لم تكن شائعة حصول انقلاب في قطر، وسماع دوي إطلاق رصاص، مطلع الشهر الماضي، وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، سوى جزء صغير من مسار استمرّ ثلاث سنوات، اعتمدت فيه دول حصار قطر (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) على خلق عالم وهميّ، لتشويه صورة الدوحة.
خلال هذه السنوات الثلاث، ومنذ ما قبل فرض الحصار، عملت هذه الدول، وتحديداً الإمارات والسعودية، على خلق جيش إلكتروني منظّم، هدفه إغراق موقع "تويتر" بالأخبار الكاذبة، والتقارير المفبركة، لفرض واقع غير حقيقي، تبني عليه معطياتها وتحليلاتها، وتصدّره إلى العالم.
لم تعد طبعاً سياسة "الذباب الإلكتروني"، في بثّ الشائعات ونشرها على نطاق واسع، من خلال آلاف الحسابات الوهمية الأوتوماتيكية (BOTS) مخفية على أحد. إذ نشرت عشرات المقالات والتحليلات عن طريقة عملها، وهو ما دفع موقعَي "تويتر" و"فيسبوك" إلى إعلانات متكررة في العامَين الأخيرين عن إقفال الآلاف من هذه الحسابات والصفحات.
لكن هذا العام تحديداً، يبدو أنّ هذا العالم الوهميّ الذي خلقته ورسمته ووسّعته دول الحصار، يتداعى بشكل سريع.
نبدأ القصة من يومها الأول. أو من قبل ذلك اليوم (5 يونيو/حزيران) بأسبوعين. "أغلب الأزمات تطلب ذريعة. تم الترويج لحرب العراق من طريق اختلاق أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين، بينما اندلعت حرب فيتنام بعد حادث خليج تونكين الذي وقع عام 1964 عندما هاجمت السفن الحربية الفيتنامية الشمالية السفن الحربية الأميركية المزعومة"، يكتب الصحافي والمتخصص في البروبغندا الرقمية، البريطاني مارك أوين جونز، قبل يومَين. من هنا، يقودنا إلى "الذريعة" التي أدت إلى فرض الحصار على قطر، وهي اختراق موقع "وكالة الأنباء القطرية" (قنا)، واختلاق تصريحات مزيّفة لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. رغم أنّ الذريعة هذه المرة كانت واهية، بعد الإثبات السريع لقرصنة الوكالة، إلا أن الحصار جاء، ومعه حملة هستيرية من الأخبار الزائفة.
خلقت دول الحصار إذاً ذريعة كاذبة، وبنت عليها كل القصة بعد ذلك. فـ"الهراء" الذي رافق فرض الحصار، ترافق مع الترويج لعالم ومعطيات غير موجودة إطلاقاً. لنأخذ على سبيل المثال موقع "ذا قطر إنسيدر" The Qatar Insider. انطلق هذا الموقع سريعاً بعد الخامس من يونيو/ حزيران عام 2017، وقدّم نفسه على أنه المصدر الحصري للمعلومات حول حقيقة ما يجري داخل الدوحة، على اعتبار أنه موقع قطري معارض، يقدّم للقارئ معلومات لن يحصل عليها من أي مصدر آخر. لكن بعد أسابيع قليلة من نشر التقارير والأخبار المزيفة، ظهرت الحقيقة: لا الموقع قطري ولا معارض.
إذ نشر "ديلي بيست"، ثمّ موقع "ذا هيل" الأميركي وثائق تؤكد أن "لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية"(SAPRAC)، وهي مجموعة ضغط مؤيدة للسعودية في واشنطن، دفعت مبلغ 2.6 مليون دولار العام الماضي إلى شركة Podesta Group الأميركية، لتقديم مجموعة من الخدمات الإعلامية، بينها تشغيل موقع The Qatar Insider، وخلق صفحات واسعة الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل اسم الموقع نفسه. وبعد أشهر من اكتشاف هذه الحقيقة، تبيّن وفق "ذا هيل" كذلك، أنّ سفارة البحرين في أميركا هي التي موّلت كل هذه الحملة. اليوم، الموقع غير موجود، كذلك جرى تعليق صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم أنّ كل ما سبق ليس مفاجئاً وأثبت فشله، فإنّ دول الحصار لم تملّ من تكراره. موضوع المعارضة القطرية مثلاً. خلقت هذه الدول، وتحديداً الذباب الإلكتروني السعودي، شخصيات وهمية غير موجودة وقدمتها على أنها مجموعة من المعارضين القطريين. وفي السياق نفسه، بدأت بترويج وسوم على "تويتر" ودفعها إلى قائمة الأكثر تداولاً في عدد من الدول العربية، لتجعل منها أمراً واقعاً، وتخلق رأياً عاماً مبنياً على اللاشيء.
اقــرأ أيضاً
محاولات خلق هذه المعارضة لم تتوقّف. المستشار السعودي (المستبعد من منصبه بعد ارتباط اسمه بقتل الصحافي جمال خاشقجي) سعود القحطاني، كان عرّاب هذه المحاولات. فكان ينظّم كل أسبوع استفتاءً على حسابه على "تويتر"، حول قطر. وكان يستغلّ في كل مرة التلاعب بالترند في الدوحة عبر الـ"بوتس" والحسابات الوهمية، ليهدّد السلطات القطرية باقتراب موعد الانقلاب عليها من قبل قطريين غاضبين. وكان أبرز هذه الاستفتاءات موجهاً إلى القطريين، حين سألهم ما المستقبل الذي يريدونه لقطر، لتطالب الأغلبية الساحقة برحيل الشيخ تميم. سرعان ما يتبين بعدها أن أغلب المصوتين من خارج قطر. لكن القحطاني لم يكتفِ بذلك، بل روّج لنتائج استفتائه هذا، مهدداً السلطات القطرية بأن "عليها أن تعرف أن أي محاولة لقمع الشعب القطري باستخدام قوات أجنبية سيلحقه عقاب قاسٍ. هذه جريمة حرب".
ورغم تحوّل تغريدات القحطاني إلى أضحوكة داخل الدوحة، إلا أن الذباب الإلكتروني تابع تحريضه. مجدداً لنأخذ مثلاً من "تويتر": وسم "#ارحل_ياتميم". تصدّر هذا الوسم قائمة الأكثر تداولاً في الدوحة، تلاه وسم "#عبدالله_مستقبل_قطر" في إشارة إلى عبدالله علي آل ثاني. لكنّ تحليل الوسمين، يكشف أولاً أن أغلب الحسابات كانت مجرد حسابات إلكترونية وهمية، وأنّ أغلب المغردين عليها موجودون في المملكة العربية السعودية.
اقــرأ أيضاً
لكن هل يئست دول الحصار؟ عام 2020، وبعد أشهر من انخفاض منسوب الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل والإعلام، نتيجية عوامل عدة، أبرزها اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والموجة الدولية الغاضبة من السعودية، يبدو أنّ الذباب عاد ليحاول إنعاش القليل من ميراثه. فكان الترويج لمحاولة الانقلاب في الدوحة في مايو/ أيار الماضي، مع نشر فيديو من منطقة الوكرة القطرية يتضمّن صوتاً لإطلاق رصاص، ليتبيّن في أقل من نصف ساعة أن الفيديو مفبرك، وأن صوت الرصاص وضع عليه في عملية مونتاج بدائية.
في تلك الفترة تحديداً، أي مطلع مايو/ أيار، ومع الترويج لمحاولات الانقلاب المزعوم، أطلت علينا كاتبة رأي سعودية بتغريدة جاء فيها: "أعتقد أن تركيبة ونشر فيروس #كورونا قطرية بامتياز. وأن الدوحة دفعت مليارات لزراعة هذا الفيروس المخيف في الصين، بهدف ضرب عام 2020 الذي كان معداً له بدء تحقيق رؤية السعودية 2030 ودبي إكسبو 2020 ونهاية الخلافة العثمانية وتحقيق اتفاق الرياض وعودة السلام للشرق الأوسط"، وبعد حملة هجوم واسعة عليها من مختلف أنحاء العالم، أكدت أن تغريدتها كانت "مزحة".
لكن بعد 3 سنوات من فرض الحصار على قطر، يبدو أن المزحة الوحيدة والسمجة هي الذباب الإلكتروني الذي يحاول لملمة ما بقي من خيبته، بعد تحوّله إلى واحد من أسوأ الأوبئة على "تويتر".
خلال هذه السنوات الثلاث، ومنذ ما قبل فرض الحصار، عملت هذه الدول، وتحديداً الإمارات والسعودية، على خلق جيش إلكتروني منظّم، هدفه إغراق موقع "تويتر" بالأخبار الكاذبة، والتقارير المفبركة، لفرض واقع غير حقيقي، تبني عليه معطياتها وتحليلاتها، وتصدّره إلى العالم.
لم تعد طبعاً سياسة "الذباب الإلكتروني"، في بثّ الشائعات ونشرها على نطاق واسع، من خلال آلاف الحسابات الوهمية الأوتوماتيكية (BOTS) مخفية على أحد. إذ نشرت عشرات المقالات والتحليلات عن طريقة عملها، وهو ما دفع موقعَي "تويتر" و"فيسبوك" إلى إعلانات متكررة في العامَين الأخيرين عن إقفال الآلاف من هذه الحسابات والصفحات.
لكن هذا العام تحديداً، يبدو أنّ هذا العالم الوهميّ الذي خلقته ورسمته ووسّعته دول الحصار، يتداعى بشكل سريع.
نبدأ القصة من يومها الأول. أو من قبل ذلك اليوم (5 يونيو/حزيران) بأسبوعين. "أغلب الأزمات تطلب ذريعة. تم الترويج لحرب العراق من طريق اختلاق أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين، بينما اندلعت حرب فيتنام بعد حادث خليج تونكين الذي وقع عام 1964 عندما هاجمت السفن الحربية الفيتنامية الشمالية السفن الحربية الأميركية المزعومة"، يكتب الصحافي والمتخصص في البروبغندا الرقمية، البريطاني مارك أوين جونز، قبل يومَين. من هنا، يقودنا إلى "الذريعة" التي أدت إلى فرض الحصار على قطر، وهي اختراق موقع "وكالة الأنباء القطرية" (قنا)، واختلاق تصريحات مزيّفة لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. رغم أنّ الذريعة هذه المرة كانت واهية، بعد الإثبات السريع لقرصنة الوكالة، إلا أن الحصار جاء، ومعه حملة هستيرية من الأخبار الزائفة.
خلقت دول الحصار إذاً ذريعة كاذبة، وبنت عليها كل القصة بعد ذلك. فـ"الهراء" الذي رافق فرض الحصار، ترافق مع الترويج لعالم ومعطيات غير موجودة إطلاقاً. لنأخذ على سبيل المثال موقع "ذا قطر إنسيدر" The Qatar Insider. انطلق هذا الموقع سريعاً بعد الخامس من يونيو/ حزيران عام 2017، وقدّم نفسه على أنه المصدر الحصري للمعلومات حول حقيقة ما يجري داخل الدوحة، على اعتبار أنه موقع قطري معارض، يقدّم للقارئ معلومات لن يحصل عليها من أي مصدر آخر. لكن بعد أسابيع قليلة من نشر التقارير والأخبار المزيفة، ظهرت الحقيقة: لا الموقع قطري ولا معارض.
إذ نشر "ديلي بيست"، ثمّ موقع "ذا هيل" الأميركي وثائق تؤكد أن "لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية"(SAPRAC)، وهي مجموعة ضغط مؤيدة للسعودية في واشنطن، دفعت مبلغ 2.6 مليون دولار العام الماضي إلى شركة Podesta Group الأميركية، لتقديم مجموعة من الخدمات الإعلامية، بينها تشغيل موقع The Qatar Insider، وخلق صفحات واسعة الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل اسم الموقع نفسه. وبعد أشهر من اكتشاف هذه الحقيقة، تبيّن وفق "ذا هيل" كذلك، أنّ سفارة البحرين في أميركا هي التي موّلت كل هذه الحملة. اليوم، الموقع غير موجود، كذلك جرى تعليق صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم أنّ كل ما سبق ليس مفاجئاً وأثبت فشله، فإنّ دول الحصار لم تملّ من تكراره. موضوع المعارضة القطرية مثلاً. خلقت هذه الدول، وتحديداً الذباب الإلكتروني السعودي، شخصيات وهمية غير موجودة وقدمتها على أنها مجموعة من المعارضين القطريين. وفي السياق نفسه، بدأت بترويج وسوم على "تويتر" ودفعها إلى قائمة الأكثر تداولاً في عدد من الدول العربية، لتجعل منها أمراً واقعاً، وتخلق رأياً عاماً مبنياً على اللاشيء.
لنعد إلى وسم "#قلوبنا_مع_تميم_لا_الحمدين" الذي انتشر بين عامي 2017 و2018. تصدّر هذا الوسم قائمة الأكثر تداولاً في الدوحة وقتها، خصوصاً أن أكثر من ألفي تغريدة كان مصدرها الدوحة، ليبدو كأن هناك حملة قطرية غاضبة ضدّ الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم آل ثاني. للوهلة الأولى، يبدو شكل الوسم ومضمونه قطرياً فعلاً، خصوصاً أن المغردين عليه دافعوا عن الأمير تميم بن حمد. لكن دراسة سريعة لهذه التغريدات والحسابات "القطرية" التي انطلقت منها، تظهر أنها مجرّد روبوتات، تتابعها بعض الحسابات السعودية، وأن الهدف منها كان خلق حيثية "لمعارضة قطرية من الداخل ضدّ الحمدين"، كما جاء في دراسة أعدها أوين جونز نفسه عام 2019.
محاولات خلق هذه المعارضة لم تتوقّف. المستشار السعودي (المستبعد من منصبه بعد ارتباط اسمه بقتل الصحافي جمال خاشقجي) سعود القحطاني، كان عرّاب هذه المحاولات. فكان ينظّم كل أسبوع استفتاءً على حسابه على "تويتر"، حول قطر. وكان يستغلّ في كل مرة التلاعب بالترند في الدوحة عبر الـ"بوتس" والحسابات الوهمية، ليهدّد السلطات القطرية باقتراب موعد الانقلاب عليها من قبل قطريين غاضبين. وكان أبرز هذه الاستفتاءات موجهاً إلى القطريين، حين سألهم ما المستقبل الذي يريدونه لقطر، لتطالب الأغلبية الساحقة برحيل الشيخ تميم. سرعان ما يتبين بعدها أن أغلب المصوتين من خارج قطر. لكن القحطاني لم يكتفِ بذلك، بل روّج لنتائج استفتائه هذا، مهدداً السلطات القطرية بأن "عليها أن تعرف أن أي محاولة لقمع الشعب القطري باستخدام قوات أجنبية سيلحقه عقاب قاسٍ. هذه جريمة حرب".
ورغم تحوّل تغريدات القحطاني إلى أضحوكة داخل الدوحة، إلا أن الذباب الإلكتروني تابع تحريضه. مجدداً لنأخذ مثلاً من "تويتر": وسم "#ارحل_ياتميم". تصدّر هذا الوسم قائمة الأكثر تداولاً في الدوحة، تلاه وسم "#عبدالله_مستقبل_قطر" في إشارة إلى عبدالله علي آل ثاني. لكنّ تحليل الوسمين، يكشف أولاً أن أغلب الحسابات كانت مجرد حسابات إلكترونية وهمية، وأنّ أغلب المغردين عليها موجودون في المملكة العربية السعودية.
إذاً بين عامي 2017 و2019، عملت دول الحصار على محاولة تقديم البروبغندا الخاصة بها، على اعتبار أنها تريد مصلحتها، ومعها المصلحة العليا للشعب القطري، فعمدت إلى خلق مغردين قطريين، ومعارضين في الداخل والخارج، ومواقع إلكترونية، كلها سعودية التشغيل، وقوامها روبوتات لا بشر.
لكن هل يئست دول الحصار؟ عام 2020، وبعد أشهر من انخفاض منسوب الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل والإعلام، نتيجية عوامل عدة، أبرزها اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والموجة الدولية الغاضبة من السعودية، يبدو أنّ الذباب عاد ليحاول إنعاش القليل من ميراثه. فكان الترويج لمحاولة الانقلاب في الدوحة في مايو/ أيار الماضي، مع نشر فيديو من منطقة الوكرة القطرية يتضمّن صوتاً لإطلاق رصاص، ليتبيّن في أقل من نصف ساعة أن الفيديو مفبرك، وأن صوت الرصاص وضع عليه في عملية مونتاج بدائية.
Twitter Post
|
Twitter Post
|