حزب ماكرون مهدد بانقسامات: إطاحة فيليب تشغل الرئيس

13 يونيو 2020
أصبح فيليب أكثر إقناعاً للفرنسيين من الرئيس (تشارلز بلاتيو/Getty)
+ الخط -

لا يكاد حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، يُغلق الباب على أزمة، حتى يجد نفسه أمام أخرى جديدة. هذه المرة، جاءت المشكلة من زعيم كتلة الحزب في البرلمان، جيل لوجاندر، الذي سرّبت مجلة "ماريان" ملاحظة مكتوبة قام بتوجيهها للرئيس، مفادها تقديم النصح له لاختيار أعضاء "الطاقم الحكومي الجديد". وإذ تأتي ورقة لوجاندر لتؤكد التخمينات الإعلامية التي تتحدث عن تعديلٍ وزاري، قد يكون واسعاً، يتجه ماكرون لإجرائه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ويشمل على وجه الخصوص رئيس وزرائه إدوار فيليب، فإنها أشعلت خلافاً في بيت الأغلبية الحاكمة، لما تحمله من "مراهقة" سياسية و"رعونة مفرطة"، بحسب تعبير نواب من الحزب.

وكتب لوجاندر إلى ماكرون بأنه إذا أراد فعلاً إجراء تغيير في فريقه الحكومي، فإن على هذا التغيير أن يترجم "رؤية" الرئيس الفرنسي "للسنتين المقبلتين، الهادفة إلى "إعادة ابتكار" الأغلبية، و"إعادة التوازن السياسي" إلى الحكومة، مع العمل على خطة لـ"إعادة البناء" سياسياً. ولم يتردد لوجاندر في انتقاد رئيس الوزراء إدوار فيليب الذي لم ينجح، بحسب رأيه، في جعل الحكومة تعمل بوصفها "مجموعةً حقيقية" خلال السنوات الثلاث الماضية، ويأخذ عليه "تجنبه الخوض في قضايا الأغلبية"، كما لو كان غريباً عليها. ويبدو أن رئيس الوزراء قد تجاوز، في نظر لوجاندر، الصلاحيات الموكلة إليه، أو أنه لم يقم بمهامه كما يجب، ما أخلّ بالتوازن بين رأسي السلطة. هذا التوازن يرسمه لوجاندر للرئيس الفرنسي على الشكل التالي: "لك الرؤية والاستراتيجية والعلاقة مع الفرنسيين، ولرئيس الوزراء التنفيذ وإدارة الأغلبية".

ولإعادة ضبط الأمور بما فيه "إعادة ابتكارنا" ومحاولة كسب ثقة الفرنسيين الذين يعاني الحزب الحاكم في إقناعهم، اقترح لوجاندر استبدال فيليب بواحد من اثنين: وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان، أو وزير الاقتصاد برونو لومير. ورأى أن لودريان قادر على "إرسال الإشارة السياسية المناسبة" إلى الفرنسيين، وعلى إدارة الأغلبية، كما أن تعيينه، وهو البالغ من العمر 72 عاماً، يعطي انطباعاً "قد يكون مفيداً" بالتباين جليّاً بينه وبين ماكرون، البالغ من العمر 42 عاماً. وبعد ذكر خصال لودريان الحسنة، يتوقف رئيس كتلة "الجمهورية إلى الأمام" عند نقطة ضعف وزير الخارجية: "لكنه قد لا يعيننا كثيراً في الزخم الذي نريد ضخّه". أما برونو لومير، "فالأمر معه معكوس تقريباً"، بحسب لوجاندر، إذ أنه قادر "على تجسيد إعادة البناء"، لكنه "ضعيف الكاريزما".


واستكمل لوجاندر ورقته باقتراح رئيس الوزراء في عهد فرانسوا هولاند، مانويل فالس، للحلول مكان لودريان على رأس الدبلوماسية الفرنسية. وعلى الرغم من إقراره بوجود انقسام حول فالس بين صفوف الأغلبية الحاكمة، إلا أنه لا يخفي "أننا لا نملك ما يكفي من الأوراق لنتجاهل وزناً ثقيلاً مثله"، وهو اعتراف يكشف عن مدى العوز في صفوف الحزب الحاكم، وعن اعتماده الكبير لإدارة البلاد، على وجوه من الأحزاب التقليدية، التي يعلن في الوقت ذاته رغبته في "تجاوزها". واختتم لوجاندر اقتراحاته باقتراح نفسه، على ماكرون، وزيراً للعلاقة بين الحكومة والبرلمان، الأمر الذي جلب له موجة من التعليقات الساخرة.

أما داخل "الجمهورية إلى الأمام"، فلم تكن السخرية ما عبّرت عنه ردود الفعل، بل الغضب، الذي وصل ببعض النواب حدّ المطالبة باستقالة لوجاندر. هذا ما طالب به نائب الحزب عن إقليم أور، برونو كيستيل، الذي قال إن على رئيس الكتلة النيابية للحزب "مغادرة منصبه في أقرب وقت ممكن". وهو ما ذهب إليه أيضاً النائب عن فرنسيّي الخارج، رولان ليسكور، الذي دعا إلى إعادة النظر في التشكيلة الحالية لفريق الحزب السياسي. أما النائب عن إقليم كروز، جان باتيست مورو، فوصف كلام لوجاندر بأنه "من مستوى كلام البازارات"، مطالباً بالتزام الصراحة والكشف عن النوايا بين أعضاء "الجمهورية إلى الأمام". وهو الأمر نفسه الذي دعت إليه النائبة عن منطقة إيفلين، أورور بيرجيه، قائلة إنه "من الصعب الوصول إلى مستوى كافٍ من الثقة حينما تأتي وتطالب بتغيير رئيس الوزراء وأعضاء من الحكومة. نحن بحاجة للوضوح وللعمل بطريقة أخرى داخل مجموعتنا". النائبة عن باريس، آن كريستين لانغ، قالت بدورها إن ما جرى "محنة تواجهها مجموعتنا في أسوأ الأوقات. يشاهد الفرنسيون رئيس المجموعة، وهو يهاجم رئيس الوزراء ونصف أعضاء الحكومة وأعضاء مجموعته. لسنا هنا إزاء مسألة خاصة، بل أمام ورقة تريد لنفسها أن تكون ورقة سياسية".

وسارع لوجاندر للدفاع عن نفسه أمام نواب حزبه بالقول إنه لا يُكنّ "أيّ ازدراء" لأحد منهم، مؤكداً ثقته في رئيس الوزراء. ووعدهم، في جلسة عقدها الحزب لمناقشة الأزمة، بـ"إصلاح علاقة الثقة التي تمزقت" بينه وبينهم. وقال: "صحيح، لقد كتبت أنني لا أرى مرشحين لمنصب رئيس الوزراء من داخل مجموعتنا. لكنه صحيح أيضاً، وقبل كل شيء، أنني كتبت أنه يحق لكثير منكم أن يأملوا في دخول الحكومة". ومثل لوجاندر، حاول مسؤولون آخرون في حزب ماكرون احتواء الأزمة، كما فعل رئيس الحزب، ستانيسلاس غيريني، الذي دعا إلى الوحدة والمودة، في حين حذر رئيس البرلمان، وأحد أبرز أعضاء الحزب، ريشار فيران، من "الانقسامات القاتلة" في وقت يخوض فيه "الجمهورية إلى الأمام" معركة انتخابية في غاية الصعوبة، متمثلة في الانتخابات البلدية، التي تُجرى جولتها الثانية والأخيرة في 28 يونيو/حزيران الحالي.

ومهما يكن، فإن ورقة لوجاندر تظهر الأزمة والخلافات التي يعيشها الحزب الرئاسي الفرنسي، الذي لطالما سعى إلى تقديم صورة وردية عن تماسكه وعن التفاهم بين أعضائه ومسؤوليه. كما تُظهر أن مسألة التغيير الوزاري المنتظَر تشكل مصدر قلق أساسياً للرئيس الفرنسي، الذي يرى اسمه، في استطلاعات الرأي، بعيداً وراء اسم رئيس وزرائه على مستوى الشعبية وثقة الفرنسيين. في دراسة لمعهد "إيفوب" نشرها قبل أيام، تبدو شعبية ماكرون وقد انخفضت إلى 41 في المائة، بنقص قدره سبع نقاط خلال شهر واحد، في حين ينال فيليب 57 في المائة، ليصبح ثاني سياسيّي البلد شعبيةً بعد الوزير البيئي السابق، والنجم الإعلامي، نيكولا هولو.

لم يعد خافياً على أحد في فرنسا، أن فيليب بات أكثر إقناعاً للفرنسيين من رئيسهم، وهي حقيقةٌ فتحت الباب، قبل أسابيع، على تخمينات حول توجه ماكرون لاستبداله. غير أن هذه الأزمة، التي تسبّبت بها ورقة لوجاندر المسربة، قد تقوّي فيليب، بدل وضع حدٍّ له.