حزب الله وإعادة تشكيل المنظومة الاقتصادية اللبنانية

21 ابريل 2020
+ الخط -
منذ نجاحه في فرض ميشيل عون رئيسا للجمهورية اللبنانية عام 2016، ومن ثم فرض التوازنات التي يريدها على الحكومة، ومنها اعتماد قانون للانتخاب على أساس النسبية، والذي أعطاه لأول مرة أكثرية في مجلس النواب بعد انتخابات 2018، ومن ثم نجاحه بالسيطرة على رئاسة الحكومة اللبنانية بعد فرض حسّان دياب خلفاً لسعد الحريري الذي استقال بعد اندلاع انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019، منذ ذلك كله يبدو أن حزب الله ماضٍ في تنفيذ خطته الهادفة إلى إعادة تشكيل المنظومة الاقتصادية اللبنانية بكاملها، وفقاً لمصالحه وأهدافه لاستكمال السيطرة على الدولة اللبنانية، ومحاولة ربط لبنان اقتصادياً بالمشروع الإيراني، بعد أن ربطه سياسياً وأمنياً، فبعد سجالات سياسية كثيرة رافقت الانتفاضة الشعبية في لبنان، وما تمخّض عنها من تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة دياب، وإمساك حزب الله بخيوط السلطة السياسية اللبنانية من جميع أطرافها، وجد الأخير نفسه في وضع جديد، يستطيع من خلاله إعادة تشكيل لبنان ومنظومته الاقتصادية وفق رؤية الحزب وتصوراته التي تخدم، في المقام الأول، مصالحه ومصالح النظام الإيراني على حساب مصالح الدولة اللبنانية ومصالح مواطنيها في ظل عدم قدرة المعارضة على الاجتماع تحت سقف سياسي واحد.
بدأت مساعي حزب الله الفعلية بإعادة تشكيل المنظومة الاقتصادية في لبنان تتكشف تباعاً من خلال إجراءات وخطط هدفت، فيما هدفت، إلى محاولة السيطرة على القطاعين، المالي والمصرفي، حيث تجلّت أولى هذه الخطوات بدفع حكومة حسّان دياب إلى تعليق سداد قيمة 
سندات اليوروبوند المستحقة على الدولة اللبنانية، والتي بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي، ترافق ذلك مع حملة إعلامية كبيرة وممنهجة، استهدفت حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بعد أن تعذّر على الحزب إخضاعه لشروطه وإملاءاته في ما يتعلق بعدم الالتزام بالعقوبات الأميركية عليه، باعتباره الرجل الذي يضمن تنفيذ لبنان العقوبات الأميركية على الحزب، بهدف حماية النظام المالي اللبناني.
وجاءت الخطوة الثانية بمحاولة فرض التعيينات المالية في حاكمية مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأسواق المالية، بما يتوافق مع طروحات حزب الله وطروحات حلفائه في حركة أمل والتيار الوطني الحر، في سبيل الوصول إلى تحقيق خطته الاقتصادية القائمة على الإمساك بمفاصل الدورة الاقتصادية في لبنان (الاستيراد والتجارة) من خلال استبدال النظام المصرفي اللبناني القائم بنظام جديد يقوم على الاقتصاد النقدي، يسهّل للحزب امتلاك كتلة نقدية كبيرة موجودة بأيدي اللبنانيين، والتحكّم بها بعيداً عن التحويلات البنكية والمعاملات المصرفية، مخرجا له من العقوبات المفروضة عليه.
وبالقراءة المتأنية لهذه الخطوات وغيرها، يمكن الركون إلى مجموعة أهدافٍ يسعى حزب الله إلى تحقيقها، في مقدمتها الاستيلاء على الاقتصاد اللبناني، من خلال تعطيل النظام المصرفي اللبناني القائم، وبالتالي تعطيل العمليات التجارية التقليدية المعروفة والقائمة على التحويلات البنكية والاعتمادات، واستبدالها بعمليات تجارية جديدة يكون حزب الله المتحكم الوحيد فيها من خلال المنافذ البرية والبحرية والجوية لإغراق الأسواق بسلع وبضائع مهرّبة تحقق له هدفين أساسيين: تمويل نفسه بنفسه من خلال إدخال البضائع وبيعها والاستفادة من أرباحها بعيداً عن الدولة اللبنانية ومصارفها. تأمين الأسواق للمنتجات والبضائع الإيرانية والسورية وللشركات والتجار المحسوبين على حزب الله، والذين يعتبرون جزءاً من منظومته المالية، وفي هذه الحال يكون الحزب هو المتحكم الرئيسي في الدورة الاقتصادية، فيستطيع الالتفاف على العقوبات الأميركية والالتفاف على المحاولات الهادفة إلى تجفيف مصادر تمويله، إلى جانب التفلّت من حكم المصارف ومعاملاتها.
ومن الأهداف التي يسعى الحزب إلى تحقيقها أيضاً محاولة إجهاض أي فرصة لإمكانية تعاون الدولة اللبنانية مع المؤسسات المالية الدولية، وإعادة ربط الاقتصاد اللبناني بالقواعد القانونية والتجارية للاقتصاد العالمي، وبالتالي تعطل أي خطة إصلاحية كان يمكن للحكومة اللبنانية طرحها قد تؤدي إلى استعادة السيطرة على الحدود اللبنانية البرية والبحرية والجوية التي يستخدمها حزب الله لتهريب الأسلحة وغيرها.
يضاف إلى هذين الهدفين السعي إلى تحويل نقمة الشارع اللبناني، وخصوصا بعد انتفاضة أكتوبر 2019، من نقمة على الأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة إلى نقمة على المؤسسات المالية والمصرفية ومسؤوليها، تحت ستار حماية صغار المودعين، بتحميل هذه المؤسسات وهؤلاء المسؤولين مسؤولية نقص السيولة بالدولار، واحتجاز أموال المودعين، سيما الصغار 
منهم، والتضييق على المعاملات المصرفية، وبالتالي الانتقام من هذه المؤسسات ومن مسؤوليها، ومحاولة إضعافهم باعتبار أنهم ساهموا بالتضييق على حسابات الحزب وتحويلاته وواجهاته التجارية، تنفيذاً للعقوبات الأميركية الهادفة إلى تجفيف تمويل النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة العربية وفي العالم.
في المحصلة، يمكن القول إن عبارة "لبنان بات يخضع بكل مجالاته لسيطرة حزب الله"، والتي جاءت في ختام تقرير أوروبي، تناول وضع حكومة حسّان دياب وحجم تغلغل حزب الله فيها، تعكس حقيقة حزب الله الساعي إلى إعادة صياغة هوية لبنان الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، في سبيل السيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية، لتكون بذلك صغيرة قائمة ضمن دولة حزب الله الكبرى الدائرة في الفلك الإيراني.
دلالات