حصار تجويع الهامة وقدسيا... نموذج لانتهاك النظام السوري تعهّداته

يتأكد بشكل يومي للسوريين المعارضين للنظام، أن ما اصطلح على تسميته "مصالحات" أو "هدن"، في ريف دمشق مثلاً، لم يشكل يوماً دافعاً لالتزام النظام بتوقيعه، بدليل ما يحصل مثلاً، منذ أكثر من شهر، في بلدتي قدسيا والهامة القريبتين من دمشق، لناحية فرض حصار تجويعي خانق عليهما بحجة ما تدعيه السلطات من اختطاف أحد المجندين في قدسيا، الأمر الذي ينكره الأهالي والجيش الحر في المنطقة.

ونشطت خلال الأيام الأخيرة الجهود لفك الحصار عن البلدتين الواقعتين على طريق الربوة غربي دمشق، واللتين تضمان نحو نصف مليون شخص من أهل المنطقة والنازحين، وذلك بعد نداءات استغاثة أطلقها السكان بنفاد المواد الغذائية والطبية المخزنة، ووجود حالات صحية حرجة تستدعي العلاج خارج البلدتين.

وقد عمدت قوات النظام إلى إغلاق حواجزها وإقفال الطرق بسواتر ترابية، بينما تمنع دخول وخروج المدنيين من قدسيا والهامة، فضلا عن منع دخول المواد الغذائية والطبية والمحروقات، ما خلف أزمة غذائية كبيرة وخصوصاً بعد أن أغلقت الأفران أبوابها منذ اليوم الثالث للحصار بسبب استهلاك المخزون من مادة الطحين. كما أغلقت أكثر من 70 بالمئة من المحال التجارية بسبب قلة البضائع وارتفاع أسعار ما هو موجود من أغذية في المنطقة خاصة مع بدء نفاد المواد التموينية المخزنة في المنازل. يضاف إلى ذلك، انقطاع مياه الشرب، والنقص الكبير في المواد الطبية والأدوية الرئيسية وحليب الأطفال.

" نصف مليون من أهل البلدتين والنازحين مهددون بالجوع "

يشير ناشطون إلى معاناة فلاحي المنطقة بعد فقدان الأعلاف وأطعمة المواشي والطيور، ما ينذر بكارثة إنسانية، علماً أن الهامة وقدسيا وضعهما يختلف عن الغوطة الشرقية، فالمدينتان ليس فيهما أراض زراعية كالغوطة الشرقية يمكن أن يستفيد السكان من إنتاجها.

اقرأ أيضاً: مخيم خان الشيح المنسي في سورية... مقاومة بطعم الدم

يرى أهل المنطقتين أن الحصار هو بهذه الشراسة بسبب خشية النظام من تحرك البلدتين اللتين ينتشر فيهما "الجيش الحر"، ذلك أن الهامة وقدسيا قريبتان من دمشق، وتنتشر فيهما أو قربهما العديد من القطع والثكنات، مثل معامل الدفاع والرحبة والبحوث العلمية والقوات الخاصة في منطقة الدريج، فضلا عن المساكن العسكرية مثل العرين وحي الورد والتي يقطنها سكان وضباط موالون للنظام.

يقول أحد أعضاء لجنة المصالحة في قدسيا التي التقت ضباطاً من جيش النظام أخيراً، إن النظام يحاول كما يبدو الضغط على هاتين البلدتين وغيرهما من البلدات المجاورة عبر حصارها، خوفاً من فتح أي جبهة ضده لمؤازرة مدينة الزبداني.

ويبدو أن النظام يحاول تطبيق السياسة نفسها التي اتبعها في مخيم اليرموك جنوبي دمشق عبر فرض حصار شديد بهدف تجويع السكان وإجبار الجيش الحر على الانسحاب من البلدتين أو تعريض المدنيين للموت جوعا، على حد تعبير عضو المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في بلدة الهامة، عامر الشامي. أما موقف النظام، فيُترجَم بما تتناقله الصفحات الموالية على "فايسبوك"، مثل صفحة "قدسيا الأسد" الموالية التي تقول إنه منذ بداية الحصار علی ‏قدسيا، سجلت تصرفات عدة من قبل اللجان الشعبية في حيي الجادات والنازحين من إطلاق نار عشوائي وخطف واعتداء وتوجيه إهانات للمواطنين، على حد زعمها.
في المقابل، يرى الناشط الإعلامي أيمن القدسي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن من بين أهداف هذا الحصار هو الاسترزاق المالي لبعض التجار المتعاونين مع قوات النظام. ويقول القدسي إن حواجز النظام المجاورة لقدسيا تمرر بعض المواد الغذائية للمدينة لكن بأسعار مضاعفة وتسلمها لمجموعة من التجار المتعاونين معها داخل المدينة والذين يرفعون سعرها بدورهم بصورة كبيرة تصل إلى عشرة أضعاف سعرها الحقيقي، ما يعني تحول الحصار في قدسيا إلى تجارة مربحة لهم، فضلا عن اضطرار الكثير من المواطنين إلى دفع مبالغ مالية لحواجز النظام التي تديرها "لجان شعبية" تصل الى خمسة آلاف ليرة للشخص الواحد إذا أرادوا مغادرة البلدتين ولو لساعات عدة.

اقرأ أيضاً: سورية: تقرير يوثق مقتل 3000 فلسطيني واستمرار حصار اليرموك 

" يخشى النظام أن تتحرك الهامة وقدسيا نصرة للزبداني "

وتكمن أهمية الهامة بأنها منطقة مرتفعة نسبياً، شمال غرب دمشق، وتشكل إحدى الخاصرات الرخوة للنظام بجوار العاصمة، كالقابون وجوبر وبرزة البلد، والتي تبقى مناطق توتر واشتباكات دائمة. لكن رغم ذلك، تستبعد مصادر محلية أن يبادر النظام إلى شنّ هجوم عسكري على الهامة وقدسيا خشية أن يؤدي ذلك إلى إضعاف جبهاته داخل العاصمة، ولا سيما في أحياء جوبر والقدم والتضامن، فضلاً عن أن الأولوية اليوم بالنسبة للنظام هي معركة الزبداني التي ما زال يعجز عن اقتحامها منذ أكثر من شهر ونصف الشهر.

ويتخوف الأهالي أيضا من انتشار الأمراض المعدية، بسبب عدم رفع القمامة حيث تمنع قوات النظام دخول سيارات القمامة إلى المنطقة، ويترافق ذلك مع ارتفاع درجات الحرارة وتسجيل عدة حالات تسمم بين الأهالي.

وكانت قوات النظام قد منعت دخول المساعدات الإنسانية بواسطة الهلال الأحمر عن مدينة الهامة منذ أكثر من عام رغم وجود عدد كبير من الوافدين إليها من المناطق المنكوبة وخاصة من الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك.

" مافيات تجار من دائرة النظام تستفيد من الحصار "

وسبق لمدينة قدسيا أن عقدت هدنة مع النظام السوري منذ قرابة العام، تقضي بفتح الطرق الرئيسية إلى المدينة وتسليم الأسلحة الموجودة لدى كتائب الجيش الحر إلى لجان "الحماية الأهلية" المشكلة من أبناء المدينة لاستخدامها في تأمين المدينة بحسب الاتفاق، وعدم السماح بأي  مظاهر مسلحة خارج نطاق عمل لجان الحماية الأهلية، وضمان حرية الدخول والخروج والتنقل في المدينة للجميع، المدنيين والعسكريين، شريطة أن يكون ذلك دون أي سلاح.

ونصت الاتفاقية أيضاً على تأمين من يدخل المدينة بالخطأ من العسكريين عن طريق لجان الحماية الأهلية والتي سوف تتولى بدورها إعادته وإرشاده إلى الطريق الصحيح وحمايته.

 كما تقضي بمواصلة عمل جميع المؤسسات الحكومية داخل المدينة بإشراف وإدارة لجنة المصالحة بالتنسيق الكامل مع أجهزة النظام.

اقرأ أيضاً: النظام ينقلب على مناطق "المصالحات" بريف دمشق