تواصلت المعارك على أطراف مدينة حلب بين قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معها من جهة، وقوات المعارضة التي تحاول فك الحصار عن الجزء الشرقي من المدينة من جهة أخرى، وتحوّلت هذه المواجهات في بعض المواقع إلى كر وفر بعد أن استعادت قوات النظام بعض النقاط التي خسرتها في اليومين الماضيين، فيما تستعد قوات المعارضة لفتح جبهات جديدة بغية تخفيف الضغط عن القوات المهاجمة على أطراف المدينة الجنوبية والغربية، وفق ما تفيد مصادر قريبة من المعارضة لـ"العربي الجديد". ويؤكد الناشط الإعلامي عمر عرب، أن قوات النظام استعادت بالفعل، فجر أمس الأربعاء، بعض النقاط التي خسرتها في قرية الحويز، بعد أن انسحبت منها قوات المعارضة تحت تأثر الضربات الجوية المكثفة. ويوضح عرب، الموجود داخل حلب، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام تسعى جاهدة لمنع تقدّم قوات المعارضة نحو منطقة الوضيحي الاستراتيجية، والتي إن سيطرت عليها لا يبقى أمامها سوى معمل الإسمنت لفك الحصار عن المدينة.
وكانت قوات المعارضة أعلنت بدء المرحلة الثالثة من معركة "الغضب لحلب"، والتي تهدف إلى فكّ الحصار عن أحياء حلب الشرقية المحاصرة، بنسف مبنى تابعٍ لقوات النظام في الراموسة، وفق تسجيلٍ مصوّر نشرته غرفة عمليات "فتح حلب"، وهو ما مكّن المعارضة من السيطرة على أجزاء من تلك المنطقة. كما تتواصل المعارك في الأجزاء الغربية من المدينة بين فصائل "فتح حلب" وقوات النظام على جبهات فرع المرور، وسوق الهال، والجامع الكبير في منطقة حلب القديمة، في حين أعلنت "الجبهة الشامية" إسقاط طائرة استطلاع روسية، في سماء مدينة حلب، عقب استهدافها بالرشاشات الثقيلة. وفيما تواصل وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري الصمت حيال ما يجري في حلب، مكتفية بذكر ما يرد في مواقع المعارضة من "اعترافات" بخسائر في صفوف المهاجمين، ذكر الإعلامي السوري الموالي للنظام شادي حلوة والمقيم في حلب الغربية، على صفحته في "الفيسبوك"، أن قوات النظام "تصدت لهجوم شنّته مجموعات جيش الفتح باتجاه مناشر منيان، غرب مدينة حلب الجديدة، حيث تدور اشتباكات عنيفة تُستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة وراجمات الصواريخ، ووقوع قتلى وجرحى في صفوف المسلحين".
كما تحدثت مصادر مختلفة عن اشتباكات تدور في محيط مخيم حندرات، شمالي حلب، في محاولة من قوات النظام لاقتحام المخيم، وتشتيت الهجوم الرئيسي لمقاتلي المعارضة في جنوبي وغرب المدينة. وكانت فصائل "جيش الفتح" و"غرفة عمليات فتح حلب"، أطلقت، الأحد الماضي، عملية عسكرية كبيرة بهدف فك الحصار عن الأحياء الشرقية ضمن معركة "الغضب لحلب"، وتمكّنت من الوصول إلى مشارف كلية المدفعية في منطقة الراموسة، وذلك بعد السيطرة على قرية الشرقة، على المحور الجنوبي لمدينة حلب، ونقاط وتلال أخرى في محيط المدينة. في غضون ذلك، يواصل الطيران الحربي السوري والروسي استهداف المدينة المحاصرة وريفها بعشرات الغارات الجوية، موقعاً قتلى وجرحى، خصوصاً في صفوف المدنيين.
وقال ناشطون إن الطيران الحربي الروسي استهدف حي الراشدين والراشدين الخامسة وعقرب ومحيط مدرسة الحكمة و"مشروع 1070" بالصواريخ الفراغية، بينما ألقت مروحيات النظام السوري براميل متفجرة وألغاماً بحرية على حي الراشدين والراشدين الخامسة، تزامناً مع اشتباكات متقطعة وقصف مدفعي وصاروخي مستمر على تلك المناطق. وسقط قتلى وجرحى إثر استهداف جوي لمستوصف في حي السكري في مدينة حلب. كما سقط قتيل وعدد من الجرحى في قصف مماثل على حي الصالحين بالصواريخ الفراغية، فيما سقط قتيلان إثر استهداف الطيران الحربي حي الأنصاري بغارة جوية. كما قُتل الناشط الإعلامي أحمد أبو البراء بعد إصابته بقصف للطيران الروسي.
وفي ريف حلب الشمالي، قُتل 6 أشخاص وأصيب آخرون جراء استهداف الطيران الحربي مدينة الأتارب بأكثر من 10 غارات بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، طاولت شاحنات تحمل مواد غذائية. واستهدفت الغارات أيضا بالصواريخ الفراغية مدينة دارة عزة وقرية الشيخ علي في ريف حلب الغربي. وأحصى ناشطون قيام 72 طائرة حربية روسية وسورية بالإغارة على مدينة حلب وريفها يوم الثلاثاء. ونقلت وسائل إعلام مقربة عن مصدر من قوات النظام قوله إن نحو خمسة آلاف عنصر موالين للنظام يشاركون في المعارك المحيطة بحلب، بينهم إيرانيون ومن حزب الله اللبناني، بينما قال ناشطون معارضون إن نحو عشرة آلاف عنصر من فصائل المعارضة يشاركون في الهجوم الذي يُعتبر الأكبر لفصائل المعارضة منذ هجوم العام 2012 الذي مكّنها من السيطرة على أكثر من نصف مساحة المدينة.
على صعيد آخر، قال المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) سعد حوري، إن تصاعد العنف في حلب يضع الأطفال في ظروف مروّعة ستكون لها تبعات وخيمة لسنوات مقبلة. وذكر حوري أن القتال في المناطق المكتظة بالسكان غربي حلب، أجبر نحو 25 ألف شخص على النزوح، مطالباً الأطراف المتنازعة السماح لـ"اليونيسف" بالوصول إلى العائلات والأطفال وتقديم المساعدات لهم.
وفي ريف حماة الجنوبي، تتواصل المعارك بين قوات المعارضة السورية وقوات النظام على أطراف قرية الزارة، ضمن معركة "اليوم يومك يا حلب" التي أطلقتها غرفة عمليات فتح حمص بغية السيطرة على محطة الزارة الحرارية بريف حماة الجنوبي. وأعلنت المعارضة السورية أن مقاتليها تمكنوا من تدمير عربة مقاتلة ومدفعاً لقوات النظام في محيط المحطة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، بينما ألقى طيران النظام المروحي براميل متفجرة على الأحياء السكنية في بلدة الزارة. في سياق متصل، طالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، مجلس الأمن بالتحرك تحت الفصل السابع بعد قصف مدينة سراقب، في ريف إدلب، بغاز الكلور. ودعا الائتلاف، في بيان له، المجلس إلى "تحمّل المسؤولية في حماية المدنيين وفق القوانين الشرعية الدولية، ومنع جرائم الحرب وإيقاف التهديد الكيميائي المستمر على يد نظام الأسد وداعميه".
وكان الدفاع المدني السوري قد ذكر أن الطيران المروحي استهدف الأحياء السكنية في مدينة سراقب ببرميلين متفجرين، يحتوي كل منهما على خمس أسطوانات تحوي مادة الكلور مع كرات حديدية مختلفة الأحجام، ما أسفر عن إصابة 33 مدنياً، بينهم 18 امرأة وعشرة أطفال بحالات اختناق، معظمهم في حالة حرجة. واتهم ناشطون روسيا بقصف المدينة بالكلور انتقاماً لمقتل خمسة عسكريين كانوا على متن طائرة مروحية سقطت قرب البلدة قبل يومين. فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، إن واشنطن "تدرس تقارير عن إلقاء غاز سام على بلدة سورية قرب موقع إسقاط هليكوبتر روسية، وإنه إن صحت تلك التقارير فستكون خطيرة للغاية".