حروب أميركية داخلية

19 ابريل 2018
+ الخط -
تمت الضربة الأميركية على سورية، وسط تخبط وترقب في الولايات المتحدة، فبين رئيس منشغلٍ بألعابه على "تويتر"، يهدّد الروس بصواريخ "جميلة وذكية"، وإدارة يطغى عليها الإنقسام الداخلي في كل المواضيع العالمية، يعيش عالم اليوم.
ها هو دونالد ترامب، مرة أخرى، يلوذ بخلوته في "تويتر"، يهدّد الروس والإيرانيين والسوريين بعد "الهجوم المفترض في دوما". ترامب المتناقض الفاقد للإستراتيجة الواضحة والشفافة.
ترامب نفسه هو من طلب من سلفه باراك أوباما في تغريدة نشرها على تويتر في 7 سبتمبر/ أيلول 2013، "بالابتعاد عن سورية وعدم مهاجمتها"، بسبب تقارير الهجمات بالأسلحة الكيميائية في ذلك العام. وأضاف "لا توجد مميزات في الهجوم على سورية، وتوجد إشكالات عديدة لنا، وفر سلاحك ليوم آخر أكثر أهمية". وكان هناك انتقاد آخر لأوباما من ترامب، حين انتقده بإعلان معركة الموصل، وطالبه بعنصر المفاجأة عند الهجوم على الأعداء.
وها هو الرئيس الأميركي يرتكب الأخطاء نفسها التي كان يحذر منها، وهي التدخل في سورية في المقام الأول، والإعلان عن موعد الهجوم في المقام الثاني. ولكن تبقى هناك أسئلة محيّرة بشأن هذا الهجوم الذي لم تتضرّر منه الحكومة السورية، فهو هجوم على مبان خالية من العتاد والجنود، فما الذي حدث لتكون هذه الهجمة بهذه الطريقة؟
هناك حروب داخل الإدارة الأميركية بين نوعين من الصقور، العاقلة والمتهورة. في وقت سابق، سعى ترامب، وهو من يقود الصقور المتهورة للقضاء على الجانب العقلاني في الإدارة الأميركية بعزل أقوى العناصر العقلانية في الإدارة الأميركية، مثل وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، بسبب مواقفه المعتدلة تجاه قطر وإيران وسورية. وفي الوقت نفسه، أحضر كل من جون بولتون صاحب الشارب المشهور، ومايك بومبيو، ناهيك عن صهر الرئيس الساعي لتحقيق مكاسب اقتصادية والمفتقر لأي تجربة أو خبرة سياسية.
دارت هذه المعركة بين بولتون ووزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يعتبر آخر العقلاء في الإدارة الأميركية، حيث سعى بولتون إلى إقناع الرئيس والإدارة الأميركية بتنفيذ عمليات واسعة وشاملة على الأراضي السورية، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة مع روسيا أو إيران، وهو ما تأثر به ترامب، وبدأ يغرّد ويعلن عن هجمات ساحقة له في سورية، في حين كان ماتيس يسعى إلى إقناع الإدارة بأن هذا الهجوم قد يؤدي إلى قيام حرب عالمية ثالثة، ناهيك عن أنه لا توجد أدلة أصلا تثبت الهجوم الكيميائي. وبالفعل، نجح جيمس ماتيس بمساعيه وكانت الضربة محدودة جدا، بل وتم التنسيق مع الجانب الروسي، كما تم الاتفاق على الأهداف مع الجانب الروسي، فخرج الجميع من هذا المأزق منتصرين، فلا الحكومة السورية تضرّرت من هذا القصف، ولا الروس أو الإيرانيين خسروا شيئا هناك، ونفذت الولايات المتحدة وعدها بالهجوم المحدود على سورية.
مع تقليص صلاحيات جيرالد كوشنر الذي كان يؤثر على قرارات ترامب بشكل واضح، يبدو أن فريق العقلانيين متمثلا بماتيس، سيكسب معارك أخرى. ويبدو وجود أشخاص مثل ماتيس في الإدارة الأميركية عنصر أمن للعالم أجمع، للحد من نزوات رئيس فاقد لإستراتيجيات واضحة وسياسة شفافة. ولعل المعركة المقبلة هي "الاتفاق النووي الإيراني"، فهل سيكسب ماتيس المعركة مرة أخرى؟
B8509327-5E31-4709-83EC-3DA31CEFF270
B8509327-5E31-4709-83EC-3DA31CEFF270
محمود البازي (سورية)
محمود البازي (سورية)