أجرب كل حاجة، تخريفات ولكن شوية شوية الناس تعودت عليها.
طبعاً السينما المصرية كصناعة دلوقتي في مأزق، لإن المناخ الاقتصادي مش جيد، وبرضه ممكن نتكلم كتير عن الديمقراطية عندنا بس احنا لسه مش واصلين لها فعلاً، وده بيجني على الإبداع الحقيقي، وتلاقي اللي بيفكر بمنطق إنه لو أبدعت حاجة وما سمعتش الكلام وما بقيتش مِعزة ممكن يحرقوا لي الفيلم، مين طيب هيحط نفسه في المواقف الخطرة دي، بالتأكيد لو اتمنعت لي فكرة فيلم هيتخرب بيتي كمنتج. وللأسف في رجال أعمال من بتوع السجاجيد والشرابات والإلبسة ـ يقصد الملابس الداخلية ـ من اللي دخلوا صناعة السينما فاكرين إنهم هيرجعوا يتصرفوا بمنطق رجال عبد الناصر اللي طلبوا مني قبل كده إني ألغي تفكيري وأفكر زي ما هما عايزين، لا أنا مش هافكر زي ما انتو عايزين.
الشركات الكبيرة دي اللي أنشأتها القوانين الأخيرة ـ يقصد القوانين التي أصدرتها حكومة كمال الجنزوري والتي تحتم أن يكون رأس مال الشركة التي تستثمر في السينما فوق المائة مليون جنيه وهي قرارات أثارت جدلاً كبيراً في منتصف التسعينات ـ يا ما قالوا لي أدخل معانا شريك، سألتهم: طيب هتثمنوا خبرتي إزاي، هل هتقيموها بالأربعة آلاف جنيه اللي بدأت بيها شركتي زمان، طيب هتقيم إزاي الخبرة ومش هاقولك الموهبة، لقيت واحد منهم بيخبّط على الترابيزة وبيقول: "أنا اللي أدفع يبقى أنا اللي هاقول"، قلت له: "إنت هتعمل فيها رئيس للوزراء من أول خطوة، لا في الفن انت تدفع إنما أنا كفنان أنا اللي أقول، وما دمت هتحسبها يبقى أنا أستحق بخبرتي نسبة 51 في المية من رأسمال شركتك، قاموا راحوا ورجعوا ولفّوا وبعدين طلبوا أن أشاركهم بخبرتي، قلت لهم: ادفعوا طيب، للأسف همّ مش شايفين الوضع كويس لإنهم بيفكروا في السينما بعقلية السجاجيد والملابس الداخلية.
إحنا في أزمة كبيرة لإن في فلوس كتيرة جدا داخلة مجال السينما وأنا حاسس إنها فلوس مشبوهة، مش عارف أنا مين من دول مستعد يخسر عشرين مليون جنيه عشان حبه للسينما فعلا، مش مصدقها من خلال إدراكي لنوعية البني آدمين دول، مع كل احترامي للي بيعرفوا يعملوه في شغلهم، بس مش لازم يدخلوا في حاجة مش فاهمينها، لمجرد إنهم دخلوا بشراسة بفلوس مش عارف جايبينها منين، عشان كده باقول إن أزمة السينما لسه ما خلصتش، الأزمة الفكرية والصناعية لسه موجودة، لكن من ناحية المستوى الفني إحنا دلوقتي أفضل، هل تقدر تقول إن الأفلام بتاعة زمان أحلى من أفلام عاطف الطيب أو أفلام توفيق صالح أو أفلام محمد خان وغيره من الأجيال الجديدة المعروفة؟
عن هنيدي والكوميديا
انتهزت الفرصة لسؤاله: طيب حيث كده لازم أسألك عن تعليقك على موجة الهجوم على الأفلام الكوميدية لجيل الشباب ووصفها بهوجة الكوميديا التي يرى الكثير من النقاد أنها ستفسد السينما المصرية؟
رد الأستاذ مبتسماً: طول عمرنا والصناعة السينمائية أساسها الكوميديا، في مصر وأمريكا وفرنسا، في أمريكا مثلاً من أهم نجومهم الواد العبيط جيم كاري اللي اتضح لما ادوه الفرصة إنه ممثل كويس جداً في فيلم (يوميات ترومان) ـ يقصد فيلم عرض ترومان من إخراج بيتر وير ـ وبيعملوا برضه هناك أفلام إبهار وكمبيوتر وخبط وضرب، كل ده طبيعي لإنه ما فيش صناعة هتقوم على الفيلم الصعب فنياً أو الفيلم اللي يتطلب تفكير، انت عندك كام مفكر؟ عندك كام كاتب هنا؟ هناك في انجلترا وأمريكا مثلاً الكتب بالآلاف كل سنة، احنا عندنا 140 كتاب مثلاً في السنة، للأسف عندنا المناخ كله مش سليم، كان لازم من الأول نخفض الضرائب ونساعد السينما زي ما تدخل كلينتون ـ كان هو الرئيس الأمريكي وقت إجراء الحوار ـ واللي قبله من الرؤساء لحماية السينما لإدراكهم لأهميتها للبلد، لكن عندنا ناس زي ما أنا قلت في فيلم (الآخر) فاهمين إنك لما تلبس الطاقية بالمقلوب تبقى أمريكاني، للاسف البعض وصل إلى إنه عايز يقوم بأمركة مصر الأصلية.
طبعاً بسبب أزمة السينما وعشان تستمر الصناعة لازم من جذب الناس لأفلام ربما يكون تسعين في المية منها هايف، ده بيحصل في أمريكا برضه، لكن هناك بيعرفوا يعملوها كويس ببنية أساسية درامية كويسة حتى لو كانت هايفة، السينما الأوروبية عندهم أفكار عظيمة جدا وفلسفة عظيمة، لكن مش بيجيدوا حكايتها. أنا طبعاً ما بارفضش الأفلام الكوميدية الخفيفة أبداً، لو انت فاكر أنا قلتها في فيلم (اليوم السادس) لما البطلة بتبص للمخرج باستنكار، فرد عليها: "إيه مالك، مال شغلتي، على الأقل بابسط العيال وباضحكهم"، الضحك ده حاجة إيجابية ومش سلبية وعشان كده ما فيش داعي لوصف الأفلام دي بالسقوط.
ـ قلت له: الحقيقة لم أستغرب رأيك في ظل إنك كنت أول مخرج تقريباً دعم محمد هنيدي منذ بداياته وأثنيت عليه بعد نجاحه وشجعته، وهو حكى لي إنه ما يقدرش ينسى أبداً لما قلت له: خليك عزيز ما تبقاش بياع لبن تطلع من استديو لاستديو؟
رد بحماس: من أولها عرفت إن الواد كويس برغم إني اديته دور صغير ـ يقصد دوره في فيلم (اسكندرية كمان وكمان) ـ النهارده هو والمنتج بتاعه سافروا هولندا وصرفوا دم قلبهم عشان يعملوا فيلم ـ يقصد فيلم (همام في أمستردام) ـ ده شيء كويس بغض النظر عن أي شيء، أنا أحب الفنان اللي كسب من السينما يحط فلوسه في السينما، ولذلك أزعل جداً لما أعرف أن الفنانين بيشتروا أراضي ومطاعم، طيب ما انتو كسبتوا من السينما وما كنتوش تحلموا، ساعدوا صناعتكم، أنا لحد دلوقتي كسبت إيه مادياً، لكن أنا قدمت للسينما المصرية والعربية إنجاز ما حدش يقدر يقول عليه بِم أو ينكره، مش كده ـ (ينظر لي متحدياً ثم يضحك فنضحك سوياً)
ـ أقول له: طبعاً دي مسألة مفروغ منها، لكن قبل ما ننقل من النقطة دي عايز أعرف تعليقك على اللي بيثار في الصحف والمجلات حول إن جيل محمد هنيدي وزملائه من الشباب هيزيح عن الساحة جيل عادل إمام وأحمد زكي وغيرهم من الكبار؟
يرد بانفعال: هل الحياة كده؟ هو أنا مش عايش مع أولادي واللي زي أحفادي والحياة مستمرة، خد عندك في تاريخ الفن فريد شوقي الله يرحمه وإزاي اتطور من الشرير إلى شجيع السيما إلى الأخ الكبير إلى الأب إلى الجد، إزاي ناس عندها موهبة أقول يالله نرميها من الشباك، في فيلم (الآخر) مدام نبيلة عبيد عملت أداء مذهل والدور كان صعب ومحتاج فنانة قوية جداً، لإنها كان ممكن تكون مكروهة، لكنها تغلبت على كل ده، كل سن وله أدواره والموهبة هي اللي تحكم.
شاهين وأمريكا
ـ أستاذ يوسف، في الوقت اللي بتطرح فيه في فيلم (الآخر) مسألة علاقتنا في مصر بأمريكا، بتشتد حدة الهجوم على ما يطلق عليه (غزو السينما الأمريكية لمصر) وده هجوم شارك فيه فنانين كثيرين انت من أولهم، نقدر نصف علاقتك بأمريكا إزاي، هل بتكرهها؟
يرد بحماس: طبعاً لا، أنا باحبها، وإلا ما أروحش هناك عشان أصور فيلم (الآخر)، بمناسبة حكاية غزو السينما الأمريكية، هناك في أمريكا عندهم شراسة في حماية السينما الأمريكية وضرب السينما الأوروبية، ولغاية دلوقتي الأستاذ كلينتون بيدافع عن السينما الأمريكية، أفتكر مرة من كذا سنة سفير أمريكا في مصر عزمنا عنده وكان الحضور محدود، يمكن 14 واحد بس من السينمائيين، واستغربنا وقلنا إيه ده؟ معقولة هيقول لنا إزاي أفلامنا المصرية هتخش أمريكا، خاصة مع الكلام الكتير عن السوق المفتوحة والعولمة، مع إنهم عمرهم هناك ما شافوا غير أفلام أمريكية، حتى الأفلام الأوروبية ما شافوهاش، أتاريه عازمنا عشان يقول لنا لو ما دافعتوش كسينمائيين عن سرقة الفيلم الأمريكي والقرصنة اللي حاصلة عليه هنرفع عن مصر كل الدعم الموجه ليها، ودي تعليمات رئاسية. طيب شوف آدي السفير والرئيس بيدافعوا عن صناعتهم السينمائية بشكل غير معقول، ومن أيام الرئيس وودرو ويلسون في العشرينات لما كانت الأفلام بتتعرض لسه في المقاهي كانوا بيحطوا بلطجية وفتوات على أبواب القهاوي علشان يجبروا الناس تخش الأفلام الأمريكاني، دلوقتي الأسلوب اختلف، دخلوا في الجات والعولمة وأحيانا ما تفهمش بيعملوا إيه، بس لسه مسيطرين بطريقة الفتونة، وكل يوم بيفكروا في الدفاع عن أفلامهم، فليه احنا ما نقاومش ده ونرفضه بنفس الأسلوب الأمريكي والإنجليزي، طبعا ده لا يمنعني من إني أحب كمية إنجليز وأمريكان خرافية، يعني لما كنت صغير كانت أول حبيباتي الشقرا والحمرا ـ يضحك ـ هل أكرههم يعني عشان حكومتهم منيِّلة؟ طبعاً لأ.
ـ أقول له: ده اعتراف جديد يا أستاذ يوسف بإنك حبيت أمريكانية في مطلع شبابك لما كنت بتدرس سينما هناك؟ ـ لم يكن فيلمه (اسكندرية نيويورك) والذي يحكي فيه عن تلك التجربة قد قد ظهر وقتها ـ
(يضحك) ما أعرفش، أنا شفت كل اللي حواليا ساعتها بيحبوا، قلت طب ما أحب أنا كمان وأجرّب، برغم إني كنت مركز جداً في الدراسة، لإني كنت فقير وعارف إني مش هاكمل فترة طويلة.
شاهين والرقابة
ـ تكلمنا كثيراً عن علاقتك بالرقابة الحكومية، لكن هل لجأت قبل كده للرقابة الذاتية على أفلامك؟
لا، أبدا، لما عملت جراحة في القلب، حصل لي تغيير كيفي كامل في فكري، وجالي خاطر إن حياتي مش ملكي، وحياة البني آدم فعلا مش ملكه، إنت فعلا ملك الآخرين، وعشان كده لازم تقول للآخرين كل اللي تقدر عليه، في أحداث أتعبتني جدا من سن الرشد ولغاية دلوقتي، لكن من الصعب جدا أتكلم عنها، في أسئلة ما تقدرش تجاوب عليها، لكني قلت هابذل أقصى جهدي من دون ما أجرح الآخرين، عشان أنا عايز أتكلم عن عيلتي وأمي وأختي ومراتي، وده مش سهل وممكن يجرحهم، لكن الناس لازم تعرف إلى أي حد بيتعب الفنان، إلى أي حد أتعبني جمال عبد الناصر وأتعبني انبهاري الشديد بيه وانتظاري ليه وحبي اللي تواصل لغاية ما اكتشفت آثار ديكتاتوريته، هو بيتطور وأنا باتطور من ناحية الفهم، لغاية ما وصلت إلى قناعة إني مش ملك لنفسي، لكن دايما المشكلة قدام الفنان هي قدر الحرية المتاح، وعشان كده لما باحس إني مش هاقدر اتكلم بدقة وحرية بادور على موضوع تاني.
ـ بمناسبة الكلام عن الرقابة، في أفلام قصيرة ليك لم يتم عرضها زي فيلم (الانطلاق) وفيلم (سلوى)؟
فيلم (الانطلاق) صورته في حرب 1973، واتمنع، ولغاية دلوقتي بعض الأجزاء منه بتتعرض في برامج عن الحرب، والغريب إنهم عملوا فيلم تاني عن الحرب وخدوا المادة اللي صورتها في فيلمي وأضافوها لفيلمهم. (لم يوافق على ذكر اسم الفيلم الذي يقصده).
ـ طيب وفيلم (سلوى)؟
ـ ده فيلم للأطفال أنتجته منظمة اليونيسيف بس مش ممنوع، ولسه موجود.
ـ هل ليك أفلام تانية عملتها واتمنعت حتى لو كانت قصيرة؟
لا، باستثناء فيلم (القاهرة منورة بأهلها)، بس عرضته تقريبا في كل الجامعات والنوادي.
ـ الصورة اللي أظهرت بيها والدتك وأختك ومراتك في فيلميك (اسكندرية ليه) و(حدوتة مصرية) هل سببت لك مشاكل أسرية؟
طبعا عملت لي مشاكل، ما حبيتش أخلي والدتي تشوف (اسكندرية ليه)، عشان محسنة توفيق الممثلة اللي أدت دورها، غيّرت في الرؤية اللي كنت عايزها. هي كانت ممثلة جيدة جدا ومجيدة في شغلها، لكن ما قدرتش ألاقي ممثلة تديني تصوري لوالدتي بالضبط، محسنة أضافت بعض الحاجات من عندها، وده غيّر شوية في التصور اللي كان عندي، وعشان كده ما خليتش أمي تشوف الفيلم إلا بعد سنين، ولما شافته قالت لي "الفيلم حلو بس هي مش أنا".
ـ طب وبالنسبة لمراتك؟
مراتي قالت لي "أنا كده يا حمار؟" (يضحك بشدة)، قالت لي "جايب واحدة مش حلوة"، هي كانت جميلة جداً.
ـ يعني خدت الحكاية بتسامح؟
أيوه، ولما يسرا لعبت دورها في (حدوتة مصرية) مراتي فرحت جدا، أنا ومراتي أصدقاء، والسنة الجاية هنكمل 45 سنة جواز، في صداقة حقيقية بيننا، وهي مدركة مدى الصعوبة اللي أنا أعيشها، أحيان كتيرة أحكي لها اللي باعمله، وأحيانا ما بتهتمش مطلقا، باللي أحكيه لها، وتقول لي: الموضوع ده باين عليه مش مضبوط، وأفكر بيني وبين نفسي ليه قالت كده، بس باعمل اللي في دماغي برضه. (يضحك).
ـ هل مراتك شايفة إنك عملت إنجاز سينمائي عظيم، يعني بتحب أفلامك ولا بتفضل نوع تاني من السينما؟
الحقيقة إحنا أبسط من كده بكتير. هي مشكلتها معايا ومشكلتي انا مع نفسي إن أنا دايما قلقان، حتى لما وصلت لمهرجان كان وهو أهم حدث سينمائي في العالم، كنت شديد القلق، شوف، الناس يمكن تقدر الفنان وتعترف بيه إنه فنان، لكن إنت نفسك لو أخدتها بجد وآمنت إنه مافيش زيك تبقى غلطان، وأنا على طول بافكر كده، مش بعد ما كبرت، حتى أول جوايز خدتها في مصر، كنت باقولهم ما تقولوش أحسن مخرج، قولوا المخرج اللي عمل أحسن فيلم السنة دي، ولغاية دلوقتي باعيش بالتفكير ده، أحيانا تيجي فترة تكون فيها الظروف حلوة، وأحيانا تكون كلها مُرّة، زي اللي حصل بعد (باب الحديد) مثلا أو بعد منع (العصفور)، بس اتعودت خلاص، دايما باحاول أعمل اللي شايفه صح علشان أعرف أنام، وعشان كده باشتغل كتير جدا، من 50 سنة باشتغل 15 و16 سنة في اليوم الواحد، ما عنديش سعادة إلا الشغل، ولما ألاقي ناس بتشتم أفلامي وبتتهمني بإن الناس دي اشترته والناس دي باعته، باقول أحسن رد على كل ده هو الأفلام، الفيلم اللي ما يعجبكش دلوقتي ممكن يعجبك بعد 20 سنة، زي ما حصل مع (باب الحديد)، وعشان كده باقول للكل استنوا شوية، بلاش الحكم الفوري، لإن بعض الأحكام الفورية تطلع من قلوب غير سليمة، أنا ماكنتش فاضي عشان أنتقم من اللي ظلموني أو شتموني وارد على كل واحد، الردود المفروض إني أقدمها من خلال أفلامي، وإني أبقى ماشي مع العصر، وإني أعرف إيه اللي موجود دلوقتي وإيه اللي هييجي بكره. في (المصير) كنت بره المسابقة وبعدين دخلت المسابقة وبعدين خدت أكبر جايزة، في ذكرى خمسين سنة على كان ادوني جايزة هي حتى أهم من الجوائز الذهبية، جايزة منحوها ست مرات بس في حياة مهرجان كان، واللي خدوها عظماء زي فيسكونتي وأورسون ويلز، لكن مع ذلك لو فضلت أدوّر الحكاية دي في دماغي هاتحول إلى حمار عظيم، طالما أنا باشتغل في الفن، يبقى لازم أشوف أفكار جديدة وأتطور دايماً.
...
ألف رحمة ونور على الأستاذ الكبير يوسف شاهين.