06 نوفمبر 2024
حرية الصحافة وقوانينها في المغرب
طرحت وزارة الاتصال (الإعلام) المغربية رزمة من مشاريع القوانين الخاصة بحرية الصحافة وتنظيم المهنة. وقد تأخرت هذه المشاريع أكثر من عشر سنوات، إذ ظل يجري الحديث عنها منذ عام 2005، وكان آخر تعديل طفيف أدخل على قانون الصحافة الحالي يعود إلى عام 2003. ومنذ تلك السنة، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد عرف المغرب، عام 2009، فتح ما سمي حوار الإعلام والمجتمع، إثر سوء الفهم الكبير الذي كان سائداً بين السلطة وآخر ما تبقى آنذاك من صحف ومجلات مستقلة، حول تأويل مفهوم حرية الصحافي في النقد والتقصي. وعلى الرغم مما أُنفق على ذلك الحوار من أموال من خزينة الدولة، فإن مصير "توصياته" كان سلة المهملات. وعلى إثر ما عرفه المغرب من حراك شعبي، بتأثير من رياح "الربيع العربي"، برزت إلى السطح قوة الإعلام الجديد الذي أصبحت له قدرة كبيرة على التأثير على الرأي العام، ما جعل السلطة تعطل كل مشاريع إصلاحها للإعلام في انتظار استيعاب قوة هذا المارد الجديد، لمعرفة كيفية التحكم فيه واحتوائه.
وهكذا ظلت السلطة تراوغ في طرح مسوداتٍ لإصلاح قانون الصحافة، وفي السنوات الأربع الماضية، صدرت أكثر من مسودة تتعلق بقانون الصحافة أو مدونة الإعلام الإلكتروني، وسرعان ما تم سحبها، تحت وابل من نقد رواد المواقع الاجتماعية التي أصبح لها تأثير كبير على صناع القرار في المغرب.
قبل أسابيع، طرحت وزارة الاتصال في المغرب مسودة جديدة لمشاريع قوانين، تتعلق بقانون الصحافة والصحافي المهني والمجلس الوطني للصحافة المكتوبة. صادقت الحكومة على بعض هذه المشاريع، ووصل بعضها إلى البرلمان، وكلها تنتظر التصويت عليها لتصبح نافذة.
يحدث هذا في آخر سنة من ولاية الحكومة الحالية التي يقودها الإسلاميون، وبالتالي، فإن الإصلاح الذي تعثر أكثر من عشر سنوات يراد تمريره في ربع الساعة الأخير من عمر هذه الحكومة.
وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية قضت أربع سنوات في إعداد هذه المشاريع، إلا أن أول ما تعرضت له من انتقادات هو عدم إشراكها للفاعلين والمهنيين في إنجازها، وأكبر انتقاد لهذه المشاريع حتى الآن جاء من فيدرالية الناشرين التي تجمع بعض ناشري الصحف والمواقع الرقمية في المغرب الذين آخذوا على الوزارة الوصية على القطاع عدم أخذها بالاعتبار الاقتراحات التي قدموها لها، وهو ما يمس في الجوهر منهجية إعداد هذه المشاريع التي قالت الوزارة إنها اعتمدت على مقاربة تشاركية في إنجازها.
وبالنظر إلى السياق الزمني الذي طرحت فيه هذه المشاريع، يمكن القول إن اختيار التوقيت ليس بريئا، لأن هذه المشاريع تطرح اليوم في ظل تراجعات كبيرة تشهدها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في المنطقة العربية، إثر نجاح "الثورات المضادة" التي أفرغت شعارات الثورات الشعبية من كل محتوى. وعلى المستوى الداخلي، يأتي طرح هذه المشاريع في ظرف يعيش فيه المغرب على وتيرة تراجعات كبيرة في مجال الحقوق والحريات، وهو ما يخشى أن يكون له تأثير نفسي كبير على النقاش، والمصادقة عليها.
وبالعودة إلى مشروع القوانين المطروحة للنقاش قبل مصادقة البرلمان عليها، يمكن إبداء ملاحظات عليها تتعلق بالجوهر. فالحكومة قدمت مشاريعها على أنها "واعدة ومتطوّرة ومتقدمة"، وتقول إنها ستعزز أكثر ضمانات الحرية في ممارسة مهنة الصحافة، وتلغي العقوبات السالبة للحرية، وتعوض بعضها بغراماتٍ مالية، وتسن، لأول مرة في تاريخ الصحافة المغربية، إنشاء مجلس وطني للصحافة، لتعزيز أخلاقيات المهنة، وتقنن ممارسة الصحافة الإلكترونية التي تشهد طفرة كبيرة في المغرب.
لكن، عندما ننظر إلى هذه المشاريع بعين ناقدة، نجد أنها قديمة لم تأت بجديد، فالحديث عنها
يجري منذ أكثر من عشر سنوات، وكل ما أتت به أنها حذفت بعض العقوبات الحبسية، وتركت أخرى، وصدّرت أخرى إلى القانون الجنائي. وبالتالي، فتح المشروع الجديد ممراً آمنا للقضاء ما بين القانونين، والعبور منه تُرك لتأويل القاضي ولمزاج السلطة. وتم الاحتفاظ بالعقوبات الحبسية الثقيلة التي تصل عقوبتها إلى خمس سنوات سجناً نافذاً في المواضيع ذات الطبيعة السياسية. وبالتالي، هي عقوبات تحد من حرية الرأي والتعبير، الأمر يتعلق بـما يسمى في المغرب بالثوابت، وهي "الإساءة للدين الإسلامي، أو التحريض ضد الوحدة الترابية، أو الإساءة للنظام الملكي، أو الإساءة لشخص الملك أو ولي العهد أو أعضاء الأسرة الملكية". وفي كل هذه العقوبات، لم يحدد المشروع مفهوم الإساءة، ولا مفهوم التحريض، كما لم يحدد بشكل دقيق طبيعة هذه الجرائم. وفي جانب عقوبات الغرامات والتعويضات، لم يحدّد المشروع لها سقفاً، وترك "عصا" العقاب في يد القاضي، في بلدٍ تنتقد فيه المنظمات المغربية والدولية فساد قضائه، وعدم استقلاليته.
والمفارقة أن هذا المشروع الذي يقدّم على أنه متقدم، حمل بين طياته عقوبات جديدة وغريبة، من قبيل المنع من الحقوق المدنية والسياسية، والمنع من الممارسة الصحفية مدة 10 سنوات، والسحب النهائي لبطاقة الصحافة وبطاقة الاعتماد من الصحافيين.
أما ما اعتبرته الوزارة جديداً في مشروعها، ويتعلق الأمر بإنشاء مجلس للصحافة المكتوبة، ظل مطلبه قائماً منذ عشر سنوات، فإن علامات استفهام كثيرة تطرح حول مدى استقلاليته مستقبلاً عن السلطة التي تموله، وتسهر على انتخابات أعضائه، بالإضافة إلى أن مشروع القانون ينص على حضور ممثل عن الحكومة لاجتماعاته. وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو إيجاد جهاز للضبط والمعاقبة الذاتية للصحافيين، عدا عن أنه قد يتحول مستقبلا إلى "أداة" لشراء صمت بعض الصحفيين، وضمان ولائهم للسلطة.
ما يدفع إلى الشك بأن الهدف من هذه المشاريع هو مزيد من الضبط وليس التقنين، هو إغفالها كل حديث عن تحرير الإعلام العمومي، في بلد ما زالت لا توجد فيه تلفزة مستقلة واحدة!
وفي الختام، ما الجدوى من الحديث عن إصلاح قوانين لحرية الصحافة، في بلد تم القضاء فيه كليا على الصحافة المستقلة، ويعيش فيه الصحافيون تحت تضخم الرقابة الذاتية، وتشجع فيه السلطة صحافةً غير مهنية، لا تحترم أخلاقيات المهنة، متخصصة في مهاجمة صاحب كل رأي مستقل، ولا أقول مخالفاً أو معارضاً.
وهكذا ظلت السلطة تراوغ في طرح مسوداتٍ لإصلاح قانون الصحافة، وفي السنوات الأربع الماضية، صدرت أكثر من مسودة تتعلق بقانون الصحافة أو مدونة الإعلام الإلكتروني، وسرعان ما تم سحبها، تحت وابل من نقد رواد المواقع الاجتماعية التي أصبح لها تأثير كبير على صناع القرار في المغرب.
قبل أسابيع، طرحت وزارة الاتصال في المغرب مسودة جديدة لمشاريع قوانين، تتعلق بقانون الصحافة والصحافي المهني والمجلس الوطني للصحافة المكتوبة. صادقت الحكومة على بعض هذه المشاريع، ووصل بعضها إلى البرلمان، وكلها تنتظر التصويت عليها لتصبح نافذة.
يحدث هذا في آخر سنة من ولاية الحكومة الحالية التي يقودها الإسلاميون، وبالتالي، فإن الإصلاح الذي تعثر أكثر من عشر سنوات يراد تمريره في ربع الساعة الأخير من عمر هذه الحكومة.
وعلى الرغم من أن الحكومة الحالية قضت أربع سنوات في إعداد هذه المشاريع، إلا أن أول ما تعرضت له من انتقادات هو عدم إشراكها للفاعلين والمهنيين في إنجازها، وأكبر انتقاد لهذه المشاريع حتى الآن جاء من فيدرالية الناشرين التي تجمع بعض ناشري الصحف والمواقع الرقمية في المغرب الذين آخذوا على الوزارة الوصية على القطاع عدم أخذها بالاعتبار الاقتراحات التي قدموها لها، وهو ما يمس في الجوهر منهجية إعداد هذه المشاريع التي قالت الوزارة إنها اعتمدت على مقاربة تشاركية في إنجازها.
وبالنظر إلى السياق الزمني الذي طرحت فيه هذه المشاريع، يمكن القول إن اختيار التوقيت ليس بريئا، لأن هذه المشاريع تطرح اليوم في ظل تراجعات كبيرة تشهدها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في المنطقة العربية، إثر نجاح "الثورات المضادة" التي أفرغت شعارات الثورات الشعبية من كل محتوى. وعلى المستوى الداخلي، يأتي طرح هذه المشاريع في ظرف يعيش فيه المغرب على وتيرة تراجعات كبيرة في مجال الحقوق والحريات، وهو ما يخشى أن يكون له تأثير نفسي كبير على النقاش، والمصادقة عليها.
وبالعودة إلى مشروع القوانين المطروحة للنقاش قبل مصادقة البرلمان عليها، يمكن إبداء ملاحظات عليها تتعلق بالجوهر. فالحكومة قدمت مشاريعها على أنها "واعدة ومتطوّرة ومتقدمة"، وتقول إنها ستعزز أكثر ضمانات الحرية في ممارسة مهنة الصحافة، وتلغي العقوبات السالبة للحرية، وتعوض بعضها بغراماتٍ مالية، وتسن، لأول مرة في تاريخ الصحافة المغربية، إنشاء مجلس وطني للصحافة، لتعزيز أخلاقيات المهنة، وتقنن ممارسة الصحافة الإلكترونية التي تشهد طفرة كبيرة في المغرب.
لكن، عندما ننظر إلى هذه المشاريع بعين ناقدة، نجد أنها قديمة لم تأت بجديد، فالحديث عنها
والمفارقة أن هذا المشروع الذي يقدّم على أنه متقدم، حمل بين طياته عقوبات جديدة وغريبة، من قبيل المنع من الحقوق المدنية والسياسية، والمنع من الممارسة الصحفية مدة 10 سنوات، والسحب النهائي لبطاقة الصحافة وبطاقة الاعتماد من الصحافيين.
أما ما اعتبرته الوزارة جديداً في مشروعها، ويتعلق الأمر بإنشاء مجلس للصحافة المكتوبة، ظل مطلبه قائماً منذ عشر سنوات، فإن علامات استفهام كثيرة تطرح حول مدى استقلاليته مستقبلاً عن السلطة التي تموله، وتسهر على انتخابات أعضائه، بالإضافة إلى أن مشروع القانون ينص على حضور ممثل عن الحكومة لاجتماعاته. وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو إيجاد جهاز للضبط والمعاقبة الذاتية للصحافيين، عدا عن أنه قد يتحول مستقبلا إلى "أداة" لشراء صمت بعض الصحفيين، وضمان ولائهم للسلطة.
ما يدفع إلى الشك بأن الهدف من هذه المشاريع هو مزيد من الضبط وليس التقنين، هو إغفالها كل حديث عن تحرير الإعلام العمومي، في بلد ما زالت لا توجد فيه تلفزة مستقلة واحدة!
وفي الختام، ما الجدوى من الحديث عن إصلاح قوانين لحرية الصحافة، في بلد تم القضاء فيه كليا على الصحافة المستقلة، ويعيش فيه الصحافيون تحت تضخم الرقابة الذاتية، وتشجع فيه السلطة صحافةً غير مهنية، لا تحترم أخلاقيات المهنة، متخصصة في مهاجمة صاحب كل رأي مستقل، ولا أقول مخالفاً أو معارضاً.