لا شيء في شوارع غزة يشي إلى أن اليوم الاثنين هو أول أيام عيد الفطر. تهانٍ خجولة جداً، ترافقها دوماً أسئلة الاطمئنان عن الأبناء والمنازل. فالقطاع يستقبل العيد، وقد وصل إلى مراحل غير مسبوقة من الدمار، والعدوان، والفقر والبطالة.
بدا العيد باهتاً اليوم. لا ملامح له هذا العام. الشوارع هادئة. الأطفال يبحثون عن أراجيحهم وألعابهم بين الركام. الفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية تئن تحت خسائرها الضخمة. هنا في غزة، المأساة طغت على العيد وفرحه.
لا إنتاج ولا إقبال
تعتمد الفنادق والمطاعم والاستراحات البحرية على موسم العيد الذي يشكل لها مصدراً مهماً في الدخل السنوي، يساعدها في سداد الإيجار المرتفع، ومصاريف العاملين. إلا أن اشتداد العدوان الذي بدأ في الثامن من رمضان ولم ينته مع حلول العيد، أثر سلباً على الواقع الاقتصادي لهذه المرافق، بشكل ملحوظ.
يفتح جعفر الغُرة محله التجاري بحياء، يبيع فيه اللحوم الطازجة والمفرومة والشاورما، والتي يزيد الإقبال عليها في الأعياد لانشغال المواطنين بالزيارات العائلية وعدم قدرتهم على الطبخ، لكن هذا العيد لم يحمل معه خير الأعوام السابقة، فحالة الحداد أثرت على تفاصيل الحياة في غزة كافة.
ويقول الغرة لـ"العربي الجديد": في الأعياد السابقة كان البيع وفيراً، وكانت أجواء العيد تملأ الشوارع والميادين، ولكن هذا لم يحدث في هذا العيد نتيجة العدوان الذي حصد مئات المواطنين، وجرح الآلاف، مبيناً أن حالة الركود تسببت في خسائر كبيرة عنده، وعند جميع بائعي اللحوم وأصحاب المطاعم.
على الجانب الآخر، وقف البائع محمد المزنر على باب محل بيع الحلويات والكيك، في منطقة تل الهوا وسط مدينة غزة، مكتوف الأيدي، وكان محله فارغاً تماماً من الزبائن، الذين كان يعج بهم المحل في الأعياد السابقة والمناسبات السعيدة، وفي رمضان الذي انقضى.
ويوضح المزنر أن الناس "كئيبة بسبب الوضع العام ولا تميل إلى شراء الحلويات"، ويقول: "لدينا محلات عدة لبيع الحلويات والكيك والمعجنات والخبز، لكننا لم نتمكن ليلة العيد من البيع بشكل جيد مثل الأعياد السابقة، ما ينذر بتلف كميات كبيرة من الحلويات التي تمت صناعتها".
فقدان مصدر الرزق
وفقد عدد من البائعين الموسميين مصدر رزقهم بفعل التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي أفقد رمضان والعيد جوهما الخاص. ويقول جميل أبو وردة وهو بائع ألعاب: لم ير أطفالاً يرتدون ملابس العيد مثل الأعياد السابقة، وأن البيع في اليوم الأول كان منخفضاً جداً.
ولم يتمكن شقيقه كمال من نصب الأرجوحة الدوارة التي يضعها أمام منزله في كل عيد، وذلك تماشياً مع الوضع العام والحزن المشترك على ضحايا العدوان. ويقول كمال: كنت أعتمد بشكل كبير على الدخل الذي كنت أجنيه من وراء ترفيه الأطفال وخاصة في العيد، لكن المشهد في غزة لا يسمح بذلك الآن.
شاطئ بحر غزة بدا كذلك حزيناً، ولم تشهد استراحاته اكتظاظاً ككل عام وكل عيد، ويقول عبد الرحمن الترتوري، وهو صاحب إحدى الاستراحات في منطقة الميناء، إن العيد هذا العام بدون نكهة، وأن نسبة الزبائن تكاد لا تتجاوز نسبة 5 في المئة مقارنة بالوضع الطبيعي في الأعياد والمناسبات.
ويشير إلى أن العدوان الإسرائيلي أثرّ بشكل واضح على عملهم خلال فترة رمضان الذي يشهد عادة إقبالاً كبيراً من المواطنين الذين يفطرون على الشاطئ، وكذلك في أيام عيد الفطر، لافتاً إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيكبدهم المزيد من الخسائر.
وقدّر خبير اقتصادي في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، خسائر غزة جراء العدوان الإسرائيلي بخمسة ملايين دولار يومياً، وهي خسائر مباشرة يتعرض لها التجار وأصحاب المهن في القطاع المحاصر.