ثلاثة أعوام مرت على إعلان الحزب تدخله العسكري في سورية، خسر خلالها عدداً غير معروف من عناصره وقادته. وعلى الرغم من تكتم الحزب على عدد قتلاه، إلا أن مصادر في المعارضة تُقدّر أن آلافاً من مقاتلي الحزب لقوا مصرعهم، أو أصيبوا، أو أُسروا على يد قوات المعارضة.
منذ الأسابيع الأولى للثورة السورية التي بدأت في 15 مارس/آذار من عام 2011، بدا أن حزب الله لن "ينأى بنفسه" عما يجري، وأنه اتخذ قرار الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد في مقابل غالبية السوريين الذين أعلنوا رغبتهم في إسقاط النظام، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي.
ويؤكد ناشطو الثورة السورية أن تدخل حزب الله إلى جانب نظام الأسد بدأ مبكراً، وأن عناصر من الحزب كان لها دور في قمع المتظاهرين، تحديداً في العاصمة دمشق، مؤكدين أن سقوط قتلى من عناصره على يد المعارضة السورية المسلحة بدأ في منتصف عام 2011. ولكن الحزب تكتم على مشاركته حتى يمكّن نفسه في مناطق سوريّة عدة بالاتفاق والتنسيق مع النظام، والذي حسم أمره باكراً وقرر وأد الثورة عسكرياً، معتمداً على حزب الله حليفه الأبرز.
أعلن حزب الله تدخله العسكري المباشر إلى جانب قوات النظام في مايو/ أيار 2013، عندما بدأت هذه القوات تترنّح تحت وطأة ضربات متلاحقة من قبل المعارضة السورية المسلحة، خصوصاً في منطقة القصير جنوب غرب مدينة حمص (وسط البلاد). ويرى محللون أن تدخّل حزب الله في ذاك التاريخ أنقذ النظام من سقوط محتوم.
لم يتوقف تدخل حزب الله عند حدود معينة، بل امتد ليشمل كامل الجغرافيا السورية تقريباً، وبدأ يعلن عن سقوط قتلى من قادته ومقاتليه في معارك مع قوات المعارضة السورية، خصوصاً في منطقة القلمون التي تحاذي مناطق نفوذ الحزب في لبنان. وأيضاً في حلب وريفها، حيث تمركزت قوات للحزب في بلدتي نبّل والزهراء شمال حلب، وفي بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب.
كما كانت لحزب الله مواقع في محافظة درعا (جنوب سورية)، تحديداً في بلدة بصرى الشام، والتي استعادت قوات المعارضة السيطرة عليها، فضلاً عن دمشق وريفها، حيث يتخذ حزب الله من مزارات دينية، كـ"مقام السيدة زينب"، مقرات له، جنوب العاصمة دمشق. مع العلم أن المنطقة قد تحوّلت ومحيطها إلى مجال عسكري للحزب ومليشيات عراقية. وقام الحزب منذ أيام باستعراض عسكري كبير داخلها بحضور ضباط من جيش النظام، للتأكيد على حضوره في المشهد السوري، وأن مقتل أبرز قادته مصطفى بدر الدين، لا يعني بداية نهاية وجوده في سورية.
ويُعدّ حزب الله القوة الأبرز التي تحاصر العديد من المدن والبلدات التي خرجت عن سيطرة النظام، وفي مقدمتها الزبداني ومضايا. وتسبب الحصار المطبق هناك بوقوع كارثة إنسانية، إذ توفى مدنيون جلهم أطفال في بدايات العام الجاري جوعاً وبرداً، وأيضاً جراء عمليات القنص التي يقوم عناصر الحزب بحق المدنيين.
إضافة إلى ذلك، تنتشر قوات لحزب الله في الغوطة الشرقية، حيث تدور معارك كبرى في محاولة من قوات النظام استعادة السيطرة عليها، مستغلة الصراع الدموي بين فصائل المعارضة في المنطقة. وغير بعيد عن الغوطة الشرقية، تدعم قوات من حزب الله الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، في حصار مدينة داريا، جنوب غرب دمشق منذ أعوام، حيث باءت بالفشل كل محاولات اقتحامها، رغم تدمير أغلب أحيائها بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية.
كما تُعدّ بلدة الحاضر ومناطق أخرى في ريف حلب الجنوبي، وفق المتحدث باسم "جيش المجاهدين" في حلب، النقيب أمين أحمد ملحيس، أبرز النقاط التي تتمركز فيها قوات لحزب الله في شمال سورية، إلى جانب مليشيات من العراق وأفغانستان يمولها الحرس الثوري الإيراني.
ويشير ملحيس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "لحزب الله قوات داخل مدينة حلب، تحديداً في الأكاديمية العسكرية حيث مقرّها الرئيسي، وفي منطقة معمل الكرتون غرب حلب، ومدرسة بيت الحكمة، ونقاط أخرى".
ويضيف أن "قوات حزب الله تشارك في الأعمال القتالية الهجومية، ويتولّون الدفاع إذا فشلت قوات النظام في ذلك"، مردفاً أن "للحزب قوة مركزية متحركة بين الجبهات".
ويؤكد ملحيس أن "حزب الله يحشد مع قوات إيرانية ومليشيات في جنوب حلب، في سياق الاستعدادات لجولة أخرى مع المعارضة، إثر معركة خان طومان التي تعرّضت فيها تلك المليشيات لخسائر فادحة. وتفيد مصادر بأن مصطفى بدر الدين ربما قتل مع قادة عسكريين إيرانيين في المعركة، والتي انتهت بسيطرة المعارضة على البلدة".
ويلفت ملحيس إلى أن "جيش المجاهدين أطلق يوم الجمعة مبادرة لوحدة الفصائل، ورصّ الصفوف لصدّ الهجوم المتوقع"، موضحاً أن "أغلب هذه الفصائل الموجودة غرب حلب استجابت للمبادرة، وفي مقدمتها: لواء شهداء الأتارب، ولواء قذائف الحق، وتجمّع شهداء الأتارب".
في السياق، يرى مراقبون أن "حزب الله تورّط في الحرب التي يشنّها النظام على السوريين، ولم يعد باستطاعته التراجع عن موقفه لأنه يعني هزيمة مدوية له، ليس بالإمكان تحمّل تبعاتها، ومن شأنها التقليل من دوره، وبدء انحسار تأثيره على القرار اللبناني".
في هذا الإطار، يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد رياض غنام، أن "خيارات حزب اللّه في سورية باتت شبه معدومة، نظراً لارتباطاته المصيرية مع إيران، والتي تفرض عليه الالتزام بقرارات ولاية الفقية، حتى وإن كانت تقارب الانتحار".
ويضيف غنام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة الإيرانية محتدمة على أكثر من جبهة صراع في المنطقة، وتمتد من سورية للعراق، واليمن، ومن ثم لبنان. بالتالي فإن حسم الخيارات بالنسبة لحزب اللّه، يرتبط بشكل مباشر بطريقة إنهاء هذه الصراعات المستعرة بأبعادها العسكرية والسياسية".
ويعرب غنام عن اعتقاده بأن "إعلان حسن نصر اللّه عن عزمه إرسال المزيد من المقاتلين لسورية، هو بمثابة تذكير دائم للقيادة الإيرانية بمدى تبعيته لها"، مضيفاً "وفي الوقت عينه هي رسالة للروسي، مفادها بأن الحزب لن يتراجع عن دعمه المطلق لنظام الأسد. بالتالي فإن أي خيارات سياسية قد يفكر بها الروسي يجب أن يكون الأسد وحزب اللّه طرفاً فيها".
ويرى غنام أن "نصر الله أراد إيصال رسالة أخرى إلى إسرائيل، وهي أن قتل الكثير من قادة حزب اللّه في سورية، لن يغيّر من موقف الحزب، القائم على الاستمرار في القتال إلى جانب إيران والأسد على حد سواء". ويرى بأن "نصر الله أراد تعبئة الحاضنة الشعبية لحزبه، والتي بدأت تستشعر خطر هذا التورط في سورية نتيجة لحجم القتلى بين أبنائها". ويعتبر بأن "حزب الله يراهن من خلال إرسال المزيد من قادته إلى سورية على مستقبله ووجوده ضمن معادلة الأقوياء، في صراعٍ يمسّ وجود أكثر من طرف".