على مدار عقود تمتع الكويتيون بحرية متزايدة في مجالات الرأي والتعبير المختلفة، غير أن السنوات الخمس الماضية شهدت تراجعاً في مجال الحريات وفق ما تؤكده إحصائيات منظمات حقوقية دولية وناشطون كويتيون، قارنوا بين الفترة منذ عام 1962 وحتى عام 2006 والتي أدين 8 أشخاص خلالها في قضايا مرتبطة بحرية الرأي والتعبير، في المقابل تم تسجيل 63 حالة إدانة لأشخاص "عبّروا عن آراء انتقادية على تويتر وفيسبوك وعلى مدونات وغيرها من منابر التواصل الاجتماعي وفي المظاهرات" بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في عام 2015 فقط.
ويقدر ناشطون حقوقيون كويتيون، عدد من وجهت لهم اتهامات أو ينتظرون ملاحقة قضائية على خلفية قضايا رأي وتعبير منذ عام 2012 وحتى اليوم، بـ 300 حالة ما يثير قلق الكويتيين على إرث بلادهم الديمقراطي.
الديمقرطية في الكويت
يؤكد محللون وخبراء أن تاريخ الكويت مع التجربة الديمقراطية، جعلها من الدول الرائدة في منطقة الخليج، إذ إن دستور (1962) أكد أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما"، كما لم يضاهِ الكويت عربيا في الحريات الصحافية سوى لبنان، وفق مؤشرات قياس حرية الصحافة العالمية، الأمر الذي يمكن أن نفهم من خلاله سر قدوم مثقفين وفنانين منفيين عن بلادهم بداية الثمانينيات للاستقرار في الكويت التي كانت بمثابة ملاذ لهم لسنوات طويلة، مثل الشاعر العراقي المعروف أحمد مطر الذي كان ينشر قصائده في صحيفة القبس الكويتية، وكذلك رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
نقطة التحول
في يونيو/حزيران من عام 2012، تصاعدت حدة التوتر في الشارع السياسي الكويتي عقب صدور حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الأمة والعودة إلى المجلس المنتخب في عام 2009، ومن ثم صدر المرسوم الأميري بحل مجلس 2009 في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 بسبب تعذر عقد جلساته لعدم اكتمال النصاب، أعقب ذلك صدور المرسوم الأميري رقم 20 لسنة 2012 بتغيير قانون الانتخاب إلى نظام الصوت الواحد، ومن ثم توالت ردود الأفعال الرافضة خاصة من رموز المعارضة بمجلس 2012 النيابي.
خلال هذه الفترة تسارعت وتيرة الأحداث السياسية وشهدت البلاد مسيرات حاشدة، على إثرها تم ملاحقة العديد من المدونين والنشطاء السياسيين قضائياً بسبب تغريداتهم على موقع التدوين المصغر "تويتر" ، كما تم تفعيل قانون المطبوعات والنشر بحقهم، في ظل حالة من التضييق على الحريات الإعلامية والصحافية وإغلاق بعض القنوات الفضائية والصحف وحجب مواقع إلكترونية لفترات محدودة ودائمة.
أبرز قضايا حرية الرأي والتعبير
تعد قضية النائب السابق مسلم البراك، والذي قضت محكمة الاستئناف بسجنه عامين في 22 فبراير/شباط 2015، بتهمة "العيب بالذات الأميرية" بعد إلقائه خطابا وجه خلاله رسائل سياسية لأمير الكويت، من أهم قضايا حرية الرأي والتعبير بالنظر إلى أن 67 مواطنا كويتيا أعادوا تكرار خطاب مسلم البراك على يوتيوب ومواقع التواصل، يحاكمون إلى يومنا هذا بذات التهمة، ومنهم من صدرت أحكام بسجنهم مثل الناشطة الكويتية رنا السعدون حكمت عليها محكمة الجنايات بالسجن 3 سنوات بتهمة ترديد خطاب البراك. كما تم الحكم على الصحافي والمدون عياد الحربي، بالسجن عامين، لأنه أعاد تغريد جزء من قصيدة أحمد مطر، كان ينتقد فيها الحكام العرب، وقد أكمل الحربي مدة سجنه، وأًفرج عنه قبل أيام. كما تم اعتقال المدرّسة والناشطة الكويتية، سارة الدريس، الشهر الماضي، والتي تُعد أول سجينة رأي في الكويت، بسبب تغريدة تم تأويلها على أنها "مسيئة" إلى الذات الأميرية وخرجت بكفالة من المحكمة بعد حبسها احتياطياً مدة 10 أيام. أما الأستاذ في كلية الشريعة، أحمد الذايدي، فقد تمت إحالته إلى التحقيق من قبل وزارة التعليم العالي، بناء على شكاوى "مزعومة" من بعض الطلاب لم تذكر أسماؤهم قدمت لإدارة الجامعة تحاكمه فيها على أفكاره وآرائه في قاعة الدرس.
ومن بين قضايا الرأي الغريبة في الكويت، ما حدث مع الناشط والمغرد عبدالله الرسام، والذي تم اعتقاله في عام 2015، من قبل قوة تابعة لجهاز أمن الدولة بسبب علامة تعجب (!)، بحسب ما ذكره الرسام نفسه بعد إخلاء سبيله بكفالة "قال لي ضابط أمن الدولة إن علامة التعجب التي وضعتها في نهاية تغريدتي تُفسَّر إساءةً للذات الأميرية".
وبسبب إحالة عشرات من المتهمين بقضايا رأي في الكويت، إلى القضاء بتهم تتعلق بالإساءة إلى الذات الأميرية، وآخرون بتهم تتعلق بـ "ازدراء الأديان" أو "الإساءة إلى دول مجاورة"، تعرضت الكويت لانتقادات منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، والتي أصدرت بيانات عدة تطالب فيها الكويت بالإفراج فورا ومن دون شروط عن سجناء الرأي المحتجزين أو المسجونين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية.
الافتقار إلى الإحصائيات
تفتقر الكويت إلى إحصائية رسمية لعدد قضايا الرأي في المحاكم الكويتية، بحسب الناشط الحقوقي الكويتي نواف الهندال، رئيس منظمة كويت ووتش لحقوق الإنسان، والذي قال لـ"العربي الجديد"، بحسب إحصائياتنا كجهة حقوقية فإن قضايا حرية الرأي والتعبير تزيد عن 500 قضية رأي تتوزع على تهم مختلفة منها حوالي 350 قضية تتعلق بالذات الأميرية، وما تبقى قضايا تتصل بالإساءة للدول المجاورة، وقضايا ازدراء الأديان، فضلا عن قضايا التجمهر والتظاهر السلمي.
والهندال ذاته اعتُقل العام الماضي بعد مشاركته كراصد للانتهاكات في تجمع سلمي مؤيد لمعتقلي الرأي في (ساحة الإرادة) وسط العاصمة الكويتية.
أسباب تراجع "حرية التعبير" في الكويت
يرجع الناشط الحقوقي نواف الهندال أسباب تراجع حرية التعبير في بلاده، إلى التغيرات الإقليمية التي جرت منذ عام 2011 في مواجهة الربيع العربي، وما رافقه من احتجاجات شعبية، فضلا عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت محطة رئيسية لتعبير الناس عن آرائهم بحرية من دون الخوف من الحكومات.
ويتفق ناشط كويتي آخر في مجال حقوق الإنسان، رفض الكشف عن هويته لضرورة أمنية، مع الناشط الهندال قائلا لـ"العربي الجديد" تم إقرار قوانين جديدة لمحاصرة حرية التعبير مثل "قانون النشر الإلكتروني" وقانون "حرمان المسيء للذات الأميرية من الترشح للانتخابات" والذي أقره البرلمان وينص على منع كل من يمس "الذات الأميرية" و"الذات الإلهية" بالحرمان من الترشح لعضوية البرلمان الكويتي.
ويلفت الناشط الكويتي، إلى أن غياب المعارضة السياسية عن المشاركة في البرلمان (السلطة التشريعية) يعد أهم أسباب تراجع حرية التعبير في الكويت، بالإضافة إلى إصدار مجلس الأمة (والذي تم حله مؤخرا) قوانين تحاصر حرية التعبير، كان آخرها زيادة فترة الحبس الاحتياطي إلى 21 يوماً.
على الرغم من المؤشرات الرقمية المثيرة للقلق حول مستقبل حرية الرأي والتعبير، تظل دولة الكويت "الأفضل حالا" في مقياس حرية التعبير، مقارنة بجيرانها، لكنها، وإن كانت تحتل مرتبة متقدمة في الحريات "عربيا"، إلا أن ترتيبها هو 103 عالميا في مؤشر حرية الصحافة عام 2015 بحسب "لجنة حماية الصحافيين" (CPJ).