حركة "نسكن" تطرد الأرواح الشريرة

05 نوفمبر 2016
نضال الخيري / الأردن
+ الخط -

على وقع موسيقى الرحابنة، وصوت فيروز يصدح بأغنية "قرأت مجدك"، مع بعض الكتب المكوّمة على الطاولة وفنجان القهوة والتبغ، في هذا المكان الذي يشبه غرفة طالب يساري أعزب، تبدأ الفنانة السورية المعارضة فدوى سليمان بقراءة نص ما من شاشة الحاسوب، ووشاحها الأزرق ملقىً بعبثية متقنة على كتفها، وخلفها علم الاستقلال بنجومه الحمراء من مكان إقامتها في باريس، بجانبها شاب طويل الشعر والذقن، ويرتدي شروالًا برتقاليًا.

يبدو الشاب المجهول جامدًا وصامتًا، ينظر ببؤس نحو عدسة الكاميرا كأنّه في جنازة دون أن نعرف دوره في المشهد باستثناء تدويره وإطفائه زر التصوير خلف الكادر.

كنت أنتظر أن يكون المقطع مشهدًا تهكميًا أو جزءًا من برنامجٍ ساخرٍ جديدٍ تشارك فيه فدوى، لكنّ انتظاري لرؤيتها تبتسم للكاميرا بنظرة ماكرة، وتقول إن ما سبق كان مشهدًا تمثيليًا ساخرًا تكلّل بالفشل. فالممثلة السورية ذات الأداء "منقطع النظير"، حافظت على تقاسيم وجهها الحزينة والجادة، في أداء هادئ ورصين بلغ ذروته عندما بدأت تعدد أهداف حركة "نسكن" التي أسّست عام 2011، كما يظهر في النص المرافق للمقطع الصوتي، ولكن الظروف لم تكن مواتية للإعلان عنها.

الحركة القديمة الجديدة، تسعى إلى تحرير سورية من النظام الأسدي والإيراني والروسي وتنظيم الدول، ومن احتلال السلاح الذي تمارسه فصائل المعارضة في المناطق المحرّرة مع المحافظة على وحدة البلاد واستقلالها وضبط الحدود السورية. كل هذه الأمنيات الرومانسية تنصبّ دفعة واحدة على أذن المشاهد والمستمع، تجعله يقف حائرًا بين خيارين اثنين؛ إما أن يقفز فرحًا لأن الحركة "المخلّصة من الأشرار جميعًا"، أصبحت حقيقة ملموسة وبُعثت من فرنسا، وإما أن يبكي دمًا على أمنياتٍ أريقت لأجلها دماء 500 ألف سوري منذ عام 2011 ولم تتحقق.

لكن المشاهد سيبكي حتمًا، بمجرد أن يقف على خطة العمل التي ستتبعها الحركة لتحقيق تلك "الطوباوية" التي تبدو وكأنها حلمٌ ورديٌ قابل للتحقيق بضغطة زر، أو سحابة من السكّر الملون طيّبة الطعم وبسيطة الصنع. فك الارتباط بالعملة السورية وخلق عملة بديلة لا تخضع لصندوق النقد الدولي، إلى خلق مصادر جديدة للطاقة وخلق نظام بيئي جديد يخدم السوريين والعالم، وليس انتهاءً بفك ارتباط جميع الهيئات السياسية السورية عن الأمم المتحدة إن لم تلبِّ مطالب السوريين الأحرار، بهذه الخطوات البسيطة التي لا تحتاج إلى أي "وصفة سحرية" ولا عصا "غاندالف"، ترغب حركة "نسكن" بتحقيق أهدافها.

الجمهور الذي أصيب بالدهشة بعد أن اكتشف أن المشهد السابق ليس تمثيليًا، بل حقيقة تقبع هناك خلف الشاشة، بدأ حملة شرسة من التهكّم، وجاءت ردود الأفعال في مجملها سلبية وتصرخ في وجه البيان ككل، وتجنّب المعلِّقون المواجهة المباشرة مع فدوى سليمان احترامًا لشخص إنسانة كانت في وقت سابق تشكل إحدى أيقونات الثورة، وتقود المظاهرات في حمص وتغنّي وتهتف لإسقاط النظام.

ولكبح جماح حملة السخرية هذه، حذفت الصفحة التعليقات التي وصفت بأنها "مسيئة" وذات مضمون "جارح"، ووجهت الإنذارات لباقي المتابعين، مع تهديدات من مدير الصفحة المجهول بأن المقطع المصوّر القادم قد يلتقط فوق شجرة، ردًا على تهكمات المتابعين حول الطريقة المبالغ بها لصنع المقطع المصوّر.

اليأس الذي انتقل إلينا من خلال الفيديو، قد يلامس في نقطة ما مشهد اليأس الذي وصل إليه مثقفو الثورة السورية المنفيون في بلاد الشتات، من مستقبل الثورة السورية التي باتت تقمع بأكثر أنواع الأسلحة الروسية والإيرانية فتكًا، وفي السياق تبدو الأفكار الرومانسية التي تطرح هنا أقرب ما تكون إلى مدينة أفلاطون المثالية، وهو ما رغبت فدوى سليمان وصديقها الشاب إيصاله عمدًا، حيث أطلقا على هذا التوجه "العودة إلى البدايات".

مظهر اليأس الذي يصلنا اليوم من مثقفي الثورة، لن يبرر عجزهم عن تقديم طروحات سياسة منطقية تحاكي العقل والمعطيات السياسية والعسكرية على الأرض، كما أنه لن يبرر فشلهم في استقطاب جمهور مخلص وداعم، على عكس النظام الذي أصبح، للأسف، موهوبًا في تلك النقطة بعد خبرة خمس سنوات، والأمثلة كثيرة.

انتهى المقطع المصوّر بذهول يصيب الشاب المجهول يجعله يتأخر بضع ثوانٍ قبل أن يقفز – مظهرًا كامل شرواله البرتقالي المزركش- ليطفئ آلة التصوير، وسط صمت مخيف لم يكسره إلا هدير أصوات من شارع قريب وكلمة شآم ترددها فيروز عاليًا، بينما تحافظ فدوى سليمان على تعابير وجهها ثابتة بطريقة احترافية بعد انتهاء التصوير تحسبًا لأيّ عمليات مونتاج أو فواصل.

المساهمون